منذ تعليق محادثات فيينا بشأن النووي الإيراني، تصاعدت حدة التوترات والتهديدات بين إيران وإسرائيل.
ولعل من يستمع إلى تصريحات مسؤولي البلدين يعتقد أن طبول الحرب ستتحول سريعا إلى حرب حقيقية في أي وقت.
واللافت هنا هو تحول تركيا إلى ساحة جديدة للمواجهة بين إيران وإسرائيل على شكل حرب استخباراتية وإعلامية، مع الإشارة إلى أن مثل هذه العمليات ليست بجديدة على إيران، إذ قبل أشهر تم إلقاء القبض على شبكة إيرانية كانت تخطط لاغتيال رجل الأعمال الإسرائيلي يائير غيلر في إسطنبول، التي تشكل وجهة مفضلة للسياح الإسرائيليين.
السؤال الأساسي هنا: لماذا تحولت تركيا إلى ساحة مواجهة جديدة بين إسرائيل وإيران بعد أن كانت هذه المواجهة متمركزة في سوريا تقريبا؟
في محاولة للإجابة عن السؤال أعلاه لا بد من التوقف عند الأهداف الإيرانية من وراء زيادة اختراقها للساحة التركية، ولعل من أهم هذه الأهداف:
1-وقف التقارب الجاري في العلاقات التركية-الإسرائيلية، في ظل الزيارات المتبادلة لكبار مسؤولي البلدين، والحديث عن فتح صفحة جديدة بينهما، ستكون لها تداعيات إقليمية مهمة على صعيد الاصطفافات والتحالفات الجارية في المنطقة.
2-محاولة توجية ضربة استخباراتية لإسرائيل ردا على سلسلة هجمات طالت علماء نوويين إيرانيين وضباط كبار من “الحرس الثوري الإيراني” في الفترة الأخيرة.
3-محاولة منع التقارب التركي مع دول الخليج العربي ومصر، لاعتقاد إيران بأن هذا التقارب سيغير من المعادلات الإقليمية في المنطقة، ومصالحها الإقليمية، لا سيما مع الزيارة المقررة للرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى المنطقة الشهر المقبل، والحديث الإسرائيلي عن مظلة إقليمية لحماية المنطقة من التهديدات الإيرانية.
من الواضح أن العامل الذي يقف وراء الأهداف الإيرانية السابقة هو إحساس إيران بالخسارة من التحولات الجارية في السياسة الخارجية التركية، ولعل ما يزيد من حدة حساسية إيران هو التنافس التاريخي بينها وبين تركيا على المنطقة، وهو ما يدفعها إلى جعل تركيا ساحة للأعمال الاستخباراتية، وتصفية الحساب مع الخصوم على أراضيها، مع أن مثل هذا التوجه يُدخل العلاقات بين البلدين في اشتباك سياسي ودبلوماسي، وربما صدام مباشر في المرحلة المقبلة، رغم حرص الجانبين على المصالح الكبيرة بينهما، واتباعهما البراجماتية في إدارة خلافاتهما الصامتة في سوريا والعراق وغيرهما من الدول.
تركيا، التي تحرص ألا تؤثر دعوات إسرائيل لمواطنيها بمغادرة أراضيها، خوفا من عمليات خطف واغتيال، على موسم السياحة في تركيا، باتت ترى نفسها ملزمة بموقف من النشاط الإيراني، لذلك تحذر إيران من تحويل أراضيها إلى قاعدة عمليات ضد الإسرائيليين، ومن جهة ثانية قد يؤثر هذا النشاط على وتيرة تحسن علاقاتها مع إسرائيل، التي تكثف جهود التنسيق مع أنقرة، خاصة أن النشاط الإيراني يزيد حدة حرب التصريحات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، التي قال رئيس وزرائها، نفتالي بينيت، قبل أيام إن بلاده ستنقل الاستهداف إلى رأس المشروع الإيراني، في إشارة إلى أنها ستنقل المعركة إلى داخل إيران، ولن تكتفي بعد اليوم بضرب أذرع إيران المنتشرة في المنطقة.
في الواقع، اعتقاد إيران بأن التحولات الجارية في السياسة الخارجية التركية تشكل ضربة كبيرة لمصالحها وحساباتها، قد يدفع العلاقات بينهما إلى الانفجار، رغم حرصهما على ضبط بوصلة خلافاتهما من جهة، ومن جهة ثانية لن يزيد هذا الاعتقاد إيران إلا عزلة، مع صدامها بالسياسات الدولية والإقليمية.