كيف يقود تحويل كنيسة آيا صوفيا لمسجد إلى تحرير الأقصى؟
يعود تاريخ متحف آيا صوفيا، الذي كان في الأصل كاتدرائية، إلى القرن الخامس الميلادي؛ إذ تمّ بناء الكاتدرائية بين عامي 532 – 537، بأمر من الإمبراطور الروماني، جستنيان الأول، وبقيت الكاتدرائية للمسيحيين الأرثوذوكس لمدة 900 عاماً، إلا أنه وبعد سقوط القسطنطينية على يد العثمانيين، عام 1453، تحوّلت الكاتدرائية إلى مسجد بأمر من السلطان محمد الفاتح، وبقي على هذا الحال لمدة خمسة قرون، وعام 1935 تحوّل المسجد إلى متحف بقرار من الرئيس التركي ومؤسس الدولة التركية الحديثة، مصطفى كمال أتاتورك.
ولم يكتفِ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعلانه تحويل المتحف إلى مسجد، بل أعقبه بتصريحات من معجم خطاباته الشعبوية المعهودة؛ إذ قال إنّ “إحياء آيا صوفيا من جديد هو بشارة نحو عودة الحرية للمسجد الأقصى”، كما قال أيضاً: “هذه الصورة هي أفضل ردّ على الهجمات الشنيعة التي تستهدف قيمنا الرمزية في كافة أنحاء المناطق الإسلامية”.
إلا أنّ البيان الذي كتب باللغة الإنكليزية يختلف عن كلامه باللغتين التركية والعربية؛ إذ جاء في البيان الموجه إلى الغرب: “ستكون أبواب آيا صوفيا، كما هو الحال في جميع مساجدنا، مفتوحة للجميع، سواء كانوا أجانب أو محليين، التراث المشترك للبشرية، احتضان الجميع بطريقة أكثر صدقاً وأصالة..”.
لكن، بالطبع، لم يخاطب أردوغان الغرب بقوله إنّه سيحرر المسجد الأقصى عن طريق تحويل متحف آيا صوفيا إلى المسجد، هذا عدا عن علاقته الجيدة بإسرائيل.
في هذا الصدد، يقول الكاتب والمترجم المصري أحمد زكريا، لـ “حفريات”: “في اعتقادي؛ أنّ تجربة حزب العدالة والتنمية ككل، وليس فقط رجب طيب أردوغان، في مرحلتها الأخيرة، وهذا ليس رأياً شخصياً، بل رأي كثيرين من المحللين والمراقبين للسياسة التركية الراهنة، لأسباب كثيرة؛ من بينها أنّ كلّ قرارات النظام الحالي لم تعد تعتمد فقط على السياسة، مثلما كان في بدايته، لذلك نرى اليوم أنّ النظام الحالي يتخذ قرارته في كلّ شيء من منطلق “المعاندة””.
وأضاف: “وفيما يخصّ موضوع تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد مرة أخرى، فهو يأتي في المقام الأول في سياق “المعاندة”، وثانياً هو عملية “حشد شعبوي” للإسلاميين، وتحديداً، للأسف، من العرب، فالأتراك غير مهتمين لهذه الدرجة الذي يتخيلها البعض في العالم العربي في موضوع آيا صوفيا، لكنّه حشد للإسلاميين العرب، والخطاب الشعبوي الإسلامي الذي يستخدمه رجب طيب أردوغان دائماً، مثل ربطه تحويل آيا صوفيا لمسجد بـ “تحرير المسجد الأقصى”.
ويتابع زكريا: “هذا الخطاب موجه للعرب في المقام الأول، وأكبر دليل على ذلك هو أنّ البيان الذي أصدره أردوغان باللغة الإنكليزية، والذي يخاطب من خلاله الغرب، مختلف تماماً عن البيان الذي صدر باللغة التركية، والذي يخاطب من خلاله الأتراك والعرب، فهو قال للغرب إنّ آيا صوفيا سيبقى مكاناً مفتوحاً للجميع، والجميع يستطيع زيارته”.
لماذا حزب “العدالة والتنمية” بمرحلته الأخيرة؟
يرى زكريا أنّ “نجاحات أردوغان في البداية، عندما كان رئيس بلدية إسطنبول، كانت مبنية على إنجازات فعلية للمدينة، والجميع اعترف بها في ذلك الوقت، بينما في الوقت الحالي الأوضاع الاقتصادية متدهورة، وهناك انهيار في الليرة التركية مقابل الدولار، فسعر صرف الدولار اليوم 6.89، وهناك ارتفاع بنسبة البطالة، وكثير من الناس تمّ فصلهم من عملهم، وهم اليوم حانقون على النظام، بسبب اتهام الأخير لهم بلعب دور في محاولة الانقلاب التي حصلت ضدّه، والتي جاءته على “طبق من فضة”؛ لذلك هناك احتقان في الشارع ضدّ النظام”.
زكريا يؤكد أنّ أيّ قوة تحتاج إلى حلفاء، ولكن “النظام التركي الحالي؛ خسر حلفاء له، وبعض هؤلاء الحلفاء كانوا ممن ساعدوه كي يكون في مكانه الآن، لذلك أغلب العلاقات الخارجية لتركيا في الوقت الحالي سيئة، سواء مع جيرانها، أو مع الدول العظمى”.
وفي نظر المترجم المصري، فإنّ “سياسة رجب طيب اردوغان مختلفة عن سياسة من قبله؛ فحزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي، مثلاً، ومن جاؤوا بعده، كانوا جميعهم يسعون إلى انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، أما أردوغان فكان يلعب في سياسة أخرى، وهو أن يكون قوياً في الشرق الأوسط، وأن يوطّد علاقاته مع العالم العربي، كأن يوطد علاقته برئيس النظام السوري، بشار الأسد، عام 2006، على سبيل المثال.
أما الآن؛ فقد خسر كلّ ذلك، وأردوغان لا يريد أن يعترف بأنّه خسر في سوريا، وتدخله الآن في ليبيا سيتسبب بخسارته بشكل أكبر؛ فالمعارضة التركية ضدّه في هذا الشأن”.
وبالعودة لـ “آيا صوفيا”، يقول زكريا: “من خلال متابعتي للصحافة التركية، فإنّ موضوع آيا صوفيا مثار منذ زمن، أي عودة متحف آيا صوفيا مسجداً، ولكن ما حصل هو أنّ الحزب الشعب الجمهوري “الأتاتوركي” كان في كلّ مرة يرفض هذا القرار، انطلاقاً من وجهة نظر أعضاء الحزب، بأنّه قرار يخالف “علمانية” تركيا، لكن في المرة الأخيرة قاموا بتوريط أردوغان في هذا القرار، وقالوا له بشكل واضح: “لتحوّل المتحف إلى مسجد”، وأنا أرى أنّ هذا القرار هو توريط لأردوغان أكثر فيما يحصل”.
وعلاوة على أنّ أردوغان خاسر في سياساته الخارجية، فهو أيضاً، يردف زكريا، “لم يحتفظ بحلفاء الأمس؛ إذ قام منذ أيام قليلة بإغلاق جامعة أحمد داوود أوغلو، الذي يعدّ العقل المدبر للعدالة والتنمية، كما صرّح الأخير بأنّ أردوغان لم يراعِ أيّ شيء. وباعتقادي؛ فإنّ سبب ضعف “العدالة والتنمية” ليس المعارضة القوية، بقدر ما هو حالة الانشقاق الحاصلة داخل “العدالة والتنمية” نفسه، والذي يعدّ القسم الأكبر منه، الذي كان يميل للعقلانية، كالمنظّر للعدالة والتنمية أحمد داوود أوغلو وعبد الله غل والأكادميين، كلّ هؤلاء تراجعوا تماماً، وجرى طردهم، وتشويه صورهم وتخوينهم أيضاً، مثل ما تمّ نشره في الجرائد والصحف”.
ويرى زكريا أنّ تحويل متحف “آيا صوفيا” إلى مسجد خطأ كبير، وما كان ينبغي أن يحدث، بحسب تعبيره.
ويختم كلامه: “هذا القرار، ضمن قرارات اتخذت باعتبارها “معاندة” فيما يخص السياسات الخارجية، ومن ناحية أخرى هو بمثابة “حشد شعبوي إسلامي”، يريد أن يقول من خلاله إنّ تركيا “أكبر دولة إسلامية سنّية” في المنطقة”.
أما الكاتب والباحث السوري، ماهر مسعود، فقد رأى أنّ سياسة أردوغان الحالية، هي ضمن ردّة دينية، من أجل استخدام الشريعة في السياسة.
وقال لـ “حفريات”: “كلّ ما ذهبت البلد، أيّ بلد، باتجاه الديمقراطية، تكون السلطة غير محتاجة لاستخدام الدين من أجل تشريع سلطتها، لأنّ السلطة الديمقراطية تعتمد أكثر على الاختلاف وعلى الشعب، لكن عندما يكون الحاكم دكتاتوراً، تصبح الحاجة أكبر إلى استخدام الدين، ونلاحظ دائماً أنّ هناك دكتاتوراً ودكتاتوراً مهزوماً، وفي هذا السياق نرى أنّ شعبية الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد انخفضت كثيراً، بعد أن صعد نجمه عام 2011”.
وأضاف: “اليوم يمرّ رجب طيب أردوغان بأزمة لها علاقة بأنّه أصبح متسلطاً، فلجأ إلى تعديل الدستور كي يعطي لنفسه صلاحيات أكثر، ومع ذلك انخفضت شعبيته أكثر؛ لذلك يستعين اليوم بالخطاب الديني، ولطالما كان الدين تاريخياً، هو عبارة عن شيء يستخدم سياسياً من أجل السلطة، ومن أجل حشد الناس، وبهذا المعنى أرى أنّ تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد هو عبارة عن ردّة دينية لأردوغان ليصنع لنفسه “مسلمين” أكثر حوله”.
ويتابع مسعود: “تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد يعني في المقام الأول جعله للمسلمين وحدهم من بين جميع الديانات، وثانياً جعله للمؤمنين وحدهم من بين جميع المسلمين، وثالثاً هو جعله للمصلين وحدهم من بين جميع المسلمين المؤمنين”.
ويرى مسعود؛ أنّ ما يفعله أردوغان فيه تقسيم للمجتمع، وردّة بدائية ورجعية للدولة بشكل عام، وجعلها أقطاباً متناقضة، وبهذه الآليات تتمّ صناعة السلطوية والدكتاتورية وتتجه أكثر للطريق الذي يمشي فيه أردوغان حول هوية اللاديمقراطية والسلطوية، وهذا كلّه ينصبّ ضمن السياق العام؛ وهو عودة الأنظمة المتسلطة في العالم ككل”.
نقلا عن حفريات