سياسة

فضيحة في الجيش البريطاني.. إيميل واحد يعرّض حياة الآلاف في أفغانستان


خطأ كارثي ارتكبه جندي بريطاني كلف الحكومة ودافعي الضرائب 7 مليارات جنيه استرليني.

وبشكل غير مقصود، قام جندي من مشاة البحرية الملكية البريطانية بتوزيع رسالة بريد إلكتروني تتضمن جدول بيانات يحتوي على تفاصيل 25 ألف أفغاني، بمن فيهم أفراد عائلاتهم.

وهؤلاء الأفغان ساعدوا القوات البريطانية خلال الحرب مع حركة طالبان، وذلك وفقا لما ذكرته صحيفة “تليغراف البريطانية”.

وانطلاقًا من مقر القوات الخاصة في ثكنات “ريجنتس بارك” بوسط لندن، أرسل الجندي المسؤول عن فحص طالبي اللجوء، البريد الإلكتروني إلى مجموعة من الأفغان الذين يثق بهم في المملكة المتحدة.

وكان الجندي مكلفا بالتحقق مع الأفغان الموثوق بهم من أن الذين تقدموا بطلبات لجوء كانوا جزءا من وحدات قاتلت إلى جانب القوات البريطانية.

وكان أفراد معارفه، بدورهم، يرسلون الأسماء إلى زملائهم الذين ما زالوا في أفغانستان؛ لضمان أن بريطانيا لا تنقل سوى العائلات التي لديها حق حقيقي في إعادة التوطين بالمملكة المتحدة.

لكن الكارثة وقعت لأن الجندي قام بإرسال جدول البيانات بأكمله، وليس مجرد بضعة أسماء وذلك بمناسبتين: في فبراير/شباط 2022، وهو ما أدى إلى تعريض آلاف الأرواح للخطر، في حين قدّرت الحكومة تكلفة إصلاح هذه الفوضى بـ7 مليارات جنيه استرليني.

وبموجب أمرٍ قضائي، مُنعت صحيفة “تليغراف”، إلى جانب عددٍ من وسائل الإعلام الأخرى، من الكشف عن أي تفاصيل حول الخطأ أو حتى عن وجود الأمر القضائي نفسه.

وفي وقت إرسال البريد الإلكتروني، كانت الحكومة تُسارع إلى الوفاء بوعدها بتوفير ملاذٍ آمن للأفغان، بمن فيهم الجنود والمترجمون الفوريون، الذين قاتلوا إلى جانب القوات البريطانية بعد الغزو عام 2001 حتى سقوط كابول في أيدي طالبان في أغسطس/آب 2021.

وكان هناك عشرات الآلاف من الأسماء الموجودة في قاعدة البيانات لأفغان تقدّموا بطلبات لجوء للمملكة المتحدة بموجب برنامج “أراب” المُصمّم خصيصًا.

كما تضمنت قاعدة البيانات معلومات عن أفغان تقدموا بطلبات إلى برنامج مماثل يُسمى “برنامج إعادة توطين المواطنين الأفغان”، لكن مجرد تقدمهم بطلب اللجوء عرّض حياتهم للخطر.

بعد 18 شهرا

 

لمدة 18 شهرًا، بدت وزارة الدفاع غافلة عن أزمة البريد الإلكتروني لكن كل ذلك تغير في أغسطس/آب 2023 حينما كتب أحد الأشخاص إلى النائب العمالي لوك بولارد وإلى وزير القوات المسلحة المحافظ جيمس هيبي مُحذّرًا إياهما من انتشار جدول البيانات على نطاق واسع عبر الإنترنت، ولكن بعد 4 أيام انتشرت مقتطفات من الجدول على فيسبوك.

وفي مجموعة يستخدمها 1300 أفغاني بحاجة إلى الانتقال، وقد يكون بعضهم من المتسللين من طالبان، كتب المستخدم المعروف فقط باسم “العضو المجهول” أنه يمتلك قاعدة بيانات تحتوي على سجلات 25 ألف متقدم وقال “أريد الكشف عنها”.

ويُعتقد أن المستخدم الذي نشر المقتطفات كان أفغانيًا أُرسلت إليه قاعدة البيانات، ورُفض طلب لجوئه لاحقًا.

ولإثبات صحة القائمة، نشر بعد ذلك التفاصيل الشخصية لتسعة أفغان تقدموا بطلبات لجوء، ومع تنبيه الموظفين البريطانيين الذين يديرون برنامج “أراب” في باكستان، بدأ ناقوس الخطر يدق.

وبحلول عصر يوم 14 أغسطس/آب، تلقى 1800 أفغاني في باكستان رسالة تحذرهم من احتمال حدوث اختراق لبيانات الاتصال الخاصة بهم، في حين أبلغ بعضهم عن تلقيهم اتصالات من أرقام هواتف إيرانية عبر “واتساب”، تطلب منهم الكشف عن نسخ ضوئية من جوازات سفرهم.

وفي غضون ذلك، سعى الجواسيس إلى حذف أي أثر للقائمة من الخوادم في الخارج، وخلال 3 أيام تم حذف المنشورات بعدما تواصل مسؤولون من وزارة الدفاع مع شركة ميتا، مالكة فيسبوك وتم إبلاغ الشرطة لكن تقرر عدم ضرورة إجراء تحقيق جنائي.

ومن المفهوم أن أفرادًا في المملكة المتحدة وباكستان لا يزال بحوزتهم قاعدة البيانات، وفي حالة واحدة على الأقل، انتقلت ملكية القاعدة إلى شخص آخر مقابل مبلغ كبير من المال، يُعتقد أنه مكون من خمسة أرقام.

الحقيقة

 

كان السؤال المقلق للحكومة في ذلك الوقت هل كان هناك اختراق غير قانوني؟

وأطلعت وزارة الخارجية أجهزة الاستخبارات على الأمر، وطلبت منها التحقق مما إذا كانت دولة معادية مسؤولة عن التسريب، كما أُبلغت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وبعد أيام، اكتشف المسؤولون حقيقة التسريب الذي تم بالخطأ.

ومنذ ذلك الوقت، دخلت الحكومة في حالة طوارئ وقررت أن أي تلميح لجدول البيانات قد يُعرّض حياة الناس للخطر، فأصدرت وزارة الدفاع ما يُسمى “إشعار D” تطلب فيه من الصحف الامتناع عن نشر معلومات حول الاختراق.

ودخلت الحكومة في سباق مع الزمن للوصول إلى الأفغان المُحددين في جدول البيانات قبل أن تتمكن طالبان من ذلك.

وكان بن والاس، وزير الدفاع البريطاني آنذاك، غاضبًا للغاية وقلقًا بشأن سلامة البيانات ولم يُصدّق السماح بحدوث مثل هذا الاختراق المستهتر.

وقبل استقالته، طلب والاس من المحكمة العليا إصدار أمر قضائي لمنع نشر المعلومات وهو ما صدر في أول سبتمبر/أيلول الماضي بالتزامن مع تعيين غرانت شابس خلفا له.

وفي ذلك الوقت، أطلق الوزراء عملية “روبيفيك”، التي تهدف إلى جلب آلاف العائلات الأفغانية الأكثر عرضة للخطر إلى المملكة المتحدة، عبر باكستان وأُبقيت أعدادهم خارج السجلات الرسمية، بعد نقلهم جواًً.

كلفة

 

مع حظر النشر، كان البرلمان يجهل القضية رغم إبلاغ رئيسي مجلسي اللوردات والعموم سرًا، في حين قدرت وزارة الدفاع للتكلفة الإجمالية لإحضار الأفغان إلى بريطانيا بـ4 مليارات جنيه إسترليني.

وارتفع المبلغ لاحقا إلى 7 مليارات جنيه إسترليني، قبل أن يُخفّض إلى 6 مليارات جنيه إسترليني، وهو مبلغ استثنائي بكل المقاييس.

وبحلول مايو/أيار 2024 قررت لجنة فرعية وزارية برئاسة نائب رئيس الوزراء آنذاك، أوليفر دودن، السماح بدخول 11,500 أفغاني إلى بريطانيا نتيجةً للتسريب، لكن لم يُعلن عن القرار للبرلمان ولم يخضع لأي تدقيق عام.

ومع تغيير الحكومة البريطانية في يوليو/تموز 2024، أبقى حزب العمال الأمور سرية، وبحلول يناير/كانون الثاني الماضي، تم تكليف الموظف الحكومي المتقاعد بول ريمر، نائب رئيس استخبارات الدفاع السابق، بمراجعة المخاطر.

وعلمت “تليغراف” أنه بحلول أبريل/نيسان الماضي، كان الوزراء على دراية بأن خطر نشر القصة تضاءل وأنه لا توجد أدلة على نية طالبان شن حملة انتقامية.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى