فرنسا.. موجة نهب تعمُّ البلاد مع اتساع رقعة الاحتجاجات
طلبت فرنسا من جميع السلطات المحلية وقف حركة وسائل النقل العام في وقت مبكر من مساء اليوم الجمعة في محاولة لاستعادة النظام بعد أن أحرق مثيرو الشغب العديد من المباني.
في ظل انتشار مشاهد النهب والسيارات المحترقة والمؤسسات ذات الواجهات المهشمة. مع اتساع رقعة الاحتجاجات التي اندلعت بعد مقتل مراهق برصاص أحد أفراد الشرطة.
واندلع العنف في مرسيليا وليون وباو وتولوز وليل وبعض أنحاء منطقة باريس. ومنها نانتير التي تسكنها الطبقة العاملة، حيث قُتل نائل م (17 عاما) وهو من أصل جزائري – مغربي برصاص الشرطة الثلاثاء.
وأذكت وفاته، التي رصدتها كاميرا في إحدى إشارات المرور، شكاوى قديمة من أصحاب الدخل المنخفض والأعراق المختلطة والمجتمعات الحضرية. بأن الشرطة تمارس العنف والعنصرية الممنهجة داخل أجهزة إنفاذ القانون.
واعتُقل 875 شخصا ليل الخميس الجمعة خلال اشتباكات بين مثيري الشغب. ورجال الشرطة في بلدات ومدن بأنحاء فرنسا تخللها إضرام النيران في مبان ومركبات ونهب متاجر.
وقال مسؤول محلي إن لصوصا نهبوا متاجر أحدها لشركة أبل في مدينة ستراسبورغ بشرق فرنسا وسط أعمال شغب في أنحاء البلاد اليوم الجمعة.
وقالت شرطة باريس إنه جرى اقتحام متجر لبيع الأحذية تابع لشركة نايكي في وسط باريس وإنها ألقت القبض. على عدة أشخاص بعد تحطيم نوافذ متجر في شارع رو دي ريفولي، كما طالت موجة النهب العديد من المتاجر في جميع أنحاء البلاد.
وتوفي شاب عشريني بعد ظهر اليوم الجمعة في شمال غرب فرنسا متأثّرا بإصابته بجروح إثر سقوطه ليل الخميس الجمعة من أعلى سطح متجر خلال أعمال شغب، بحسب ما أفادت مصادر متطابقة.
وقال مصدر في الشرطة إنّ الشاب سقط من أعلى سطح سوبرماركت “خلال عملية نهب”. لكنّ مكتب المدّعي العامّ في روان قال إنّ هذا المتجر “لم يتعرّض لهجوم من قبل مثيري الشغب خلال هذه الوقائع”.
وأعلنت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت عن نشر مدرعات في الشوارع ووصفت العنف بأنه “غير مقبول ولا يمكن تبريره”.
وطلب وزير الداخلية جيرالد دارمانان من السلطات المحلية وقف حركة جميع الحافلات والترام من الساعة التاسعة مساء في أنحاء البلاد إذ تسعى الحكومة إلى تهدئة التوتر.
وأعلن دارمانان اليوم الجمعة تعزيز انتشار قوات الأمن في كلّ أنحاء البلاد وتعبئة 45 ألفا من عناصر الشرطة والدرك تحسّباً لليلة رابعة من أعمال الشغب.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تصريحات أذاعها التلفزيون من اجتماع طارئ لمجلس الوزراء إنه سيطلب من منصات التواصل الاجتماعي إزالة لقطات الشغب “الأكثر حساسية” من صفحاتها وإبلاغ السلطات بهوية المستخدمين الذين يحضون على ارتكاب العنف.
ودعا “الأهل إلى التحلي بالمسؤولية”، قائلا “من الواضح أن الوضع الذي نعيشه، كما نرى، هو نتيجة جماعات منظمة وعنيفة ومجهزة في بعض الأحيان. ونحن ندينها ونوقفها وستُقدم للعدالة ولكن هناك أيضًا عدد كبير من الشباب. ثلث المعتقلين في الليلة الماضية هم من الشباب. وبعضهم صغار جدًا”. وتابع “تقع على عاتق الوالدين مسؤولية إبقائهم في المنزل..الجمهورية ليست مكلفة بأن تحل محلهم”.
Il y a une instrumentalisation inacceptable de la mort d’un adolescent alors que la période devrait être au recueillement et au respect. pic.twitter.com/6QAbUfPLkf
— Emmanuel Macron (@EmmanuelMacron) June 30, 2023
وأنهى ماكرون الذي يرفض حتى الآن إعلان حالة الطوارئ مشاركته في قمة تابعة للاتحاد الأوروبي في بروكسل مبكرا. حتى يتمكن من حضور ثاني اجتماع طارئ للحكومة خلال يومين. وأضاف، دون الخوض في تفاصيل، أن بعض الفعاليات العامة ستُلغى في المناطق التي تشهد اضطرابات.
وحظرت السلطات تنظيم مظاهرات عامة كانت مقررة اليوم الجمعة في مدينة مرسيليا جنوب البلاد. ثاني أكبر مدينة في فرنسا. وطلبت من المطاعم إغلاق ساحاتها الخارجية المخصصة لتناول الطعام مبكرا. وأضافت أن جميع وسائل النقل العام ستتوقف اعتبارا من الساعة السابعة مساء.
ودعا عدد من السياسيين في البلاد إلى فرض حالة الطوارئ لوقف أعمال الشغب هذه. لكنّ الحكومة لم تلجأ إلى هذا التدبير الحاسم بعد.
وقال محمد جاكوبي، الذي شاهد نائل وهو يكبر منذ أن كان طفلا، إن ما يؤجج حالة الغضب هذه هو الشعور بالظلم في الأحياء الفقيرة. بعد أن مارست قوات الشرطة العنف ضد الأقليات العرقية وكثيرون. منهم ينحدرون من المستعمرات الفرنسية في السابق. وقال “سئمنا، نحن فرنسيون أيضا. نحن ضد العنف ولسنا حثالة”.
وتزعم جماعات حقوقية وجود عنصرية ممنهجة داخل أجهزة إنفاذ القانون في فرنسا وهو ما نفاه ماكرون. وتعهدت الحكومة الفرنسية في عام 2020 “بعدم التهاون” مع العنصرية داخل أجهزة إنفاذ القانون.
وأفادت وزيرة الطاقة آنياس بانييه روناشير. بأن عددا من العاملين في إحدى شركات توزيع الكهرباء أصيبوا بالحجارة التي ألقيت عليهم خلال الاشتباكات.
وذكرت وزارة الداخلية أن مثيري الشغب هاجموا 79 قسم شرطة و119 مبنى حكوميا. من بينها 34 دار بلدية و28 مدرسة.
وأظهرت مقاطع مصورة ليلا انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي اشتعال النيران في حدائق بالمدن. في جميع أنحاء البلاد وفي ترام بمدينة ليون بشرق البلاد وفي 12 حافلة داخل مرأب في أوبيرفيلييه بشمال باريس.
وفي نانتير على مشارف العاصمة أضرم محتجون النار في سيارات. وأغلقوا الشوارع وألقوا مقذوفات على الشرطة بعد وقفة احتجاجية سلمية في وقت سابق لتأبين الشاب.
وشدد مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على أهمية أن تكون التجمعات سلمية. ودعا السلطات الفرنسية. إلى ضمان أن يكون استخدام الشرطة للقوة وفقا لمبادئ الشرعية والضرورة والتناسب وعدم التمييز.
وقالت رافينا شامداساني المتحدثة باسم المكتب “هذه فرصة للبلاد لتعالج بجدية المشكلات العميقة المتعلقة بالعنصرية والتمييز العنصري في إنفاذ القانون”.
واعتبرت فرنسا اليوم الجمعة أن اتهام المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة شرطتها. بأنها تعاني مشاكل عنصرية وتمييزا عنصريا “لا أساس له من الصحة”.
وقالت الخارجية الفرنسية في بيان إن “الفحص الدوري الشامل الأخير. الذي خضعت له بلادنا مكننا من إثبات ذلك”. مضيفة أن “فرنسا وقوات إنفاذ القانون التابعة لها تكافح العنصرية وجميع أشكال التمييز بحزم. ولا مجال للتشكيك في هذا الالتزام”.
وقالت الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان رافينا شمداساني خلال مؤتمر صحافي في جنيف. “حان الوقت ليعالج هذا البلد بجدية مشاكل العنصرية والتمييز العنصري المتجذرة في صفوف قوات الأمن”. لكن الخارجية الفرنسية أكدت أن “قوات الأمن تتعامل بمهنية كبيرة مع اوضاع وأعمال عنف شديدة”.
وأضافت أن “استخدام الشرطة والدرك الوطنيين للقوة محكوم بمبدأي الضرورة المطلقة والتناسب. ويخضع لإشراف ورقابة صارمين”، مشيرة إلى “إصابة 249 شرطيا بجروح خلال أعمال العنف في الأيام الأخيرة”.
وخضع رجل الشرطة، الذي قال الادعاء العام إنه اعترف بإطلاق رصاصة قاتلة على الشاب القاصر، أمس الخميس لتحقيق رسمي بتهمة القتل العمد وهو محبوس احتياطيا الآن.
وقال محاميه لوران فرانك لينار لقناة (بي.إف.إم) التلفزيونية إن موكله صوب على ساق السائق. لكنه ارتطم بشيء مما جعله يصوب النار على صدر الشاب. وأردف قائلا “بكل تأكيد أن (رجل الشرطة) لم يرغب في قتل السائق”.
ونصحت بعض الحكومات الغربية مواطنيها في فرنسا بتوخي الحذر. وقالت السفارة الأميركية في تغريدة على تويتر إنه على الأميركيين “تجنب التجمعات الحاشدة والمناطق التي تنتشر فيها الشرطة”. بينما حذرت السلطات البريطانية مواطنيها من احتمال توقف وسائل النقل وفرض حظر تجول محلي.
وأعادت الاضطرابات للأذهان أعمال الشغب التي وقعت في عام 2005 وهزت فرنسا لمدة ثلاثة أسابيع وأجبرت حينها الرئيس جاك شيراك على إعلان حالة الطوارئ.
واندلعت موجة العنف تلك في ضاحية كليشي سو بوا في باريس بعد وفاة شابين صعقا بالكهرباء في محطة كهرباء فرعية أثناء اختبائهما من الشرطة.