سياسة

كيف استغل الإخوان المسلمون سلاح الإعلام لتمرير أفكارهم؟


قبل أن يعلن أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي؛ أنّ “نصف المعركة في الإعلام”، كان الإخوان المسلمون قد أدركوا قبل عقود طويلة أهمية هذا السلاح، باعتبار الإعلام أداة للتعبئة والحشد وتحصيل ولاء الجماهير، وقد أيقن حسن البنا ذلك، بحرصه على تأسيس صحيفة تكون لسان حال الجماعة، ووسيلة لنشر أيدولوجيا التنظيم، وفي وقت مبكر، ربما مقارنة بغيره من الحركات.

أطلق الإخوان المسلمون، في 15 حزيران (يونيو) 1933، العدد الأول من المجلة الأسبوعية “الإخوان المسلمين”، والتي خطط الإخوان أن تكون يومية، وتولى رئاسة تحريرها الشيخ طنطاوي جوهري، المخدوع بمشروع حسن البنا، الذي تدثّر في البداية بعباءة السلف، وهو ما انعكس في تعيينه للداعية السلفي، محب الدين الخطيب، مديراً لتحرير الجريدة، التي كان لها جهاز ضخم يتأكد من توزيع كل أعدادها، وكان يتكوّن من أعضاء الجماعة، الذين كان من تكليفاتهم المرور على المساجد والمنازل والحوانيت والشوارع، لتصريف أعداد الجريدة بالكامل.

وخلال عام واحد؛ كان الإخوان يدشنون مطبعتهم الخاصة، ليتأكدوا من تأمين طباعة الجريدة ومعها رسائل التنظيم الأيدولوجية، دون أيّ قيود من الحكومات.

وفي 30 أيار (مايو) 1938؛ أطلق الإخوان مجلة “النذير”، بعد توقف جريدة “الإخوان المسلمين” بانشقاق جماعة شباب محمد، وزعيمها محمود أبورية، الذي كان صاحب امتياز الجريدة الأولى.

وفي توظيف لفنّ الكاريكاتير، وإدراك مبكّر لتأثيره في المتلقي، أطلق الإخوان، في 6 آب (أغسطس) 1948، مجلة “الكشكول الجديد”، التي وظفت فنّ الكاريكاتير في الاغتيال المعنوي للخصوم السياسيين، خصوصاً حزب الوفد، غريم الجماعة التاريخي؛ حيث ركزت المجلة على التشهير والسخرية من زعماء الوفد عبر المجلة.

وفي 30 أيار (مايو) 1950؛ استأجر الإخوان مجلة “المباحث القضائية”، لتكون لسان حالهم بعد اختفاء مجلة “النذير” لوقت قصير، قبل أن تطلق الجماعة، العام 1951، مجلة “الدعوة”؛ التي أصبحت أشهر الدوريات المعبرة عن الجماعة لفترة طويلة.

بين عناوين “النذير”، و”الشهاب”، و”الشعاع”، و”الشباب”، دارت ماكينة الدعاية عبر تلك الصحف، التي اعتمدت الدعاية السياسية المباشرة، ولم تؤسس للون صحفيّ مميز، ولم تصنع تراكماً مهنياً يميّز كتّاب أو صحفيّي الجماعة، الذين لم ينبغ من بينهم أحد، مقارنة بفرسان الصحافة المصرية ومؤسساتها الرائدة في هذا الفنّ.

ومع توالي حظر صحف الجماعة؛ انتبهت، على نحو مبكر، إلى أهمية الـ”نيو ميديا”، التي جسدتها ثورة الاتصالات، فأوعز خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للجماعة، والقيادة النافذة، إلى بعض الشباب أن يؤسسوا واجهات إعلامية في الخارج، عبر شركات علاقات عامة تتولى تصميم منصات إعلامية لا تحمل اسم الإخوان مباشرة، لكنّها تضع عناوين أخرى مضللة، تتولى الترويج لأيديولوجيا الجماعة وأفكارها، بشكل غير مباشر.

وبلغ الاهتمام بأمر الإعلام حدّ مناقشة تحوّل الجماعة ذاتها إلى شركة إنتاج إعلامي وفكري عالمية، تتولى التمكين لأفكار الإخوان، عبر كلّ فنون النشر والإعلام، تلك الفكرة التي حملها القيادي محمود عبد الحليم، أحد أشهر مؤرخي الجماعة، وأقرب قياداتها لحسن البنا، والذي دعا قيادات الجماعة بعد خروجهم من السجون، وهم يشرعون في إعادة تأسيس التنظيم السرّي، إلى أن يتحول التنظيم بشكل كامل إلى شركات إعلام ونشر وسينما وتلفزيون وإذاعة، بما يؤكّد حضور الإعلام منذ وقت مبكر في وعي الجماعة وقياداتها، كسلاح رئيس في نشر أيديولوجيا التنظيم.

عندما ترصد بعض المنظمات الدولية حضور دعاية التنظيم وبعض قياداته المهمة، مثل الدكتور يوسف القرضاوي، فذلك لا يعنى سوى أنّ الجماعة قد شرعت في إعادة التموضع على الساحة الدولية، عبر استغلال الفضاء الإلكتروني الذي يستعصي على القيود الحكومية، خصوصاً مع وجود خوادم شركات الإنترنت الأهم لدى العواصم الغربية، التي ما تزال مصرّة على الاحتفاظ بورقة الجماعة في ابتزاز القرار الوطني للدول العربية، بالذات التي قطعت شوطاً كبيراً في تقليم أظافر التنظيم والقضاء على أحلامه.

رغم حظر منصات التنظيم المحلية في مصر وعدد من الدول العربية الجادة في مكافحة أفكار التنظيم، ما تزال ساحة الإنترنت مرتعاً خصباً لها؛ حيث ساهم تأخير حظر الجماعة لدى بعض الدول، وحصول بعض رموزها على تصنيف شخصية عامة، تحظى تدويناتهم بذيوع وانتشار، كما جرى ويجري مع يوسف القرضاوي، وغيره، في فتح الفضاء أمام دعاية التنظيم.

نجحت، إلى حدّ كبير، الجهود الدولية في التضييق على دعاية القاعدة وداعش، لكنّ دعاية بعض هؤلاء تجد طريقها للنشر عبر بعض منتديات الجماعة، التي دفعها مشهد خروجها من حكم مصر إلى بروز المكون الجهادي العنيف داخلها للعلن، والتعبير عن نفسه بوضوح، حتى أنّه يكسب أرضاً جديدة كلّ يوم، وما إعلان مبايعة بعض منسوبي الجماعة في السجون لتنظيم داعش عنّا ببعيد.

يدرك الإخوان خطورة الإعلام، وقد تموضع الإخوان عبر الساحة الدولية في الفضاء الإلكتروني الفسيح، وبطبيعة التقية التي تعد أبرز جيناتهم فسيبرعون في ارتداء الأقنعة التي قد لا تتمسك باسم الجماعة أو مفرداتها وشعاراتها الأشهر، لكنّها ستتمسك بنشر مشروعها؛ عبر اجتراح كل الوسائل المعلنة والخفية، التي يأتي الإعلام على رأسها، بكلّ فنونه؛ من قنوات، ومدوّنات، ومنتديات، وصحف.

حفريات

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى