تصريح نجيب ميقاتي، رئيس الوزراء اللبناني، بأنّ حكومته “تُعاود جلساتها لدرس الموازنة وإقرارها”، يتناسى أنها لا تزال حكومة “مقيدة”.
واعتبر “ميقاتي”، خلال إطلاقه الاستراتيجيّة الوطنيّة لإصلاح الشراء العام، أنّ اجتماع حكومته “محطّة أساسيّة تحتاج إليها البلاد لانتظام عمل الدولة”.
هذا التصريح أتى إثر إعلان “حزب الله” الإرهابي عن “إفراجه” عن الحكومة اللبنانية المعطّلة لأكثر من ثلاثة أشهر، بعدما قاطع اجتماعات مجلس الوزراء، قائلا إنه يريد عزل القاضي “بيطار” نتيجة ما أسماه “التحيز وتجاوز سلطاته” فيما يتعلق بانفجار مرفأ بيروت.
ووصفت دوائر لبنانية الإفراج المفاجئ لـ”حزب الله” عن الحكومة اللبنانية بـ”التراجع التكتيكي”، وذلك بعد جلاء أن التحقيق في انفجار المرفأ يواجه احتمال الاصطدام بعقبة جديدة قد تتسبب في تركه معلقا بمنع صدور أي لوائح اتهام.
“حزب الله” شعر بأن خطوة المقاطعة لم تكن موفّقة وأن محاولته لفرض تغيير القاضي بالقوة لم تكن مناسبة، ما دفعه إلى البحث عن عقبة قانونية توفرت في تقاعد أحد القضاة.
يرى البعض أنها عودة “مشروطة” إلى الملعب الحكومي، ولن تشكّل باباً كاملًا للانفراج السياسي بسبب الخلافات العميقة بين قوى رئيسية في السلطة اللبنانية، والتي ستنتقل مجدّداً إلى داخل قاعة مجلس الوزراء، واعتراض الرئاسة اللبنانية على تحديد جدول أعمال مجلس الوزراء سلفاً من قِبل جهات حزبية، فيما هذا الأمر هو من صلاحيات رئيس الحكومة بعد اطلاع رئيس الجمهورية عليه.
من المؤكد أن “ميقاتي” لن يكون مرتاحاً لهذه العودة، فهي لم تأت نتيجة الضغوط الشعبية، أو نتيجة الأزمة المعيشية المتفاقمة، التي أصبحت تصيب معظم الفئات اللبنانية، وأزمة اقتصادية ومالية لا سابق لها، تتمثل على وجه الخصوص في انهيار العملة الوطنية، وحجز أموال المودعين في المصارف اللبنانية، والتراجع الكبير في الخدمات الأساسية.
اللبنانيون يعيشون على وقع تسونامي في ظل جمهورية برعاية “حزب الله”، فاقدة لكل شيء من مقومات البقاء، لا تملك سيادتها كاملة، وفاقدة الاتزان أمام جائحة وأزمة اقتصادية وسياسية كبرى، بداية من وضع المستشفيات ومدى توافر الأدوية، مرورًا بغلاء السلع، فضلا عن أنها صارت منبعا من منابع عدم استقرار المنطقة بسبب انقيادها لـ”حزب الله الإيراني”، ولا أحد يعلم في لبنان أو خارجها كيف يخرج هذا البلد من أزمته.
اللبنانيون يحبسون أنفاسهم انتظارا لانتهاء تحضير الموازنة المالية العامة للعام 2022، التي تنكبُّ حكومة “ميقاتي” على إعدادها، وسط شائعات عن اشتمالها على زيادة الضرائب ورفع قيمة الدولار الجمركي، كما أنهم لا يعلمون أيّ لبنان سيكون بعدها: العربيّ أم الإيراني؟، وكذا الموقف من السلاح غير الشرعيّ، والمخدرات التي تُرسَل لدول بعينها ضمن محاولات الإضرار بالغير، وأي خطة إنقاذ سيتم تعميمها على اقتصاد الدولة اللبنانية؟
وسط كل هذا، هل يعي اللبنانيون طبيعة الوجود الإيراني في بلادهم، ومَن يرسخ هذا الوجود؟ وإلى متى سيستمر؟
إن مشروع إيران في عمقه طائفي، يحاول استعادة أمجاد لن تعود، ما أغرقه في شعارات غير مُجدية لصالح أيديولوجيا لا تتوافق مع مفاهيم الاستقرار والتنمية في المنطقة.
لن يتعافى لبنان ما دام هناك “حزب الله” الإرهابي -ذراع إيران- بسجلّه الأسود، بدءًا من نهجه الاغتيالي وصولاً إلى تخريبه الإقليمي عبر السلوك المليشياوي، وداخليا عبر تخوينه كل من يحاول إنقاذ لبنان واللبنانيين من أيدي الأجندات الخارجية، التي يتبعها ويرهن مستقبل الشعب اللبناني لها، بعيدا عن المصلحة الوطنية العليا للدولة.
الأزمة في لبنان واضحة والمسارات الواجب اتباعها أوضح، خاصة ما يتعلق بمطالب دول الخليج العربي، والتي عبّر عنها، دون ذكر تفاصيل، وزير الخارجية الكويتي في أثناء زيارته إلى لبنان، والتي ربما تشمل “الالتزام بما تم الاتفاق عليه سابقا”، ومن بين ذلك “اتفاق الطائف”، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن وإجراء الانتخابات في موعدها وتشديد الرقابة على الصادرات للخليج ومنع تهريب المخدرات، والتعاون بين الأجهزة الأمنية، وعدم ارتهان الدولة اللبنانية لحزب إرهابي.