سياسة

فرنسا تخسر نفوذها التاريخي: الانسحاب من تشاد يعيد رسم العلاقات


 أعلنت هيئة الأركان التشادية تسلّم قاعدة “فايا” العسكرية من القوات الفرنسية بعد فسخ اتفاقيات بين البلدين تسمح بوجود قواعد فرنسية. ضمن موجة طرد مستمرة في إفريقيا ضد الوجود الفرنسي، الذي يكاد يتلاشى.

وأفادت مصادر محلية بأن الجنود الفرنسيين غادروا القاعدة براً متجهين نحو العاصمة نجامينا. التي تبعد حوالي 780 كيلومتراً جنوب غرب “فايا”.

وأوضحت هيئة أركان الجيوش الفرنسية أن عملية تسليم القاعدة تمت وفق جدول زمني تم الاتفاق عليه مع الجانب التشادي، كجزء من خطة انسحاب شاملة.

ووفق وزارة الجيوش الفرنسية، فإن المعدات العسكرية الموجودة في القواعد الفرنسية داخل تشاد، بما في ذلك في “فايا” و”أبيشيه” و”نجامينا”. سيتم نقلها إلى فرنسا عبر ميناء دوالا في الكاميرون، مع توقع وصولها إلى فرنسا بحلول يناير بعد رحلة بحرية تستغرق نحو ثلاثة أسابيع.

ويأتي هذا التطور في سياق انسحاب تدريجي بدأ الأسبوع الماضي. حيث غادرت وحدة تضم 120 جندياً فرنسياً نجامينا، عقب مغادرة الطائرات المقاتلة الفرنسية للأجواء التشادية قبل ذلك بعشرة أيام.

وكانت فرنسا تحتفظ بحوالي ألف جندي في تشاد ضمن ثلاث قواعد عسكرية، في إطار دعم عسكري استمر لعقود منذ استقلال البلاد عام 1960.

وجاء قرار إعادة القواعد بالتزامن مع إعادة هيكلة أوسع للانتشار الفرنسي في غرب إفريقيا. والتي تشمل تقليص القوات في السنغال وساحل العاج وتشاد. على خلفية الدعوات المتزايدة للتخلص من عبء الاستعمار الفرنسي وتاريخه الثقيل على القارة السمراء.

وكشفت وثائق سرية أعدها جان ماري بوكيل، المبعوث الشخصي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن تراجع كبير في الوجود العسكري الفرنسي داخل القارة الإفريقية.

وأعد بوكيل التقرير في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. لكن لم يُرفع عنه السرية نظراً لحساسية المعلومات الواردة فيه، والتي تؤكد تقلص النفوذ الفرنسي إلى مستويات غير مسبوقة.

وأكد التقرير أن التواجد العسكري الفرنسي انحصر حالياً في دولتين فقط بغرب إفريقيا. هما كوت ديفوار والغابون، بعد انسحاب القوات الفرنسية من عدة دول كانت تُعد مراكز نفوذ تاريخية لباريس.

وطلبت كل من تشاد والسنغال من فرنسا سحب قواتها العسكرية بحلول عام 2024، وهي خطوة وصفها التقرير بأنها ضربة موجعة للمصالح الفرنسية في المنطقة.

وأدى التغيير السياسي في السنغال، بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إلى تسريع هذا التحول، خاصة مع وصول نخبة سياسية جديدة لا تُبدي وداً لفرنسا. كما ستتحول القواعد في أبيدجان وليبرفيل إلى مفارز اتصال مشتركة مؤقتة صغيرة. تحت سلطة الدول المضيفة، وبحجم لا يتجاوز 100 جندي لكل مفرزة.

وتتجه فرنسا نحو تركيز وجودها العسكري في جيبوتي، التي ستبقى آخر معقل عسكري فرنسي في القارة. وتنشر باريس هناك 1500 جندي بشكل دائم. بموجب اتفاقية دفاعية تضمن حماية جيبوتي أمنياً، بما في ذلك تأمين أجوائها ومرافقها البحرية.

ويعكس هذا التقرير تراجعاً حاداً للنفوذ الفرنسي في إفريقيا. ويضع باريس أمام تحديات كبرى للحفاظ على ما تبقى من مصالحها الاستراتيجية في القارة السمراء.

وبحسب صحيفة لوفيغارو الفرنسي فإن البصمة المتبقية للقوات الفرنسية اليوم في أفريقيا ليست في الواقع سوى الرمز الأكثر وضوحا لخسارة النفوذ والهيبة في المستعمرات السابقة. بعد أن لم ير أحد عام 2013 في مالي علامات التحذير التي رآها جنرال من قوة سيرفال قائلا “إن الجيش الأجنبي دائما ما يتحول عاجلا أم آجلا إلى جيش احتلال في نظر الرأي العام”.

في المقابل هناك تقارب غير مسبوق بين كل هذه الدول الإفريقية التي أنهت الوجود العسكري الفرنسي والأميركي مع روسيا والصين، ليس فقط لرؤية الدول الإفريقية. بأن المقاربات الصينية والروسية “أكثر عدالة” لكن أيضاً يتحدث الكثير من الأفارقة أن الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة الصينية والروسية “أكثر فاعلية” و”أقل كلفة” من الشراكات العسكرية التي جمعت الدول الإفريقية مع الجيوش الفرنسية والأميركية.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى