سياسة

قطر ادعاء فضفاض لا يقبل التنازل المتبادل


على امتداد السنوات الثلاث الماضية من بداية الأزمة القطرية مع جيرانها من دول الخليج كانت وما زالت هناك محاولات للتوازن الدقيق بين مكونات هذه الأزمة التي تسببت بها قطر وبين مصالح الدول الخليجية، خاصة المملكة العربية السعودية التي اتسم مسارها السياسي تجاه قطر بأن تمنحها الفرصة للاعتراف بالخطأ لتتحمل كل السلبيات التي امتدت على مدى عقدين من الزمان وتشكلت من خلالهما صورة غير مقبولة للمسار القطري في المنطقة، ومع ذلك كان التضاد بين الأفعال السلبية لقطر ضد جيرانها والمصالح الإقليمية والداخلية لذات الجيران تميل إلى منح الفرصة تلو الفرصة من أجل تصحيح الأخطاء.

وإذا وضعنا جانباً تاريخ العلاقة السعودية القطرية، نجد أن الانحراف الذي أحدثته قطر في ذلك المسار التاريخي كان شديداً في الاتجاه الخاطئ بما لا يخدم المصالح القومية والإقليمية لدول الخليج، خاصة أن قطر عبر تاريخها ظلت متمسكة بالإطار الأكبر في المنطقة الخليجية والذي تمثله المملكة العربية السعودية، وهذا هو الملمح الذي ميز تلك العلاقة بين السعودية وقطر ولفترة طويلة من الزمن قبل الأزمة في محاولة دائمة من السعودية نحو “أقلمة الروح القومية والوطنية” لكل منطقة الخليج.

في عام 2017م، بدا واضحا أن الشكل الذي سوف تتخذه هذه العلاقة وآلياتها يتجه نحو المصارحة الفعلية بالأزمة التي تخلقها قطر في المنطقة، ومع أن الكثير من الأزمات التي تسببت بها قطر بقيت طي الكتمان والغموض في أحيانٍ كثيرة من الجانب القطري، إلا أن السعودية كدولة كبرى في منطقة الخليج تمسكت وبنهج سياسي راسخ أن يتم منح الفرص بمتوالية هندسية حتى لا يبقى مسار إلا واستنفدت فيه كل الحلول المتاحة والتي تسهم في تقريب وجهات النظر بين الدول المتجاورة.

ومع تصاعد الأزمة التي صنعت من قبل الدوحة ضد جيرانها ووصول القضية إلى مفترق طرق لم يكن هناك من بد في الذهاب نحو طريق المقاطعة وهو الطريق الأكثر سلامة وحماية للمكون الخليجي، وهو تصرف حكيم قادته السعودية ودول خليجية يبقي الأبواب مفتوحة لكل محاولة يمكن أن تفكر الدوحة بتقديمها لتغيير الحالة السياسية القائمة بينها وبين جيرانها، ولكن ذلك لم يتم ومع كل المحاولات الدبلوماسية التي تهافتت على الأزمة من أجل إخراجها من ضيق الأزمة إلى فسحة الحلول إلا أن قطر تعاملت مع الأزمة بطريقة هدفها تجاهل الأسباب الفعلية للأزمة، خاصة عندما يتم الحديث عن حلول محتملة.

في كل الحالات السياسية والدبلوماسية التي تم طرحها من أجل حلول مقترحة للأزمة برزت نزعة تطورت بشكل تدريجي لدى الجانب القطري هذه النزعة تستبعد التنازل المتبادل بين الأطراف وظهر بشكل دقيق أن الدبلوماسية القطرية تتعمد فكرة الحلول غير المربوطة بالأسباب الفعلية للأزمة، وفي وجهة نظري أن هذه الفرضية هي اللاعب الرئيس في ضياع فرص قطر في أن تعود لحضنها الخليجي.

ومع كثرة المحاولات وتعددها نتوقف عند آخرها والتي بدأت بشكل مباشر وبلا وسيط بين المملكة العربية السعودية وقطر، فالسعودية في هذه الفرصة التي بدأت ملامحها في شهر أكتوبر من العام الماضي رغبت في تبديل المحاولات غير المباشرة بمحاولة مباشرة بهدف اختبار الجدية القطرية نحو تحليل الأزمة وتفكيك رموزها واقتراح الحل لها بشكل جدي.

يبدو أن قطر لم تدرك بعد أن الكثير من المشكلات السياسية تسهل الإشارة إليها والحديث عنها إعلامياً وسياسياً، بينما يصبح الأمر معقداً عند وصف تلك المشكلة لأن سهولة الإحساس بالمشكلة أمر مختلف عن تحليلها، وعبر هذه النظرة أثبتت الدوحة أن استيعابها للأزمة التي افتعلتها مع دول الخليج أكبر من قدراتها إذا أحسنا النية بالمؤسسة السياسية القطرية، أما الخيار الثاني أن يكون الهدف الفعلي أن تتم المراوغة ومحاولة الحصول على أكبر المكاسب دون إدراك فعلي لمعطيات الأزمة.

المملكة وبكل إمكاناتها حاولت أن توجد صيغة لحفظ التوافق في خطوة الحوار الهادف لحل الأزمة، ولكن يبدو أن فوضى التعامل مع الحدث من الجانب القطري ونظامه السياسي الذي لم يستوعب الأزمة كقضية تاريخية يمكن أن تترك أثراً سياسياً طويل الأمد على المنطقة، وهنا يمكن القول إن أحد الأشياء المهمة التي يعرفها الجميع عن السعودية أنها قادرة على التعامل مع كل الصور المتاحة ولكن هذا التعامل يمكنه أن يغلق الأبواب إلى الأبد، خاصة إذا ما كان هناك من يسعى إلى أن تطول مسافة الحوار والتباين دون تنازلات ذات تبادلية متزنة بين أطراف الأزمة.

نقلاً عن “صحيفة الرياض”

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى