سياسة

كردستان العراق ضحية للعدوان مرة أخرى

علي الصراف


العدوان الإيراني الجديد ضد كردستان العراق يجدد الدرس، بأن أمن الإقليم من أمن العراق.

فعندما تتعرض أربيل لهجوم صاروخي من إيران مباشرة، فلا بد أن ذلك يُفترض أن يعني شيئا بالنسبة لبعض المسؤولين الذين لم يجدوا غضاضة في الإصغاء لمطالب إيران، أو في مساعدتها على تيسير مصالحها ونفوذها في العراق، ومن ذلك الضغط من أجل تنفيذ مطالبها بشأن مشاركة الجماعات الموالية لها في السلطة.

هذه الضربات لم تكن هي الأولى على أي حال. والجماعات المسلحة التي حرص بعض المسؤولين الأكراد على أن يحفظوا لها “حصتها” من السلطة في بغداد، هي ذاتها في الواقع التي ظلت تحرص على توجيه الضربات لإقليم كردستان.

لقد كان يفترض بكل ما واجهته كردستان العراق من تهديدات وضربات من إيران ومليشياتها أن تدرك درسا، وأن يُقتفى معناه. 

ولئن ضاع الكثير من الوقت، نحو 20 عاما، ولئن ظل الدرس يتكرر هو نفسه، مرة بعد أخرى، إلا أن الفرصة ما تزال متاحة لإدراك أن أمن كردستان ورفاهيتها هما من أمن العراق ورفاهيته. فإذا ساد أي مرض في بغداد، انعكس على أربيل مرض مثله أو حتى أشد.

استضعاف كردستان، هو في الواقع نتيجة مباشرة لاستضعاف العراق.

لا تستطيع كردستان العراق أن تهنأ بالاستقرار إذا ما كانت مليشيات الجريمة والفساد هي التي تحكم أو تفرض نفوذها على بغداد.

التجربة كانت هي البرهان. فبعد نحو عشر سنوات من قبول التعايش مع هذه المليشيات، فقد كانت النتيجة وبالا دائما على كردستان العراق.

والنزاعات ما تزال قائمة حول النفط وحصة الإقليم من الميزانية المركزية وغير ذلك من القضايا التي ظلت شائكة، بينما كان يمكن لروح المواطنة أن تجد سبلا لحلها، لو أنها كانت هي أساس الشراكة بين العراقيين وبعضهم، بدلا من عقد الصفقات.

ولا يجهل الأكراد في العراق حقيقة أن إيران لا تنظر بارتياح إلى تجربة الإقليم في ممارسة سلطات مستقلة عن المركز، لأنها تخشى أن تشكل عدوى تغري أكراد إيران بالمطالبة بحقوق مماثلة.

أتباع الولي الفقيه في العراق يعرفون كيف تميل الأهواء في إيران. وهم يمضون على هواها في معاملة إقليم كردستان على أنه نموذج يستحق الضرب والتخريب والإضعاف.

لا شيء في ذلك يحتاج إلى عبقرية لكي يرى المرء أن اليد التي تُمد إلى هؤلاء الأتباع إنما ستعود ناقصة. وإن التعاون معهم، وجعل الحياة أسهل لهم، إنما يؤدي بالنتيجة إلى إلحاق الضرر بقدرة كردستان العراق على أن يعيش حياة طبيعية.

قد يحصل أكراد العراق على حقوق سياسية واقتصادية، ولكن ما لم تكن تلك الحقوق امتدادا لما يحصل عليه كل العراقيين، فإنها لا تدوم، لأنها بلا أساس.

وعندما يكون الفساد والطائفية هما المحرك الرئيسي للعبة المناورات والمنافسات بين الجماعات المختلفة في بغداد، فإن كردستان لا يستطيع أن يأمن على حقوقه ومصالح أبنائه، حتى وإن عقدت صفقات مع بعض أطراف تلك الجماعات.

فحالما تأتي الأوامر من طهران، فسرعان ما سوف تنقلب تلك الجماعات على أي اتفاق وأي صفقة.

حقوق الأكراد وحرياتهم وأمنهم لن يمكن حفظها إلا إذا أمكن حفظ وحقوق وحريات وأمن العراقيين جميعا.

السبب الرئيسي في ذلك، هو أنك إذا لم تكن قادرا على أن تمتطي قاربا مستقلا، وتبحر في عالمك الخاص، فأنت في السفينة نفسها. غرقت تغرق معها. وأفسلت بالفساد فأنت سوف تفلس معها أيضا.

والعراقيون ليسوا عائقا في أن تبحر كردستان العراق في قارب منفصل. إيران هي التي تقف حجر عثرة في هذا الاتجاه.

وهو ما يعني أن العراقيين، عربا وأكرادا، مجبرون على أن يلعب كل منهم دورا في المحافظة على استقلال وسيادة وأمن العراق وازدهاره. هذه هي المعادلة الوحيد الصحيحة. لا أن تلعب ضحية ضد ضحية أخرى. فالفائز من لعبة كهذه معروف.

هذا الفائز هو الذي يقصف أربيل. وهو نفسه الذي قصفها من قبل، وسيظل يفعل.

جماعات الولي الفقيه قد تعطيك شيئا مقابل شيء وترسل الموفدين لتدبير الصفقات، ولكن حالما تأتيها الأوامر فإنها لن تتردد في سحب كل شيء والبدء بإرسال الصواريخ.

بلدٌ مستقرٌ وسيدُ نفسه، يمكن أن يعطي أكثر مما يعطيه التابعون لبلد آخر لا يروق له أن يحظى الأكراد بأي حقوق.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى