قناعة إسبانية راسخة: المغرب يحقق تقدماً في ملف الصحراء
يُشير تأكيد وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، على أن النزاع حول الصحراء المغربية لم يعد يحتمل استمرار الوضع الراهن، مشدداً على دعم مدريد لقرارات مجلس الأمن الأخيرة، التي تعتبر مبادرة الحكم الذاتي المغربية إطاراً للتفاوض، إلى موقف إسبانيا الراسخ والنهائي بشأن تأييدها لسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية. هذا التصريح، الذي جاء ليؤكد المواقف السابقة، يعكس قناعة عميقة داخل المؤسسة الإسبانية بضرورة المضي قدماً نحو حل واقعي ودائم.
التحول الاستراتيجي والدعم الأممي
وجددت مدريد خلال الآونة الأخيرة دعمها للمقترح المغربي، معتبرة أن هذا الموقف يتوافق تماماً مع القرارات الدولية الأخيرة التي تبنت الحل الذي تطرحه الرباط كقاعدة للتفاوض، على غرار القرار 2797 الصادر عن مجلس الأمن. هذا التماهي مع الإرادة الدولية يعزز شرعية الموقف الإسباني، ويؤكد أن إسبانيا، كقوة إقليمية وجار مباشر، اختارت الجانب الأكثر واقعية وصدقية لتسوية هذا النزاع.
ويرسخ تصريح ألباريس قناعة إسبانيا بضرورة تحصين علاقاتها مع المغرب كشريك حيوي من خلال الاعتراف بجدوى المقترح المغربي الذي يحقق السيادة الوطنية ويضمن استقرار المنطقة المغاربية برمتها. وبالنسبة لمدريد، لم يعد استقرار الرباط رفاهية، بل أصبح ضرورة إستراتيجية قصوى ترتبط بأمنها وازدهارها الاقتصادي.
قفزة نوعية نحو “العصر الذهبي” للعلاقات
وأدى التحول التاريخي في الموقف الإسباني بشأن الصحراء، الذي أُعلن عنه في مارس/آذار 2022، إلى قفزة نوعية في العلاقات المغربية – الإسبانية، ووصولها إلى ما يوصف بـ”العصر الذهبي” أو “مرحلة جديدة” قائمة على الثقة المتبادلة والتعاون الشامل في كافة القطاعات.
وتم تتويج هذا التقارب عبر آليات الاجتماعات رفيعة المستوى (RMH)، بتوقيع العديد من اتفاقيات ومذكرات التفاهم بلغت في إحدى الجولات حوالي 14 اتفاقية، ما يعكس الإرادة المشتركة والواضحة لتعميق الشراكة وتأسيس علاقات نموذجية دائمة. وتغطي هذه الاتفاقيات مجالات حيوية من الاقتصاد والتجارة إلى التعليم والعدل والبنية التحتية.
تعميق الأبعاد الاستراتيجية للشراكة
وتسارعت وتيرة الاستثمارات الإسبانية في المغرب، حيث تحتفظ مدريد بمكانتها كشريك تجاري أول للمملكة. وتتجه التطلعات حالياً نحو تعزيز هذه الشراكة بشكل أكبر، لاسيما مع اقتراب تنظيم مونديال 2030 بالاشتراك مع البرتغال. ويمثل هذا الحدث الرياضي العالمي فرصة هائلة لتشبيك البنى التحتية، وتوحيد الجهود اللوجستية، وخلق منصة استثمارية عابرة للمضيق.
ويعمل البلدان بمقاربة شاملة لإدارة تدفقات الهجرة، حيث يعتبر المغرب حائط صد رئيسي وفعّال للحد من الهجرة غير النظامية نحو أوروبا، بفضل التنسيق المستمر والمسؤول. بالإضافة إلى ذلك، يشمل التعاون الأمني التبادل الاستخباراتي والمعلوماتي الوثيق لمكافحة شبكات الجريمة العابرة للحدود والإرهاب، وهو ما يضمن أمن مضيق جبل طارق واستقرار الضفتين بشكل لم يسبق له مثيل.
وشهدت العلاقة أيضاً تطابقاً في وجهات النظر حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية، مما يضفي بعداً سياسياً واستراتيجياً على هذه الشراكة. وتنظر إسبانيا إلى المغرب كبوابة للعمق الإفريقي، بينما تنظر الرباط إلى مدريد كجسر للاتحاد الأوروبي.
وباختصار يمثل الدعم الإسباني لمقترح الحكم الذاتي تتويجاً لمنطق الجغرافيا والمصالح الاستراتيجية المشتركة. وبدلاً من أن تكون قضية الصحراء المغربية نقطة خلاف، أصبحت أساساً متيناً بُنيت عليه شراكة إقليمية هي الأقوى في المنطقة، موجهة نحو المستقبل والتنمية المشتركة.







