غيث الإمارات ومطر المنظمات
عندما نتدبر القرآن الكريم بدقائقه ولطائفه اللغوية نجد أن الخطاب القرآني يفرق بين سقيا الخير وسقيا العذاب بتسمية “غيث” لسقيا الخير و”مطر” لسقيا العذاب وعلى قاعدة “لكل امرئ من اسمه نصيب”، يبرز لنا ذاك الشاب الإماراتي “غيث الإمارات” الذي جعل جبر عثرات الكرام ومد يد العون لكل معوز متجشماً عناء السفر وعبور الحدود باحثاً عن الكرام الذين مال بهم الزمان بأسلوب لطيف، ونقول عثرات الكرام لأن كل هؤلاء الفقراء طيبون بدلالة افتتاح غيث الحديث معهم على أنه ضال أو مقطوع أو محتاج للمساعدة فيجدهم كرماء مستعدين لتقديم كل ما يملكون لمساعدته ومد يد الخير قبل أن يفاجئهم بأنه آتٍ لمساعدتهم.
لا شك بأن العمل الإنساني والخيري المترفع عن المصالح السياسية أو الشخصية من المسلمات التي فطر الجنس البشري على محبتها وتقديرها وتمثّلها بغض النظر عن المراقب له أو المُقَدَّم له أو الفاعل من حيث الجنس والدين والعرق أو التوجه والفكر، وهذا ما يفسر مدى التقبل الشاسع إن لم يكن الإجماع على سمو ونبل فعل هذا الشاب الإماراتي الملهِم الذي لم يُظهِر حتى وجهه أو اسمه الحقيقي مكتفياً بأنه إنسان يدعى غيث من دولة الإمارات العربية المتحدة، الأمر الذي أسهم في جعل هذا الشاب أيقونة العمل الخيري لا سيما بين الناس الذين تعيش بلادهم ظروفاً صعبة جراء الحروب والصراعات كما في “سوريا” الأمر الذي يجعل هذا التقبل للعمل الخيري محفزاً للمقارنة بينه وبين الكثير من الأعمال التي وصفت بالخيرية التي تلقاها الشعب السوري من منظمات وجهات دولية مختلفة إلا أنها لم تنل هذا الرضى والقَبول في الأوساط الشعبية لما لها من أبعاد سياسية ومطامح سلطوية وتوازنات استراتيجية والتي لا مجال لذكرها في هذا المقام، ولكن يمكننا مثلاً أن نقارن بين هذا العمل وأثره وبخاصة على جيل الشباب بنشر مد يد العون وبسط الخير وبين عمل المنظمات الدولية والتي تناولتها الأوساط الإعلامية الشبابية على منصات التواصل الاجتماعي بإظهار الفروقات كما يأتي:
أولاً: تسييس الأعمال الخيرية: وذلك بأن توزع المساعدات الممنوحة على أسس سياسية ومناطقية تبعاً لمدى تقبل الدول المانحة للقوات التي تسيطر على الميدان الذي يقع ضمنه هؤلاء المعوزون، الأمر الذي يجعل مفهوم المساعدات والأعمال الخيرية مفهوماً سياسياً بحتاً عدا عن انضواء تحت تلك المنظمات الأممية منظمات أخرى تتبع لدول بعينها تُعنى فقط بإيصال تلك المساعدات للمناطق التي تقع تحت سيطرة القوات التي ترتبط بتلك الدول وتدين بالولاء لها مما يفرغ الفعل الخيري من مضمونه الإنساني ليتخذ الطابع السياسي المفرّق بين الناس بخلق حواجز تفرقة تدعو إلى تكريس التهجم على الآخر ورفضه بالإضافة إلى فتح الأبواب لدخول منظمات مشبوهة لا يمكن غض البصر عن أفعالها التخريبية التي تعمل على تمويل النزاعات تحت غطاء العمل الإنساني وعلى مبدأ “بايعنا لنساعدك”.
ثانياً: إثراء المنظمات وموظفيها تحت غطاء الأفعال الخيرية: ولعل هذا من الأمور الواضحة، والذي اتخذ مظهراً كاريكاتيرياً -إن صح التعبير- وذلك من خلال مشاهدتك ومعاينتك لقوافل الموظفين الذين يعملون في تلك المنظمات الدولية بسياراتهم الفارهة وبزاتهم الأنيقة ومواكبهم المهيبة ورواتبهم الضخمة وإقاماتهم في الفنادق “السوبر كلاس” والطائرات الخاصة التي تقلهم متجشمين كل هذا لإيصال مساعدات إلى مخيمات بالية لا تقي قاطنيها لا حر الصيف ولا برد الشتاء، مساعدات لو جمعتها فإنها من حيث القيمة المادية لن تغطي تكلفة إقامة تلك الوفود في فنادقها الفارهة بالإضافة إلى تعامل تلك المنظمات مع المنفذين على الأرض الذين يوزعون تلك المساعدات الشحيحة لا على مستحقيها بل على أهوائهم وحسب ما تقتضيه مصالحهم الشخصية وبأساليب لا مبالغة بوصفها بأنها مهينة في كثير من الأحيان حتى وصفت تلك المساعدات بمصطلح “تجارة المعونات” .
كل ذلك جعل الجميع يقارن بين ما استطاع أن يفعله شاب بمجهود فردي من إرساء لقيمة العمل الإنساني وترفعه عن الدوافع الشخصية والسياسية بالسير على طريق ومبدأ مستقيم مفاده “الخير للإنسان أينما وجد” بالإضافة إلى القيمة المادية السخية التي لا تجعل من المساعدة سد رمق فحسب بل تمنح متلقيها حياة كريمة وهو ما عجزت عنه المنظمات الأممية التي تمثل العالم أجمع بدوله واقتصاده ومتبرعيه الأمر الذي جعل “غيث الإماراتي” غيثاً والمنظمات المسيسة مطراً.
نقلا عن العين الإخبارية