سياسة

قطر وتركيا في موقف خوف بعد تنحي البشير.. ما السبب؟


في الوقت الذي كانت فيه الهتافات تهز نوافذ القصر الرئاسي في الخرطوم وتطالب بتنحي عمر البشير عن السلطة في يناير الماضي، شعر الرئيس لأول مرة بتهديد حقيقي وكان يفكر فيمن يمكن أن يدعمه ضد الشعب الغاضب، وقد اتخذ قراره باستقلال طائرته إلى الدوحة.

وقد كانت قطر الداعم الأول للرئيس المخلوع عمر البشير، إذ لم تخف سياستها الهادفة إلى إبقائه في السلطة بالرغم عن مطالب ملايين الشعب السوداني بتنحيه.

وأسرعت الدوحة منذ أول مظاهرة رفعت شعار رحيل البشير، إلى التعبير عن دعمها للرئيس وجاهزيتها لتقديم كل هو مطلوب لتجاوز ما اعتبرته وقتها المحنة.

وفي الوقت الذي اشتدت فيه المحنة في القصر الرئاسي، قامت الدوحة في الحادي والعشرين من يناير الماضي باستقبال الرئيس المغضوب عليه وجدد أميرها تميم بن حمد دعمه للبشير.

وقد اعتبر الدعم القطري لنظام البشير تحديا واضحا للإرادة الشعبية، في حين أن مصالح الدوحة مع النظام الذي يلتقي معها على نفس الخلفية الإيديولوجية وهي تنظيم الإخوان، قدمت على مصالح الشعب السوداني الذي ضاق ذرعا بالفساد المستشري والظروف الاقتصادية الصعبة.

ومن جانب اخر، وبالضبط قبل شهرين من زيارة البشير إلى الدوحة، كان نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي، قد قام بزيارة رسمية للسودان، استمرت ثلاثة أيام وذلك ما بين 19-21 نوفمبر الماضي، وذلك لتأكيد العلاقات المتينة بين نظام البشير وحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان.

وقد أتت هذه الزيارة بعد أن استقبل الرئيس التركي نظيره السوداني في أكتوبر، ودعاه إلى المشاركة في افتتاح مطار إسطنبول الجديد.

وفي وقت سابق، زار أردوغان في ديسمبر 2017، الخرطوم على رأس وفد مكون من 200 من المسؤولين ورجال الأعمال، في وقت كان الوضع في السودان يغلي قبل الانفجار في عام 2018.

وقد قدم نظام البشير إلى تركيا العديد من التسهيلات والامتيازات المثيرة للجدل، حيث منح جزيرة سواكن الاستراتيجية في البحر الأحمر لتركيا عبر عقد إيجار ليعطي الأتراك موطئ قدم في منطقة الملاحة الاستراتيجية، دون أن يتبين ما الذي سيجنيه السودان من هذه الخطوة سوى تمكين دولة أجنبية من مناطق إستراتيجية ذات سيادة لا يمكن أن تمنح لدولة أخرى.

وقفت الدوحة وأنقرة أمام الاحتجاجات الشعبية العارمة، بشكل واضح مع نظام البشير لإنقاذه من الانتفاضة التي اندلعت نتيجة تراكمات 3 عقود.

المحاولات من طرف تميم وأردوغان لم تكن بسبب الرغبة في تحسين الظروف المعيشية في السودان لتجنب توسع الاحتجاجات، ولكن لأنهما يعتبران الخرطوم – تحت حكم البشير – سندا إيديولوجيا لجماعات مثل تنظيم الإخوان، الذي كان يجد لعناصره في هذه العواصم ملجأ لنشر التطرف ومنصة لدعايته.

لكن لم يستطع النظام المدعوم من طرف كل من الدوحة وأنقرة في الصمود كثيرا أمام الاحتجاجات التي وصلت إلى مقر القيادة العامة للجيش السودانية، مطالبة القوات المسلحة بالتحرك لمساندة الحراك الشعبي.

وقد انحاز الجيش السوداني إلى الاحتجاجات وعزل الرئيس من منصبه، وشكل مجلسا للإشراف على المرحلة الانتقالية، داعيا قوى الحراك الشعبي للدخول في عملية سياسية لتشكيل هيئات المرحلة الانتقالية والإعداد للاستحقاقات الديمقراطية التي تلبي تطلعات الشعب.

ووفق تقارير، فقد تمكن العباس البشير، الشقيق الأصغر لعمر البشير، من الهروب إلى تركيا، حيث لديه وشقيقه الآخر عبدالله عدة استثمارات، فضلا عن امتلاكه عقارات وأصولا كثيرة.

كما لم يكن العباس الوحيد من الشخصيات النافذة في السودان ممن لجأوا إلى تركيا، فسفير الخرطوم السابق لدى واشنطن عطا المولى، غادر أيضا إلى هناك، وقد تمكن من تحويل مبالغ ضخمة إلى حسابات تركية، وفقا لمصادر.

وظهرت مواقف الدوحة وأنقرة اليوم مرتبكة أمام ما يحدث في المشهد السوداني، حيث خرجت وسائل إعلام قطرية وتركية لانتقاد مساعدات قدمها عدد من الدول العربية، ومن بينها السعودية والإمارات ومصر، إلى الشعب السوداني بعد تنحي البشير لمساعدته في تجاوز الأعباء المالية والاقتصادية في هذه المرحلة التي تطلب من السودانيين التكاتف لعبورها.

كما أن التوقيت يعتبر عاملا أساسيا في كشف سياسات بعض الدول والمصالح التي تستهدفها، فمن يدعم نظاما منبوذا شعبيا ليس كمن يضخ مساعدات تهدف إلى دعم شعب يتطلع إلى تغيير يضعه على المسار الديمقراطي دون أن ينزلق في الفوضى والصراعات.

أما الدول التي دعمت نظام البشير فتخشى أن تفقد مصالحها في السودان الجديد، خاصة أن الانتفاضة الشعبية لم تقم ضد رئيس فقط، وإنما ضد حركة الإخوان التي جاءت بهذا النظام إلى السلطة.

فلم يخفض السودانيون راياتهم الاحتجاجية بعد عزل البشير وإنما استبدلوا رحيل البشير بـ رحيل الكيزان، وهو الوصف الذي يطلق على رموز وأعضاء الإخوان في السوادن.

وربما يمثل ذلك الجزء الأكثر إثارة للقلق في الدوحة وأنقرة، حيث تعد العاصمتان ملاذا آمنا لتنظيم الإخوان والتنظيمات المتطرفة المنبثقة عنه.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى