سياسة

قمة الخليج العربي + 3 مع “بايدن”.. ماذا بعد؟

عبدالجليل السعيد


إنَّ تشكُّلَ نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بات أمرًا واقعًا لا لبس فيه.

وقد ترغب كل دولة من دول العالم، بما فيها القوى الإقليمية المعروفة، في أن تتموضع في النظام الجديد، لكن ليس من باب التبعية لأحد، بل كقوة مستقلة تتعامل مع القوى العظمى بندّية واحترام.

ومن الوضوح بمكان أن فريقًا في إدارة الرئيس “بايدن” لا يزال يتعامل مع العالم باستراتيجيات الحرب الباردة، ويود التعامل مع خصوم أمريكا، وحتى حلفائها، بغطرسة ونرجسية عفا عليها الزمن، بل أحيانًا يريد هذا الفريق من ساكني “البيت الأبيض” أن يلجأ إلى منطق التهديد وابتزاز بعض الدول.

ولا يخفى على أحد أن زيارة الرئيس الأمريكي للسعودية ومشاركته الفاعلة في قمة جدة، تمثل بداية الهزيمة لهذا الفريق غير الواقعي، فالحقيقة الماثلة للعيان اليوم، أن ما يهم أمريكا هو مصالحها فقط، وكذلك دول المنطقة.

العالم قد تغيّر، أقلّه بعد الأزمة الأوكرانية، التي تلقي بظلالها على كل شيء، وتلك الفئة، التي تريد أن تعمل إلى جانب “سيد واشنطن”، تعيش حالة إنكار ربما تقودها إلى التوحش، الذي سيُفقد أمريكا ثقلها الدولي وحضورها العالمي.

في النظام العالمي الجديد،‬ الذي يتشكّل حاليًّا، ستكون التحالفات الاستراتيجية عناوين لمراحل، وليس لمرحلة واحدة، ففي نظريات الفكر السياسي أن تتحالف دولة مع أخرى في كل ملف وكل قضية هذا أمر مُحال وغير مقبول، والمستقبل، كالتاريخ، سيشهد على “تحالفات مصالح” مع كل القوى العالمية الموجودة.

أما الولايات المتحدة الأمريكية، والتي يحلو للبعض أن يقول عنها إنها الدولة التي تُخطّط لعقود مقبلة، فقد قال رئيسها السابق باراك أوباما يومًا ما إنها “ستستغني عن نفط الخليج العربي”.. كان هذا الكلام في 2016، حتى الرئيس السابق دونالد ترامب كرّر الكلام ذاته.

ثم بدأت قبل أشهر الحرب الأمريكية-الروسية، بشكلها الأوكراني، وتذكّرت “أمريكا بايدن” فجأة أنها تحتاج بشدة إلى نفط وغاز دول الخليج العربي، وأن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لا يزالان ذلك الرقم الصعب والمهم في ميزان الاستقرار الاقتصادي العالمي.

البعض يقول: لقد جاء الرئيس “بايدن” إلى السعودية مُرغمًا لأنه وإدارته يخضعان لأجندات اليسار المتطرف، الذي يتزعمه خَدَم اللوبيات الأجنبية، ولذا خلط “بايدن” في سنة حكمه الأولى كرئيس بين مصالح بلده الحقيقية مع المنطقة، وبين توجهات حزبية ضيقة.

وقد أتى “بايدن” للمملكة وفي ذهنه أنه يتزعم “أمريكا ريجان وبوش الأب وبيل كلينتون”، أمريكا التي تأمر فتُطَاع، وتتقمص -إذا رغبت- دور الواعظ حول الديمقراطية والحريات، وتناسى “بايدن” وفريقه أن دول العالم، التي كانت ناشئة، قد شبّت عن الطوق، وأن شعوب العالم لم تعد تخدعها استراتيجيات القوة الناعمة، التي تُناقضها الأفعال الأمريكية اليومية.

فحينما سقط الاتحاد السوفييتي وأصبحت الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة التي تحكم العالم، احتلت العراق وأفغانستان، ثم قررت بعد ذلك نشر ما أسمته “الربيع” في منطقتنا عبر “تثوير” الشعوب، فغرقت بغرورها، فيما كانت الصين تغزو العالم اقتصاديًّا، و”روسيا بوتين” تبني ترسانتها العسكرية المهولة، ودول الإقليم تبني مشاريعها المستقلة.

ومع أن أمريكا لا تزال قوة عظمى، لكن عليها أن تدرك أن منطقة الخليج العربي‬ لن تكون رمحًا بيد الغير ليطعن به خصومه، الذين ليسوا خصومًا لهذه الدول، فعلاقات المنطقة بأمريكا مستقبلا ستكون علاقات مصالح حسب الملفات والقضايا، كل على حدة، وقد يتفق قادة المنطقة على ملفات معينة مع أمريكا، وقد يختلفون، واختلاف الرؤى لا يجب أن يفسد لوُدِّ المصالح قضية.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى