سياسة

كيف أصبحت تركيا سوقاً كبرى للصناعات العسكريّة الإسرائيلية؟


تعدّ تركيا سوقاً عسكريّة كبرى للصناعات العسكريّة الاسرائيليّة، بل هي ثاني أكبر زبون للسلاح والتقنيات العسكرية إسرائيلية الصنع بعد الهند، على حدّ وصف دودون سوسليك، المتحدث باسم شركة (AIA)، إحدى كبرى شركات الصناعات العسكرية في “إسرائيل”؛ فكيف تحقق ذلك؟

البدايات

كان توقيع الاتفاقية الأمنيّة الأولى بين تركيا و”إسرائيل”، عام 1951، البداية لتفعيل مجالات التعاون بين الجانبين، وعلى المستوى العسكري؛ جاءت أول حالة تعاون، في نيسان (أبريل) عام 1956، عندما قام الجانب الإسرائيلي بصيانة خمسة وعشرين طائرة تابعة للجيش التركيّ من طراز “داكوتا” (Dakota)، المخصصة للنقل العسكريّ.

وعام 1958، كردّ فعل على قيام الوحدة بين سوريا ومصر، وقّعت تركيا و”إسرائيل” اتفاقاً عسكرياً تحت اسم “الاتفاق الطارئ”، تضمّن بنوداً للتعاون العسكري، وتبادل المعلومات، والتدريب المشترك بين الجيشين التركي والإسرائيلي.

بعد عام 1974؛ بدأ الصعود الكبير في حجم التعاملات والتعاون على الصعيد العسكري، وذلك إثر غزو تركيا جزيرة قبرص، وما تبعه من فرض الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي عقوبات على القطاع العسكري التركيّ، فكان أن لجأت تركيا إلى “إسرائيل” واعتمدت عليها في تطوير وتحديث جيشها.

قامت علاقة التعاون على استفادة تركيا من التقنيات الإسرائيلية مقابل تقديم خدمات لوجستية للجيش الإسرائيلي، حيث سمحت تركيا لـ “إسرائيل” باستخدام المطارات العسكرية التركيّة للتجسس على الدول المجاورة المعادية لها مثل العراق وسوريا وإيران، وفي عام 1990؛ سمحت تركيا لـ” إسرائيل” بإنشاء محطات تجسّس على أراضيها، خصصت للتنصت على هذه الدول.

الاتفاقية العسكريّة

وفي الثالث والعشرين من شباط (فبراير) عام 1996؛ انتقلت العلاقة إلى مستوى جديد، مع توقيع الاتفاقية العسكرية بين الجانبين، واقد نصّت على بنود أهمها؛ تشكيل مجموعة أبحاث آستراتيجية مشتركة، وقيام الشركات الإسرائيلية بتحديث مقاتلات فانتوم ودبابات (M6) تابعة للجيش التركي، إضافة إلى نشر أنظمة رادار إسرائيلية على الحدود مع العراق وسوريا، مقابل تقديم “إسرائيل” صوراً من الأقمار الاصطناعية لتركيا تظهر مواقع المقاتلين الأكراد في جنوب البلاد وشمال العراق، كما نصّ الاتفاق على تنظيم مناورات عسكريّة دوريّة مشتركة بين الجيشين، وأبرزها مناورات “عروس البحر الآمنة” الثلاثيّة، بالاشتراك مع القوات الأمريكية، وهي مناورات سنويّة في البحر المتوسط بدأت عام 1998م.

وقعت الاتفاقية بداية بالسرّ قبل أن يتمّ الإعلان عنها رسمياً مع زيارة الرئيس التركي، سليمان ديميريل، إلى “إسرائيل” في الشهر التالي، وهنا جانب من مراسم استقبال ديميريل في تل أبيب:

عهد العدالة والتنمية.. استمرار وتصاعد

لم يحل وصول نجم الدين أربكان إلى رئاسة الوزراء، عام 1996، وميول حزبه الإسلامية المحافظة، دون الاستمرار بالعمل في الاتفاقية، وكذلك كان الحال بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، عام 2002م؛ فمع بداية عهد العدالة والتنمية جاء اتفاق تحديث “إسرائيل” (170) دبابة تركية من طراز (M60) إلى طراز (SABRA) الإسرائيلي، بصفقة بلغت قيمتها (668) مليون دولار.

وعام 2005؛ قام رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، بزيارة إلى تل أبيب، تضمنت عقد صفقات وتوقيع اتفاقيات، من بينها صفقة وصلت قيمتها إلى (500) مليون دولار، قامت “إسرائيل” على إثرها بتحديث (54) من مقاتلات “فانتوم” من طراز (F-4) و(F-5) تابعة للجيش التركي.

واستمرت الصفقات المُعلنة في السنوات التالية، وأبرزها؛ شراء تركيا من “إسرائيل” نُظُم محطات أرضيّة من شركة الصناعات الجوية الإسرائيليّة بتكلفة (IAI) (183) مليون دولار، وقيام “إسرائيل” ببيع صواريخ أرض جو لتركيا من نوع (Popeye)، التي تقوم بتطويرها مؤسسة رفائيل الإسرائيلية للصناعات العسكريّة، في صفقة تجاوزت قيمتها (200) مليون دولار.

على مستوى آخر؛ في عام 2007، نفذّت “إسرائيل” من خلال الأجواء التركيّة عملية عسكريّة تجاه سوريا، عرفت بعملية “خارج الصندوق”، استهدفت ما قالت إنّه مفاعل نووي، قرب دير الزور، واستخدمت الأجواء التركية فيها لتوجيه الضربة.

صفقات مستمرة

عام 2007؛ شكّلت عقود الأسلحة (69%) من قيمة ميزان التبادل التجاري بين البلدين، البالغ في حينه (2.6) مليار دولار، ورغم حدوث توترات بين البلدين على الصعيد الإعلامي إثر وقوع حرب غزة الأولى نهاية العام 2008، وما تلاها من تنديدات من قبل المسؤولين الأتراك، إلا أنّ الصفقات تواصلت، وعام 2009؛ اشترت تركيا عشرة طائرات بدون طيّار من طراز “هيرون” مقابل (183) مليون دولار، من تصنيع شركة “إسرائيل لصناعات الطيران والفضاء” (Israel Aerospace Industries) (IAI)، وتعدّ تركيا من أبرز المستخدمين لهذا النوع من الطائرات المسيّرة، إضافة إلى الهند والبرازيل.

وحتى بعد توجّه تركيا لتطوير طائرات بدون طيّار من إنتاجها لم يكن ذلك بمعزل عن “إسرائيل”؛ حيث فازت  شركات التصنيع العسكري الإسرائيلية، وبالتحديد شركتيْ “إسرائيل لصناعات الطيران والفضاء” (IAI)، وشركة “أنظمة إلبيت” (Elbit Systems)، بعقد قيمته (141) مليون دولار لصالح دعم الطائرات التركيّة بدون طيّار بتقنيات متطورة، بما في ذلك أنظمة استشعار وتصوير.

وبعد وقوع حادثة “أسطول الحرية”، عام 2010، أعلنت تركيا تجميد العلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل” إلا أنّ ذلك مجدداً لم يَحُلْ دون استمرار العلاقات العسكريّة؛ ففي شباط (فبراير) 2013، زوّدت شركة (IAI) الإسرائيلية سلاح الجوّ التركي بمنظومة متطورة للإنذار المبكّر، بقيمة (200) مليون دولار.

كما استمر الجيشان في خوض المناورات العسكرية المشتركة، وكذلك استمرّ شراء الطائرات المسيّرة، وإن كان منها ما يتم في صفقات غير معلنة، ويكشف عن ذلك مثلاً ظهور طائرات مسيّرة إسرائيلية الصنع مؤخراً، في ليبيا مصدرها تركيا.

وهكذا، تستمر العلاقات والتعاون على الصعيد العسكريّ، بينما تبقى التنديدات ضمن إطار الخطابات والكلمات والتصريحات الصحفيّة.

نقلا عن حفريات

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى