في خطوة استراتيجية.. المغرب يدشّن أول وحدة لصناعة العربات المدرعة

أعلن المغرب عن إنشاء أول وحدة لتصنيع العربات المدرعة، في إطار شراكة بين إدارة الدفاع الوطني وشركة “تاتا أدفانسد سيستمز ليمتد (تي,أي.أس.ال) الذراع الدفاعي لمجموعة “تاتا غروب” الهندية. في مشروع يعتبر تحوّلاً محورياً في السياسة الدفاعية المغربية وخطوة تأسيسية نحو صناعة دفاعية محلية قادرة على مواكبة متطلبات الأمن القومي والدفاع الإقليمي.
ومن المرتقب أن يُشيَّد المصنع الجديد في إقليم برشيد، حيث بدأت الترتيبات لإجراء دراسة تقييم الأثر البيئي للمشروع في الفترة الممتدة من 28 يوليو/تموز إلى 16 أغسطس/آب 2025، تنفيذاً لمقتضيات القانون المغربي رقم 12-03 المتعلق بدراسات التأثير على البيئة.
ويشغل المغرب موقعا مهما ضمن معادلة أمنية متوترة في شمال إفريقيا؛ تدفع الرباط إلى تبني نموذج دفاعي يقوم على التكنولوجيا المتقدمة والأنظمة القابلة للتشغيل المشترك مع الحلفاء، بدلا من الكثافة العددية. وتعزز التهديدات الجهادية في منطقة الساحل، الحاجة إلى منظومة دفاعية مرنة ودقيقة.
ويستند المشروع إلى التصنيع المحلي للعربة البرمائية المتطورة “WhAP 8×8″، وهي عربة قتال متعددة المهام طوّرتها الهند، وتتميز بمرونتها الكبيرة وقدرتها على المناورة في أصعب التضاريس والبيئات القتالية المعقدة، ما يجعلها خياراً مثالياً لنقل الجنود والمشاركة في العمليات المشتركة.
ووفق المخطط المعلن، من المتوقع أن ينتج المصنع أكثر من 400 عربة مدرعة، ستتسلم منها القوات المسلحة الملكية 150 وحدة بمواصفات متعددة، فيما ستُخصَّص باقي الإنتاجات للتصدير أو للاحتياجات المستقبلية، ويُنفّذ المشروع على مدى 36 شهراً، مع انطلاقه بنسبة إدماج محلي تبلغ 35 بالمئة، لتتزايد تدريجياً وصولاً إلى 50 بالمئة، في خطوة تهدف إلى نقل التكنولوجيا وبناء كفاءات مغربية قادرة على قيادة هذا القطاع الحيوي مستقبلاً.
وسيُتيح المشروع خلق 90 منصب شغل مباشر و250 منصباً غير مباشر، بقدرة إنتاجية تصل إلى 100 عربة سنوياً، ما من شأنه أن يعزز النسيج الصناعي الوطني ويدعم الاقتصاد المحلي.
ويأتي هذا التطور الصناعي في سياق دينامية غير مسبوقة يشهدها قطاع الدفاع المغربي، تحت التوجيهات الملكية الرامية إلى تعزيز الاستقلالية في مجال التسلح وتقليص الاعتماد على الخارج، خصوصاً في ظل التحديات الجيوسياسية الإقليمية والدولية.
وتتسق هذه المبادرة مع التوجه العام الذي اعتمده المغرب في السنوات الأخيرة، والذي شمل: تنويع مصادر التسلح وتعزيز قدرات الجيش المغربي بمعدات متطورة تشمل الطائرات المسيّرة والمروحيات والصواريخ بعيدة المدى، إقامة شراكات تقنية وعسكرية مع شركاء دوليين، لاسيما في مجال التكنولوجيا الدفاعية المتقدمة، تطوير القدرات الوطنية في مجالات التصنيع والصيانة والتكوين.
ومنذ عام 2021 بدأ التحول المغربي في القوة الجوية باقتناء طائرات بدون طيار من طراز بيرقدار من تركيا مقابل 70 مليون دولار، تلاها شراء 6 طائرات إضافية، ليصل العدد إلى 19 طائرة. وتتميز هذه المسيّرات بقدرة تحليق تصل إلى 27 ساعة ومدى 150 كيلومترا، وقابلية لتنفيذ ضربات دقيقة باستخدام ذخائر موجهة بالليزر.
لاحقا، عزز المغرب قدراته بمنظومة “اكينسي” الأحدث، التي تملك مدى عملياتيا يبلغ 7500 كيلومتر وقدرة تحليق تصل إلى 40 ساعة، وتحمل ذخائر جو-جو وصواريخ دقيقة، مع أنظمة حرب إلكترونية مدمجة واتصال بالأقمار الصناعية؛ ما يوفّر قدرة هجومية واستخباراتية متقدمة ضد التهديدات العابرة للحدود. وهذه القفزة التقنية مكّنت القوات المسلحة الملكية من توسيع مجال المراقبة والضربات الاستباقية، خصوصا في المساحات المفتوحة جنوب المملكة.
وفي خطوة استراتيجية، أعلنت شركة “بايكار” التركية في فبراير/شباط 2025 عن افتتاح مصنع متكامل في المغرب لإنتاج وصيانة الطائرات المسيّرة بطاقة إنتاجية تصل إلى 1000 طائرة سنويا؛ مما يشكل نقلة نوعية في تحول الرباط من مستورد إلى شريك صناعي إقليمي. ويمثل هذا المصنع نواة طموح مغربي أوسع للانخراط في سلاسل التوريد الدولية وتصدير المسيّرات إلى إفريقيا.
كما يُتوقع أن يساهم المصنع في تطوير خبرات محلية في مجال الإلكترونيات العسكرية وصيانة أنظمة الطيران؛ ما يخلق فرصا للتشغيل والاستثمار في القطاعات المرتبطة بالتكنولوجيا المتقدمة، ويمنح الرباط قدرة أكبر على صيانة وتشغيل أسطولها بعيدا عن الضغوط الخارجية.
وأعلنت السلطات المغربية في مطلع 2025 عن مشروع إنشاء قاعدة جوية جديدة جنوب البلاد مخصصة للطائرات بدون طيار والمقاتلات. ويهدف هذا المشروع إلى تعزيز قدرة المملكة على تنفيذ عمليات استطلاع وضربات دقيقة ضد الجماعات المسلحة في الساحل، وتوسيع العمق العملياتي نحو إفريقيا جنوب الصحراء، بما يدعم أدوار المغرب في الأمن الإقليمي. ويمنح الرباط هامش مناورة سياسي وأمني أكبر.