سياسة

لبنان 2024: الشغور الرئاسي يشعل الساحة السياسية


حين دقت الساعة مشيرة إلى دخول الشغور الرئاسي في لبنان عامه الثاني، دوى أزيز القصف جنوبا ليفرض بداية تقويم جديد لحرب ملأت كل الفراغ.

وبتحول المناوشات إلى حرب بين حزب الله وإسرائيل، بدا التطرق إلى موضوع الشغور شبيها بنشاز في سياق ملتهب وحّد الاهتمام والمخاوف حول النزاع الممتد من الجنوب إلى بيروت.

ومع أن المناوشات التي أشعلت شرارة الحرب «ولدت» بالشهر نفسه الذي من المفترض أن تمنح فيه «الذكرى الثانية» للشغور زخما للملف، إلا أن الأحداث المفصلية التي شهدتها الحرب، ألغت كل ما سبقها واستأثرت بالعنوان الأكبر لحصاد 2024.

ويتواصل الشغور الرئاسي في لبنان منذ أكتوبر/تشرين أول 2022، بعد خفوت زخم البحث عن رئيس جديد محليا وانحسار الاهتمام الدولي.

ورغم الاستياء، لا يزال اللبنانيون يعلقون آمالا واسعة على الجلسة من المقرر أن يعقدها مجلس النواب في 9 يناير/كانون ثاني 2025، لتكون محطة حاسمة لانتخاب رئيس جديد.

لا جلسات

لم يدع رئيس مجلس النواب، نبيه بري، لعقد جلسة انتخاب الرئيس خلال 2024، فيما انتهت جميع الجلسات المخصصة لانتخاب الرئيس خلال العامين الماضيين وعددها 12 جلسة، دون انتخاب رئيس.

كما لم تسفر تحركات اللجنة الخماسية التي تضم سفراء: الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ومصر والسعودية وقطر، مع الفرقاء اللبنانيين، عن أي اختراق ملحوظ لتمهيد الطريق أمام الانتخاب.

ويضاف إلى ذلك خفوت الاهتمام الدولي بالملف جراء ضعف ثقة المجتمع الدولي في قدرة الفرقاء على التفاهم لانتخاب رئيس جديد.

وإجمالا، لم يشهد الملف الرئاسي أي اختراقات أساسية خلال العام الماضي، في وقت مر فيه الاستحقاق الرئاسى منذ سبتمبر/أيلول 2022 بمرحلتين أساسيتين.

الأولى كانت مواجهة بين مرشح المعارضة حينها رئيس حركة “الاستقلال”، النائب ميشال معوض، والورقة البيضاء، حيث كان هناك عدد كبير من النواب؛ وأبرزهم نواب “الثنائي الشيعي” (حزب الله وحركة أمل) و”التيار الوطنى الحر” ممن يصوتون بالورقة البيضاء.

والورقة البيضاء أو ما يعرف بالتصويت الاحتجاجي أو التصوت الأبيض أو الفارغ، هو صوت في الممارسة الانتخابية يُظهر رفضا للخيارات المطروحة.

وتخللت تلك المرحلة 11 جلسة انتخاب لم تصل لنتيجة؛ حيث كان الثنائي الشيعي يعمد لإفقاد الجلسات النصاب القانوني لعقدها.

وفى مارس/ آذار 2023، خرج الثنائي ليعلن رسميًا ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، لكن لم تتم الدعوة لأي جلسة انتخاب يتنافس فيها فرنجية ومعوض.

فيما بدأت المرحلة الثانية فى يونيو/ حزيران 2023، بإعلان “معوض” انسحابه لمصلحة الوزير السابق، جهاد أزعور.

وشهدت تلك المرحلة جلسة انتخاب واحدة لم تؤد إلى نتيجة، كانت في الرابع عشر من يونيو/حزيران عام 2023، والتي أظهرت انقساماً نيابياً حاداً، بعد أن توزعت الأصوات بين المرشحين سليمان فرنجية، والذي حصل على 51 صوتا، وجهاد أزعور (59 صوتا).

النار «تملأ» الفراغ

منذ ذلك التاريخ، تجمد الملف الرئاسي، بعد أن فرضت جبهة الجنوب نفسها على المشهد، حيث بدأ المنعطف بقصف متبادل بين إسرائيل و”حزب الله” في 8 أكتوبر/ تشرين أول 2024.

ولاحقا، تحولت المناوشات إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/أيلول من العام نفسه، قبل أن تنتهي باتفاق لوقف إطلاق النار منذ 27 نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي.

ومنذ ذلك الوقت، قرر بري عدم الدعوة لأي جلسة، مشترطاً إجراء حوار مسبق تحت رئاسته داخل مجلس النواب.

وفي وقت لاحق، برر تأجيله للجلسات بظروف الحرب وأولويتها، مؤكداً أن انتخاب رئيس للجمهورية لن يتحقق إلا بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار.

لكنه خرج في نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي معلنا أن مجلس النواب حدد جلسة يوم 9 يناير/ كانون ثاني المقبل لانتخاب الرئيس.

العُقدة

النائب اللبناني المستقل، بلال الحشيمي، عزا تجميد الملف الرئاسي خلال العام الحالي إلى حزب الله وحركة أمل، والأخيرة يتزعمها رئيس المجلس النيابي نبيه بري.

وقال الحشيمي إن “مفتاح المجلس بيد الرئيس بري، الذي لم يدع خلال العام لأي جلسة لانتخاب الرئيس”. 

وحذر من التداعيات السلبية الخطيرة لغياب الرئيس، مضيفا أن “دولة بلا رأس مستباحة للأسف؛ لذا هناك حاجة ماسة لانتخاب الرئيس؛ لأن التعطيل يؤثر على الوضع المعيشي والاجتماعي الاقتصادي، إضافة إلى تسهيل الحصول على المساعدات المالية لإعادة إعمار الجنوب اللبناني”.

وبحسب النائب المستقل، فإن المطلوب هو “مرشح وسطي مدعوم من جميع الأطراف، وغير مرتبط بأي حزب سياسي، وله قبول عربي، فالبلاد بحاجة ماسة إلى رئيس يعزز العلاقات مع المحيط العربي والخليجي لمد الجسور لمساعدة البلاد”.

غياب التوافق

من جانبه، يرى الدكتور نضال السبع، الخبير السياسي اللبناني، أن عدم الدعوة لجلسة انتخاب الرئيس خلال 2024، بسبب تجمد الملف الرئاسي نتيجة الأحداث التي شهدتها جبهة الجنوب، حيث لم يكن هناك صوت يعلو فوق صوت الحرب.

ويشير السبع إلى “غياب التوافق الداخلي، حيث إنه ليس لأي فريق سياسي أغلبية تكفيه لانتخاب مرشحه، كما أنه ليس هناك من توافق بين الفرقاء على مرشّح”.

وعاد ملف الشغور الرئاسي وضرورة انتخاب رئيس للجمهورية إلى الواجهة بشكل قوي وضرورة ملحّة، بعد وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل.

ومؤخرا، جدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري، خلال لقائه في بيروت رئيس الحكومة اليونانية كيرياكوس ميتسو تاكيس، التأكيد على تفاؤله بأن الجلسة التي حددها في 9 يناير/كانون الثاني المقبل ستشهد انتخاب رئيس للجمهورية، واصفاً الأجواء بـ”الجيدة”.

وتأثرت الدولة اللبنانية كثيرا بغياب أعلى هرمها، ويقول “السبع” إن “غياب رئيس الجمهورية انعكست تداعياته السلبية على المستويات كافة سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية”.

واعتبر أن “لبنان خلال الحرب كان مكشوفا سياسيا، وتعطلت مؤسسات الدولة، ولم ينتظم عملها، ما انعكس سلبا على أداء الدولة بشكل عام”.

لكن المحلل السياسي اللبناني أعرب عن تفاؤله بانتخاب رئيس جديد للبلاد خلال الجلسة التي دعا لها نبيه بري.

تداعيات

ويحذر الدكتور خالد العزي، المحلل السياسي اللبناني من أن “لبنان يقف أمام وجوب استحقاق انتخاب رئيس في ظل التحديات الجسيمة التي تمر بالبلاد”. 

وفي توصيفه لآثار تجميد الملف الرئاسي وغياب الرئيس خلال العام الحالي، يقول العزي إن “الشغور في رئاسة الجمهورية أثر على مؤسسات وإدارات الدولة التي أصبحت تعمل بالوكالة والتكليف”.

ويضيف في هذا الإطار: “كل شيء شبه معطل في البلاد، فلبنان يمارس أعمال الرجل الميت سياسيا لأن المؤسسات شبه معطلة بعد أن ترهلت، فلا توجد قدرة على أخذ قرارات مصيرية وهامة في ظل حكومة تصريف أعمال الحالية، وهى حكومة أقطاب سياسية متناقضة بعضها البعض”.

وأشار إلى أن ما سبق “يعيق تنفيذ خطوات قانونية ودستورية تنقذ البلاد، وتعيد تفعيل دور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والدبلوماسي”.

وبسبب غياب الرئيس أيضا، فإن “لبنان يعاني من غياب القرارات الهامة والضرورية لتسيير أمور الدولة وتحديد دوره وطبيعة وجوده وتعامله مع الحاضنة العربية”.

ووفق الخبير، فإن “غياب رأس الدولة أدى لانتشار الفساد بشكل كبير داخل المؤسسات، والعبث بأملاك الدولة، ودفع أيضا حزب الله إلى تخطي الدولة ولعب دور دولة داخل الدولة، إضافة إلى توريط البلاد في حرب كلفت لبنان الكثير من الدمار والقتل”. 

ويؤكد “العزي” أن “المطلوب من الرئيس إعادة تشكيل وهيكلة المؤسسات التي عبث بها حزب الله طيلة الفترة الماضية، وإعادة إحياء دورها، وإعادة هيكلة الديون وذلك من أجل إعادة حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي” .

ويختم بالقول: “مطلوب العمل أيضا على تشكيل حكومة قادرة على طرح خطط لإنقاذ لبنان، وإعادته إلى الحضن العربي، بعد سيطرة إيران على مقدرات الدولة اللبنانية في فترات سابقة، وخلق حالة من العداء للعرب والعروبة”.

 

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى