قطر.. والحصان.. والفأر
هل بإمكان قطر التي ليس لها أي تصنيف عسكري، تدريب ما يسمى الجيش الليبي في طرابلس، أم أن الخطوة مجرد “شو” تعكس حالة من الوهم والتوهم؟
كنت أتمنى أن يكون أعظم المؤرخين: الإغريقي هيرودوت، أو البريطاني ويل ديورانت، أو العربي ابن الأثير، أو المصري ابن إياس موجودين يوم الخميس 12 نوفمبر 2020 ليسجلوا للبشرية حدثا لم يشهد له التاريخ مثيلاً؛ أن قطر توقع اتفاقية مع حكومة الروبوت السياسي فايز السراج في طرابلس الغرب لتدريب الجيش الليبي، حدث جلل مثل ظهور الغول والعنقاء والخل الوفي؛ الثلاثة الذين قال عنهم الشاعر إن وجودهم ينتفي.
قطر تدرب الجيش الليبي؟!… قطر التي لا يوجد فيها إنسان قطري فاعل في أي مجال من مجالات الحياة؛ لا في الإعلام ولا الرياضة ولا في أي شيء، الجميع من شذاذ الآفاق الذين تم تجنيسهم لتبرير وجودهم. قطر التي يحمي بيت حاكمها أغوات. قطر التي لا يأتي ذكر لجيشها في أي سجل دولي؛ كأنه معدوم الوجود، لا يمكن أن يُرى بأعظم العدسات التي بالكاد تظهرها على الخريطة.
المشكلة ليست في قطر، وإنما في الإعلام بكل أطيافه؛ الذي صنع من قزم صغير شيئاً، وضخمه ونسب إليه أفعالاً يستحيل أن يقوم بها الصغار. قطر لها كل الحق في أن تختار من المواقف، والسياسات ما يراه أصحابها، ولكن ليس من حقنا أن نصاب بفقدان البصر والبصيرة ونتعامل مع قطر على أنها تهدد دولاً عربية كبيرة، أو تنافسها، أو تريد أن تأخذ دورها، أو تسعى لأن تكون الدولة المحورية بدلا منها. كل هذه الأوهام خلقها إعلام “عقلة الأصبع” القزمي في مصر وغيرها بكل من فيه، من أنصاف متعلمين، فاقدي الرؤية الاستراتيجية، أصحاب الأصوات الزاعقة، ملهبي حماس العوام، ومهيجي البسطاء من الناس، إعلام ترسيخ الجهل الاستراتيجي، رغم كثرة الضيوف الاستراتيجيين، إعلام عمى الألوان، الذي يرى الأسد أرنباً، ويرى الفأر فيلاً.
لا يوجد عاقل في الأرض يمكن أن يظن أن قطر تستطيع تهديد مصر أو السعودية أو الإمارات، أو تحريك ساكن في هذه الدول، قطر لن تبلغ مستوى ان يحسب لها حساب في ميزان القوى الاستراتيجي في المنطقة، لأن الدول لا تُقاس قوتها الاستراتيجية بثروتها الاقتصادية، بل بعوامل أخرى أكثر أهمية من الاقتصاد، على الرغم من أن الاقتصاد عامل حيوي، وقطر لا تملك من ميزان القوى غير حفنة من الدولارات، ولكن للأسف استطاعت في العشرين سنة الأخيرة أن تخلق حالة من تضخيم الصورة والدور في أذهان البسطاء من الإعلاميين، ومقدمي البرامج، والمؤلفة جيوبهم من الخبراء وأساتذة الجامعات، والصحفيين، فأصبحوا يحسبون لقطر ألف حساب، لأنها أهم ممول في حساباتهم، أو لأنها كبيرة في نفوسهم الصغيرة، أو هكذا ألقى السامري، صاحب عجل بني اسرائيل، في قلوب الضعفاء، فأصبحوا يخافون عجل بني إسرائيل الحديث المتمثل في قناة الجزيرة، ذو الخوار الأعلى صوتاً، وخروا له ساجدين، خائفين، مرعوبين من دور قطر، ونفوذ قطر، وللأسف كل ذلك ما هو إلا خوار عجل من ذهب مسروق من مصر، صنعه السامري في غيبة سيدنا موسى عليه السلام، أو صنع به سامري العصر قناة فضائية في غيبة العقل العربي.
إذن فنحن المسؤولون عن دور قطر المعادي، لأننا لو تجاهلنا كل دعايتها، وما تنفثه قنواتها الفضائية، ونسينا أن شيئاً هناك؛ لما كان لقطر دور، ولا منافسة، ولا تهديد، فكل ما يتعلق بقطر ودورها هو حالة من الوهم، أو التوهم، يخلقها المصابون بالعصاب النفسي، فيخافون من النمل، أو النحل، أو البعوض، أو الفئران، لا لأنها تمثل خطرا عليهم، ولكن لأنهم خلقوا خطرها في عقولهم، فأصبح الخطر داخليا في الرؤوس وليس خارجيا في قطر.
وقديما أدرك الإنسان العربي بحكمته، وعمق تفكيره، وبعد نظره هذه الحقيقة، ووضعها في مثل شعبي تتوارثه الأجيال، وتتناقله عبر الزمان، وعلى مدى المكان، فقال “جابوا الخيل يحدوه.. قام الفأر مد رجله”، مشهد ترسمه الكلمات في صورة أكثر عمقا من لوحة فنان، يقول لنا إن الفارس جاء بحصانه ليضع له حدوة، أي حلقة حديدية في حافرة تحفظه من الاحتكاك بالأرض، فتوهم الفأر أنه مثل الحصان؛ لأنه يعيش في نفس المكان مع الحصان. ونظراً لطول العشرة والمعايشة بينهما ظن الفأر أنه يقوم بدور مثل الحصان، وأن له حافرا في نفس حجم حافره، فقام ومد رجله ليضع الصانع له حدوة فيها.
مثل شعبي أعمق من أي تحليل استراتيجي، لأنه اختزل القصة كلها في كلمات موجزة ومعبرة، ترسم لنا كل حكاية مصر وقطر، أو السعودية وقطر، أو الإمارات وقطر، في كل هذه الحالات لا يحتاج الإنسان إلى أن يشرح أين الخيل وأين الفأر.
الحكمة تقتضي أن يتوقف الإعلام عن الحديث عن قطر بالكامل، وأن يدرك يقينا أن كل حديث عنها هو تحقيق لأهدافها، وأن يتجاهل كل ما تقوم به، وتدعو إليه، وكذلك أن يقاطع الإنسان العربي كل ما تنفثه قنوات قطر، ولا يعيرها أي اهتمام على الإطلاق. حينها لن يكون هناك مؤامرة قطرية، ولا دور قطري، ولا منافسة قطرية، وبذلك يتوقف هذا الصداع ونحفظ للإخوة العربية حقها، فلعله يظهر هناك رجل رشيد، أو امرأة رشيدة، ولنتمثل قول المتنبي:
وأتعب من ناداك من لا تجيبه *** وأغيظ من عاداك من لا تشاكلُ
نقلا عن العين الإخبارية