سياسة

قرارات بايدن والمعركة الداخلية


رئاسة جو بايدن لا تبدو بعد مرور شهر من دخوله البيت الابيض أمراً سهلاً أو هيناً، بل على العكس.

يرى المراقبون السياسيون في الولايات المتحدة وخارجها أن الخطوات الأولية التي اتخذها بايدن في الأسابيع القليلة الماضية قد تكون بذوراً لحصاد سياسي غير ناجع في سنواته الأربع دستورياً لمنصب رئيس الجمهورية.

وأول ما فعله بايدن هو التوقيع على عدد من “القرارات الإدارية” بعضها ألغى عدة قرارات كانت قد صدرت في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، والبعض الآخر قرارات خاصة بأسلوبه في الحكم وفي إدارة شؤون بلاده. ومن الملاحظ أن تلك القرارات تركز على السياسات الداخلية وليست الخارجية، لكن هي أيضا لها صلة بتعاملات أمريكا مع العالم. ولعل أبرز تلك القرارات إلغاء بايدن القرار الخاص بمنع سفر مواطنين من عدة دول عربية وإسلامية إلى الولايات المتحدة بحجة حماية أمنها القومي وهو القرار الذي اتخذه سلفه دونالد ترامب. بايدن ألغى أيضاً مشروع مد أنابيب لنقل النفط والمعروف باسم Keystone Pipeline ذلك “لأضراره من الناحية البيئية”.

وتدريجياً، يعمل بايدن على إعطاء حق الإقامة القانونية للملايين من المهاجرين غير الشرعيين في أمريكا، وهذا يعني ضمنياً وعملياً إلغاء بناء الحائط الذي كانت إدارة الرئيس ترامب قد بدأت خطوات فعلية في تشييده. ومن ناحية أخرى، أعلن الرئيس جو بايدن عن عدد من القرارات تميز عهده في الحكم، وتستهل في نفس الوقت سياسات جديدة لأمريكا، خاصة في المجال الاقتصادي، ويذكر على سبيل المثال، القرارين الخاصين بدعم وتأمين العاملين في قطاع الرعاية الصحية، بالإضافة إلى قرارات خاصة برعاية الدولة لعملية الإنتاج والتوزيع لشبكات صناعة عدد من السلع الأساسية والرئيسية، مثل الغذاء والدواء وغيرهما. وفي هذا الشأن تحدث بايدن في خطاب قومي ذكر فيه أن أمريكا لن تعتمد على أي عنصر أجنبي لتأمين عمليات الإنتاج للبضائع الحيوية التي لا يمكن الاستغناء عنها.

وعلى الرغم من أهمية تلك المجموعة من القرارات، فإنها تخفي خلافات سياسية عميقة قد تسفر عن عدم تأثيرها إيجابياً على أمريكا والعالم. فعندما عرض بايدن بعض البرامج العلمية والتكنولوجية المتقدمة التي ستستخدم في الاقتصاد الأمريكي، تجاهل أن تلك الوسائل المتقدمة في الإنتاج لن تقدم حلولاً لمشكلة البطالة وعدم وجود فرص عمالة للملايين من الأمريكيين. هذا يطرح سؤالاً عن أولوية تقديم تلك البرامج والاختراعات لزيادة الإنتاج في بعض القطاعات مع بقاء معدل البطالة مرتفعاً، خاصة بعد حالة الإغلاق العام التي تلت انتشار جائحة كورونا.

وللاختصار، يمكن القول إن إدارة الرئيس بايدن تواجه تحديين كبيرين؛ الأول يأتي من قبل خصومه الجمهوريين والذين لا يرون نية حسنة من قبل بايدن، خاصة بعد إقراره لإجراء محاكمة ثانية للرئيس السابق دونالد ترامب في مجلس الشيوخ. الأمر الآخر الذي يمنع بايدن من إنهاء حالة الانقسام الخطيرة داخلياً، هو أسلوبه في عدم التشاور مع المؤسسات السياسية، خاصة الأعضاء الجمهوريين فيها وعلى مستويات السلطة الحكومية المختلفة في القرارات التي يتخذها.

ولعل خطته الرامية لتوزيع اللقاح المضاد لوباء كورونا دليل على أنه لا يستمع إلى وجهات نظر أخرى في أمر شديد الأهمية للملايين في أمريكا، أما العائق الأكثر تهديداً لسياسات بايدن فهو يأتي من مجموعة من النشطاء والسياسيين الذين أصبحوا معرفين في أمريكا الآن بـ”التقدميين “The Progressives، وهذا التعبير أصبح شائعاً في الولايات المتحدة، ويحل في كل مناقشة تطرح فيما يتعلق بسياسات الرئيس جو بايدن. هؤلاء التقدميون يريدون من بايدن إجراءات أكثر حسماً في قضية حماية البيئة، والتي قد تأتي على حساب الإنتاج الاقتصادي، كما يحاول التقدميون أن يعجلوا بإصدار تشريع برفع الحد الأدنى للأجور في الولايات الخمسين. ووصل الحماس لهذا التشريع إلى عرض ذلك الاقتراح على أن يكون تطبيقه جزءاً من الحزمة الاقتصادية الجديدة والتي تقدر قيمتها برقم يقترب من تريليوني دولار.

وبالطبع كان هذا أمراً مستحيلاً نظراً للحاجة لإقامة دراسات جدوى اقتصادية حول مدى نفعية الاقتصاد الأمريكي من جعل الراتب الموحد للعمل لساعة واحدة في أي مكان في أمريكا بقيمة خمسة عشر دولاراً فقط. وهناك اختلافات شاسعة في تكلفة المعيشة بين ولايات أمريكا وأيضاً تباين الأرباح في قطاعات وأنشطة الاقتصاد الأمريكي المختلفة، هذا قد يجعل من المستحيل أن يصبح الحد الأدنى للأجور قيمة موحدة.

طروحات النجاح لإدارة بايدن تنطلق من كل جهة. الاقتصاد العالمي والاقتصاد الأمريكي بالأرقام في حالة سيئة. يتوقف إنهاء حالة الركود الاقتصادي الدولي على مدى تعافي الاقتصاد داخل الولايات المتحدة. على بايدن أن يحدد أولوياته الاقتصادية، خاصة فيما يتعلق ببرامج الإنفاق الحكومي والتي تعلق إدارته الآمال على أنها ستكون طوق النجاة لانتشال أمريكا من مشكلتها الاقتصادية الحالية.

وفي النهاية، من المتوقع وجود معارضة قوية لسياسات بايدن الداخلية، سيكون هذا أمراً مشابهاً للمعارضة الشرسة التي لاقاها الرئيس دونالد ترامب، ولكن الاختلاف بين المعارضة لترامب والتحدي لبايدن هو أن بايدن لديه أكثر من فرصة لأن يكون أداء حكومته جيداً، لأن الدعوات لعزله من منصبه لن تكون سائدة مثلما كان الحال عندما كان ترامب ساكناً للبيت الأبيض.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى