15 عاما كاملة كان فيها الثنائي ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو بمثابة شمس وقمر كرة القدم.
فلا تكاد تغرب شمس أحدهما حتى ينير قمر الآخر، ولا يغيب قمر أحدهما حتى تسطع شمس الآخر، غير أن السنوات الأخيرة شهدت خفوت نجم رونالدو كما لم يخفت من قبل.
إن كنتَ شغوفًا بكرة القدم، فلا شك أنك تبدأ يومك بالبحث عن أخبار كريستيانو رونالدو، هل وافق مانشستر يونايتد على رحيله؟ وهل استقر على النادي الجديد الذي سينضم إليه؟ بل إن شئتَ فقل:
هل وافق نادٍ على فكرة التعاقد مع كريستيانو رونالدو؟
سؤالٌ يبدو غريبًا، ولكنه أصبح واقعًا، فالأندية أصبحت تفكر أكثر من مرة قبل أن تُبدي موافقتها على التعاقد مع لاعب تعتبره شريحة كبيرة من جماهير كرة القدم هو الأفضل في تاريخها، ولكن ليس كل تاريخ يمكن أن يصبح حاضرًا.
الغريب أن مثل هذه الأنباء لا تختلف كثيرًا عن مثيلاتها في الصيف الماضي، حينما كان رونالدو لاعبًا في يوفنتوس، فجأة طلب اللاعب البرتغالي الرحيل، وفجأة ارتبط بالانتقال إلى مانشستر سيتي، وفجأة غيّر وجهته إلى مانشستر يونايتد.
وهنا يأتي السؤال: لماذا تحول كريستيانو رونالدو من اللاعب صاحب الشخصية القوية إلى الشخص الهش المتردد، الذي يفكر كثيرًا ولكنه يأتي بخيار قد يبدو الأسوأ من بين المُتاح؟
الإجابة وببساطة هي العاطفة، تلك العاطفة التي قادت رونالدو أساسًا للانتقال إلى ريال مدريد في 2009، بعدما كان مدربه الاسكتلندي، أليكس فيرجسون، رافضًا للفكرة بسبب خلافات مع إدارة النادي الملكي، ولكن اللاعب البرتغالي أصرّ على وجهته حتى تحقق له ما أراد.
صحيح أن العاطفة هنا أنصفت رونالدو، فقضى 9 سنوات تاريخية، أصبح خلالها الهداف التاريخي للنادي، ولكنها لم تكن وحدها المتحكمة في قراره، فالنادي الملكي كان يبني فريقًا لكتابة الأمجاد، ويكفي أن تعرف أن ريال مدريد تعاقد في الصيف نفسه مع ريكاردو كاكا وتشابي ألونسو وكريم بنزيما، لتُسمَّى بحقبة “الجلاكتيكوس” الثانية.
رونالدو آمن بالعاطفة مجددًا قبل 4 سنوات، حين رحل إلى يوفنتوس، بعد أشهر قليلة من هدفه التاريخي في شباكه بدوري أبطال أوروبا 2018، حيث وقفت جماهير النادي الإيطالي لتحيي اللاعب البرتغالي، ليبادلها التحية أيضًا، في مشهد نادر الحدوث في ملاعب كرة القدم.
وبعيدًا عن صحة قرار الرحيل من عدمه، فإن رونالدو هذه المرة حكَّم العاطفة وحدها، دون أن يُعمل عقله في الانتقال إلى فريق قائم بالأساس على التعاقد مع اللاعبين الذين تنتهي عقودهم مع أنديتهم، ويتولى تدريبه مدرب معروف بسماته الدفاعية.
النتيجة أن رونالدو عاش 3 مواسم من التخبط مع يوفنتوس، فرغم مستواه الفردي الذي لم يقل كثيرًا رغم تقدمه في السنّ، لكنه لعب في 3 سنوات تحت قيادة 3 مدربين، أولهم كان ذا أسلوب دفاعي، والثاني لم يكن قد حصل إلا على بطولة وحيدة قبل مجيئه مباشرةً، والثالث كان يخوض للتو أولى تجاربه التدريبية على الإطلاق.
ولأن لكل معطيات نتائج، فقد كانت النتيجة واضحة، ودّع يوفنتوس دوري أبطال أوروبا في السنوات الثلاث دون أن يعبر ربع النهائي، أمام أندية من الصف الثاني والثالث في أوروبا، بل وفقد سيطرته على الدوري الإيطالي مع وجود منافس قوي مثل إنتر ميلان.
وأخيرًا قرر رونالدو تصحيح خطأه، ولكن دون أن يتعلم منه، ليكرره بحذافيره، جعل العاطفة المتحكم الأول في وجهته الجديدة بعد رحيله عن يوفنتوس في الصيف الماضي، وبعد أن كان قريبًا من الانتقال إلى مانشستر سيتي، حول وجهته بشكل مفاجئ إلى مانشستر يونايتد، النادي الذي قدّمه للعالم، عندما انضم إليه لأول مرة من سبورتنج لشبونة في 2003.
وبدلًا من أن يلعب إلى جانب نخبة من أفضل لاعبي كرة القدم بالعالم، تحت قيادة مدرب يقود الفريق منذ 5 سنوات حينها، ولفريق ينافس دومًا على الدوري الإنجليزي ودوري أبطال أوروبا، ولنادٍ بنى أركان مشروعه بالفعل قبل أكثر من 12 عاما، انتقل إلى مانشستر يونايتد الذي كان يقوده أولي جونار سولشاير، الذي لا يزال مجرد مشروع مدرب.
وقبل تلك الفترة، لم يكن مانشستر يونايتد منافسًا حقيقيًا على البريمييرليج، ولم يعبر دور المجموعات في النسخة السابقة من دوري أبطال أوروبا، بل وكان قد عُيّن للتو مديرًا رياضيًا للمرة الأولى في تاريخه، ولمن لا يعرف، فإنه لا يكاد يخلو نادٍ أوروبي من منصب المدير الرياضي الذي يكون معنيًا بوضع خطة رياضية يسير النادي عليها ليحصد ثمارها بعد زمن بعيد.
كل تلك المعطيات قادت للنتائج نفسها، موسم كارثي جديد عاشه رونالدو في مانشستر يونايتد، خرج دون ألقاب لأول مرة منذ 12 عاما، بل وفشل فريقه في التأهل لدوري أبطال أوروبا، ليكون مُهددًا بالغياب عن بطولته المُفضلة التي يحمل لقب هدافها التاريخي.
انتفض رونالدو مجددًا وقرر الرحيل عن مانشستر يونايتد للحفاظ على تاريخه في دوري أبطال أوروبا، لكنها انتفاضة متأخرة، ستكلفه الانتقال الثالث في 4 سنوات، وقد تكلفه تاريخه في مانشستر يونايتد بعدما بدأ في التمرد عليه للموافقة على الرحيل، بل وقد تكلفه تاريخه الأعرض مع ناديه الأسبق، ريال مدريد، حال صحّت الأنباء التي تربطه بالانتقال إلى برشلونة، والتي لم ينفها أي طرف حتى الآن.
باتت رحلة رونالدو قريبة من نهايتها، ولكنها ليست أبدًا النهاية التي كان يتمناها محبوه، ولم يتوقعها أكثر كارهيه، نهاية كتبت العاطفة جزءًا كبيرا منها، ولولاها لكان للقصة وجه آخر.