كابوس عمال قطر
عندما تفتح الملف الحقوقي القطري لا تجد سوى صفحات قاتمة سطرت بدماء العمال، الذين غادروا بلادهم سعيًا وراء الرزق والأحلام.
لكن تحولت أفضل وأكبر أحلام هؤلاء العمال، الذين وصلوها من شتى بقاع الأرض، إلى كابوس عندما تفاجؤوا بعدم تسلم أجورهم، والعمل ضمن ظروف صعبة وقاسية لا تطابق المعايير الإنسانية، بل حتى فقدان أرواحهم أو مشاهدة زملائهم يفارقون الحياة.
عبودية حديثة
وفازت قطر بحق تنظيم كأس العالم 2022 لكرة القدم في ديسمبر/كانون الأول من عام 2010، لتصبح أول دولة عربية تستضيف هذه المسابقة.
لكن تحركاتها المشبوهة للفوز بحق استضافة الفاعلية العالمية وما انطوت عليه من رشاوى دفعها المسؤولون القطريون لتحقيق غاياتهم، كانت البداية لحديث فتح عليهم بوابة الجحيم وملفات الانتهاكات الحقوقية، التي أصبحت تتخذ شكلا من أشكال العبودية الحديثة.
وكانت البداية مع تحقيق لصحيفة “الجارديان” البريطانية عام 2013 كشفت من خلاله وفاة عشرات العمال النيباليين، (وصلوا حاليا إلى المئات)، أثناء عملهم ببناء منشآت كأس العالم 2022، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة خاصة بعدما تبين أن أسباب الوفاة كانت المعاملة السيئة والظروف القاسية، حتى أطلق عليه البعض “مونديال الدم”.
وأشار التحقيق آنذاك إلى ما قاله بعض العمال النيباليين حول عدم تلقيهم رواتبهم منذ شهور، وأن أصحاب العمل كانوا يحتفظون بها حتى لا يهربوا، بالإضافة إلى حرمانهم من مياه الشرب بالرغم من حرارة الصحراء.
وفي يناير/كانون الثاني ونوفمبر/تشرين الثاني من عام 2014 لقي 157 عاملا نيباليا مصرعهم في ظروف غامضة، بحسب مجلس تعزيز العمالة الأجنبية النيبالي، حينذاك منعت الدوحة ظهور أية تقارير أو أرقام عن هذه القضية، حتى بوقها الإعلامي الذي يتغنى دائماً بالدفاع عن حقوق الإنسان.
لم يتوقف الأمر عند حد هذا التحقيق، بل تحدثت صحف هندية وباكستانية أيضا عن العمال الذين قضوا ضحية العبودية الحديثة في قطر.
إذ كشفت صحيفة “ذا ديلي ستار” الباكستانية، خلال تقرير سابق لها، أن مئات من العمال البنغاليين يعانون ظروفا غير إنسانية داخل معسكر للعمال بقطر، في مؤشر إلى استمرار الدوحة في انتهاج سياسة التمييز والعنصرية ضد العمال الوافدين.
وقالت الصحيفة إن هؤلاء العمال “تركوا ليتعفنوا” في معسكر لا توجد فيه مياه أو كهرباء، وقد أصيب العديد منهم بالأمراض.
من جانبه، كشف العامل البنغالي “موتيور” (اسم مستعار) إن بنغاليا وعاملا نيباليا تُوفيا إثر إصابتهما بسكتة دماغية في المخيم.
وذكرت صحيفة “هندوستان تايمز” الهندية في تقرير سابق أيضا أن مئات العمال الهنود من عمال البناء عالقون في قطر بعد خسارة وظائفهم وحرمانهم من رواتبهم ومرورهم بظروف معيشية مزرية داخل معسكرات العمل، وفقا لما قاله العمال والمسؤولون العاملون على القضية.
وقال كومار، عامل من كيرالا، عمل بشركة HKH General Contracting Company القطرية، لمدة 8 سنوات ولم يتلق راتبه منذ 6 أشهر “نحن الآن متروكون لرحمة الناس الذين يساعدوننا بالطعام بدافع خيري، ليس لدينا كهرباء حتى في النهار، لكننا ننجح فقط في تشغيل المولدات الكهربائية خلال الليل”.
وبعيدًا عن الرواتب وسوء الأوضاع المعيشية وحرارة الجو القاتلة، عانى العاملون أيضا بسبب سوء المعدات القطرية التي تم إمدادهم بها، والتي تسببت في مقتل العديد منهم على مدار السنوات الماضية.
وكان من أبرز هؤلاء الضحايا المهندس البريطاني زاك كوكس، الذي لقي مصرعه، في يناير/كانون الثاني 2017، أثناء عمله في بناء ملعب خليفة الدولي، إذ قال الطب الشرعي إن المعدات التي حصل عليها المهندس من الإدارة المعنية لم تكن مطابقة للمواصفات.
وسقط كوكس، المولود في جنوب أفريقيا ويحمل الجنسية البريطانية، من علو 39 متراً بعدما انقطعت الرافعة الخشبية التي كان يستخدمها، ليسقط على رأسه.
إجحاف وعنف
مآسي العمال في قطر لم تقتصر على ملاعب كأس العالم، بل امتدت إلى شتى قطاعات الإمارة الصغيرة، التي يبدو أن شركاتها وأصحاب العمل العاديين بها يتبعون نفس النهج تجاه العاملين لديهم.
وكشفت صحيفة “الجارديان” البريطانية في تقرير سابق لها عن أدلة على أن موظفي أرقى فنادق قطر يتقاضون أجورا تقل عن الحد الأدنى نظير تحمل نوبات العمل الطويلة في درجات الحرارة الشديدة، وهو ما يعكس مظاهر العبودية الحديثة في الدوحة.
وقالت الصحيفة، في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني، إن فندق “مرسى ملاذ كمبينسكي” يرتفع كقصر أسطوري على جزيرة من صنع الإنسان قبالة ساحل الدوحة، يفوح منه البذخ والإسراف، حيث تصطف في مواقفه سيارات فيراري ورولز رويس، وتتدلى ثريا بطول 20 مترا في البهو المبني بالرخام، ويتجاوز سعر الليلة في الجناح الملكي أكثر من 12 ألف إسترليني.
واستدركت بالقول، مع ذلك فالحياة مختلفة للغاية بالنسبة للرجال والنساء الذين يقومون بحراسة السيارات، وتنظيف الغرف وتزيين المساحات الخضراء.
وأشارت إلى أن هؤلاء العمال الذين يأتون من بعض أفقر مناطق العالم في جنوب آسيا وشرق وغرب أفريقيا والفلبين؛ يدفعون رسوم توظيف كبيرة، يصل بعضها إلى 3160 جنيها إسترلينيا، نظير العمل هنا.
وأوضحت أن دفع الرسوم إلى وكلاء التوظيف لتأمين وظيفة في قطر باتت ممارسة منتشرة على نطاق واسع، لكنها تترك العمال عرضة لخطر أعباء الديون والعمل القسري.
وذكرت صحيفة “جلف نيوز” أن حيدر علي (35 عامًا)، أصيب في وجهه على يد كفيله قطري الجنسية، المشار إلى اسمه بالحروف الأولى “أ ي أ”، بعدما طلب منه إجازة لزيارة عائلته.
وطالبت عائلة موظف هندي بتعويضات مالية من حكومة قطر نظير فقدان ابنهم نور إحدى عينيه، بعدما أصابه صاحب العمل بطلق ناري في الدوحة.
وشاركت الأسرة الهندية صورة لعلي من داخل حجرة المستشفى حيث يظهر فيها وقد فقد عينه اليمنى في الاعتداء المروع.
وتلخصت قصة علي في أنه قبل سفره إلى دلهي، ذهب إلى صاحب العمل ليطلب منه إذن بالإجازة، وبالرغم من أن تفاصيل ما حدث بالضبط لا تزال غامضة، لكن يبدو في مرحلة ما استشاط صاحب العمل غضبًا، وسحب سلاحه وأصاب علي.
وعلى الرغم من تعالي نداءات المنظمات الحقوقية والصحية التي تطالب قطر بتصحيح أوضاع العمال، خاصة في ظل جائحة “كوفيد-19″، لم تحرك الإمارة ساكنا، لتترك العمال يعانون الويلات.
ويلات لم تلحظها على ما يبدو قناة الجزيرة القطرية، التي انشغت بتزييف الحقائق وتسليط الضوء على قضايا أخرى في بلدان أخرى، فيما الجحيم يقبع قرب مقرها في الدوحة، على أمل فقرة مبهرة لألعاب نارية في مونديال الدم.