غضب المحتجين يشعل النيران في شوارع لبنان
تخريب واضرام نيران وتحطيم للممتلكات العامة وقطع الطرقات، تلك أخر تصعيدات اتخذها المحتجون في لبنان، حيث قام العشرات منهم بتحطيم فروع لبنوك تجارية في أحد أحياء بيروت وأضرموا فيها النار كما قطعوا بعض الطرقات احتجاجا على عجزهم عن سحب أموالهم.
وقد اندلعت تلك الاحتجاجات في ظل الأزمة الثلاثية التي تعانيها البلاد على العديد من الأصعدة، السياسية والقضائية والاقتصادية، وقد تأزمت الأزمة بعد انهيار قيمة الليرة قياسيا أمام الدولار، ما تسبب في ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية.
فمنذ بدء الانهيار الاقتصادي في خريف 2019، فرضت المصارف اللبنانية قيودا مشددة على سحب الودائع، وقد تزايدت حتى بات من شبه المستحيل على المودعين التصرّف في أموالهم، خصوصاً تلك المودعة بالدولار الأميركي أو تحويلها إلى الخارج.
وحسب أحد المتحدثين باسم جمعية “صرخة المودعين” إن ستة فروع لبنوك على الأقل استهدفت مع تسجيل الليرة اللبنانية لانخفاض قياسي جديد اليوم الخميس، والجمعية تمثل المودعين الذين لا يمكنهم الوصول لأموالهم في القطاع المصرفي في البلاد.
وبينما قام بعض المحتجين في مدينة طرابلس، ومناطق أخرى، بإغلاق الطرق مستخدمين السيارات والصهاريج وحاويات نفايات والحجارة والإطارات، قطع آخرون عدد من الطرق شمالي لبنان احتجاجا على ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية وتنديدا بتردي أوضاعهم المعيشية. فيما حطم نحو 50 شخصا واجهات أربعة بنوك على الأقل شارع بدارو ببيروت، خلال تحرك دعت إليه الجمعية وأحرق المتظاهرون إطارات أمام المؤسسات البنكية التي استهدفوها.
وعبر المتظاهرون عن غضبهم باقتحام هذه المؤسسات البنكية وتخريبها، وقال الطبيب باسكال الراسي “منذ ثلاث سنوات خطفوا وحجزوا ونهبوا أموالنا، هناك أصحاب ملايين بالدولار بيننا ولكن ليس هناك حتى قرش في جيوبهم”، مضيفا “لم يعد هناك أي حل سنُصّعد حتى نستعيد حقوقنا”.
وقد هاجم بعض المتظاهرين منزل رئيس جمعية المصارف سليم صفير الواقع في الضاحية الشمالية الشرقية لبيروت، ببدارو، وقام بعضهم برمي الحجارة من فوق الجدران إلى داخل المنزل المحاط بأسلاك شائكة، أحرق آخرون الإطارات والأخشاب وكتبوا شعارات على جداره بينها “حرامية”.
انهيار الليرة يشعل غضب المتظاهرين على البنوك
وقد تراجع سعر صرف الليرة اللبنانية في السوق السوداء من 60 ألفا مقابل الدولار إلى أكثر من 80 ألفا، خلال أسبوعين فقط، وما زاد في إشعال غضب المحتجين القفزة التي سجلتها أسعار المحروقات، إذ قارب سعر صفيحة البنزين (20 لترا) مليونا وأربعمئة ألف ليرة ما يناهز 19 دولارا، أي ما يعادل قرابة ثلث راتب جندي في بلد بات فيه 80 في المئة من السكان تحت خط الفقر، فيما رفعت السلطات منذ العام 2021 الدعم عن المحروقات وبعض السلع الرئيسية مثل الطحين والأدوية.
العشرات من سائقي الأجرة أغلقوا الطريق أمام مقر وزارة الداخلية في بيروت، احتجاجا على ارتفاع الأسعار وعلى تدهور الأوضاع المعيشية، خصوصا وأن تعريفة سيارة الأجرة تبلغ مئة ألف ليرة 1.3 دولار.
وقد صرح ربيع، شاب في 33 من عمره يشتغل سائق اجرة منذ 12 عاماً “اختنقنا جراء انهيار الليرة… مدخولي لا يكفيني حتى لشراء البنزين”، مضيفا “إيجار بيتي 300 دولار، عدا عن الأكل والشرب، من أين آتي بالمال”.
وفي بلد يعتمد بشكل أساسي على الواردات، توقفت المحال التجارية الكبرى بلبنان، خلال الأيام القليلة الماضية عن تسعير المواد الغذائية.
وقد احتدت الأزمة وتفاقمت لتعدّ الأسوأ في تاريخ لبنان، خاصة مع الشلل السياسي الذي امتد لأشهر بسبب الشغور الرئاسي، ما حال دون اتخاذ خطوات إصلاحية تحدّ من التدهور وتحسّن من نوعية حياة السكان، زاد الجمود السياسي الوضع سوءا.
وفي ظل هذا الوضع عجزت حكومة تصريف أعمال عن اتخاذ قرارات ضرورية، بينها إصلاحات يشترطها المجتمع الدولي لتقديم الدعم من أجل وقف النزيف الحاصل.
وقد فشل البرلمان اللبناني 11 مرة في انتخاب رئيس جراء انقسامات سياسية عميقة، إذ لا يملك أي فريق أكثرية برلمانية تخوّله إيصال مرشح، ما خلف أزمة سياسة منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون.
تحذير من استمرار الشغور الرئاسي
ووفق بيان صدر عن رئاسة الحكومة اللبنانية الاثنين، أكد خمس دول، هي فرنسا والولايات المتحدة والسعودية وقطر ومصر، قد عقدوا اجتماعا بشأن لبنان في باريس أن “عدم انتخاب رئيس جديد سيرتّب إعادة النظر بمجمل العلاقات مع لبنان”.
كما أفاد البيان أنهم حذروا من تداعيات التأخر في انتخاب رئيس للجمهورية.
وقد شهدت لبنان منذ صيف العام 2019 انهيارا اقتصادياً خسرت خلاله الليرة أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار، فيما بدأ منذ مطلع الشهر الحالي اعتماد سعر صرف رسمي جديد يبلغ 15 ألفاً مقابل الدولار مقارنة مع 1507 ليرات سابقاً ويتزامن ذلك مع أزمة سيولة حادة وتوقّف المصارف عن تزويد المودعين بأموالهم بالدولار.
وفي تقرير سابق ذكرت الأمم المتحدة أن “سياسات البنك المركزي اللبناني على وجه الخصوص أدت إلى دوامة هبوط العملة وتدمير الاقتصاد والقضاء على مدخرات الناس مدى الحياة ووضع الدولة اللبنانية في مخالفة صريحة للقانون الدولي لحقوق الإنسان”.