فرنسا ومأزق القاعدة في الساحل الأفريقي
لوحظت منذ منتصف العام الماضي تغيرات في الدعاية الإعلامية التي تنشرها مؤسسة “الزلاقة” التابعة لـ”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”.
التي تعتبر فرع تنظيم القاعدة في منطقة الساحل الأفريقي، حيث توقفت عن النشر لمدة ثلاثة أشهر تقريباً. وربما كانت الأسباب وراء هذا التوقف، تتركز حول وفاة أحد المسؤولين عن الدعاية في غرب أفريقيا، وهو الذي حلّ مكان المسؤول الإعلامي السابق أبورواحة القسنطيني، الذي توفي في 31 يناير/ كانون الثاني 2018. وضمن الأسباب للتوقف أيضا مقتل قائد القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبدالمالك دروكدال، وربما مقتل زعيم القاعدة “التنظيم الأم”، أيمن الظواهري.
ولكن اللافت للنظر أنه ابتداءً من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، شرعت تلك المؤسسة الإعلامية الإرهابية في العودة لمزاولة النشاط الإعلامي ونشر إصداراتها مرة أخرى، وذلك بالتزامن مع إطلاق سراح أكثر من 200 إرهابي في مالي.
واللافت أيضا أنه مع استئناف النشاط الإعلامي لـ”الزلاقة”، لوحظ تغير في نوع الدعاية التي يتم نشرها، ربما بسبب توجيهات القادة الجدد للقاعدة ولفرعها في بلاد المغرب الإسلامي. ولوحظ أيضا تغير في مضمون الدعاية الإعلامية، حيث أصبحت فرنسا هي العدو الأكبر، وتمت إعادة نشر تلك المواد أيضاً من طرف حركة الشباب في الصومال أو القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن أو القاعدة في آسيا. إنهم ينسخون نفس أسلوب حركة الشباب في الصومال الذي يُظهرهم ككيان بديل واحد متحد من خلال تصوير أنفسهم كمدافعين عن السكان ضد عدو غازي.
وفي آخر إصداراتها، أي العدد الذي يحمل رقم 164، حافظت مؤسسة “الزلاقة” على نهجها المتمثل في النشر دائماً وأولا باللغة العربية، وبعدها بأيام يعاد النشر باللغتين الفرنسية أو الإنجليزية. وأصدرت المؤسسة الآن ملفاً مكونا من أربع صفحات تقريباً باللغة الإنجليزية، هاجمت فيه حتى الشركات الفرنسية، لكن يبدو الخطاب، في الواقع، موجهاً لجمهور مستهدف من أنصارها، ليس فقط في الساحل، ولكن أيضاً في فرنسا. وتضمّن محتوى الرسالة ما يُعرف باسم “دعاية التماسك”، الهادفة للحفاظ على أتباعها متّحدين، لأنه في الحقيقة على أرض الواقع فإن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لا يقاتل في منطقة الساحل فقط ضد الجيوش المحلية للدول التي يتواجد فيها، أو فرنسا، ولكنه رغم أعراض الإنهاك التي بدأت تظهر عليه يقاتل أيضا ضد غريمه ومنافسه تنظيم داعش.
وفي الوقت الذي يبدو أن فرنسا لا تعير اهتماما كثيرا لدعاية تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في منطقة الساحل الأفريقي، فقد أطلقت، جنباً إلى جنب مع الجيش المالي، عملية سمّتها “الكسوف” في مقاطعة دوينتزا بمالي. وخلال هذه العملية تم تدمير كتيبة دي سيرما التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، مما أسفر عن مقتل عشرات الإرهابيين وإجبار الناجين على الفرار إلى بوركينا فاسو المجاورة. ويقال إن زعيمهم أمادو كوفا مختبئ بالقرب من يوارو.
ومن أجل عدم إظهار علامات الضعف والتراجع، والرغبة في التأكيد على استمراره في خط المواجهة، يقوم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي باستهداف أصحاب “الخوذات الزرقاء” في مالي. وفي 13 يناير/ كانون الثاني الجاري، هاجم التنظيم بعبوة ناسفة قافلة من الوحدة الإيفوارية ضمن بعثة الأمم المتحدة “مينوسما” جنوب بامبارا-مودى، مما أسفر عن مقتل أربعة من جنودها وإصابة خمسة آخرين. وبعد ذلك بيومين، أي في منتصف الشهر الجاري، أعلنت البعثة ذاتها في مالي عن هجوم آخر بعبوة ناسفة ضد أحد جنودها بضواحي تساليت في منطقة كيدال.
ورغم الترحيب بالأخبار التي تتحدث عن حالة من الوهن تدب في صفوف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، فمن ناحية أخرى، يجب على المرء أن يتأكد دائماً أن هناك معادلة مهمة وهي باختصار أنه إذا اختفى تنظيم القاعدة في وقت ما من منطقة ما في الساحل الأفريقي، فإن تلك المنطقة سيحتلها تنظيم داعش على الفور، حيث لا تزال عناصره يترقبون كالذئاب الجائعة لافتراس تلك المنطقة بعد الانقضاض عليها.