غزة في العيد.. أهازيج تحت القصف وأضاحٍ غائبة عن البيوت

لا أبواب تستقبل الضيوف، ولا منابر تؤم بالمصلين، ولا أسواق تعلو فيها صيحات الأضاحي.
وحده فقط الدخان الذي يغلف الهواء ككفن أبيض، والقلوب التي ترتجف لا من برد بل من جمر يتّقد في صيف حرب لا يرحم.
هذه هي غزة اليوم، تتهيأ لعيد ليس له ملامح، عيد تكسرت على عتبته تقاليد الأضاحي وزينة الأطفال وابتسامات الجدات.
-
ما الذي تخفيه صفقة ترامب لغزة؟ 6 حقائق أساسية يجب معرفتها
-
الجوع يكسر الحواجز.. مستودعات تُقتحم وسط عجز دولي في غزة
عيدٌ سيفترش خياما مهترئة، يبحث فيه المحاصَرون عن ذكريات تحت الركام، وعن رائحة ماض بين أزقة ضاقت بأهلها, وعن تكبيرات تحولت إلى بكاء على الأحبة, وعن أسواق خاوية كقلوب الأمهات اللواتي ينتظرن أبناء لن يعودوا.
وعن خيارات قاسية إما الموت جوعا أو المخاطرة بأرواحهم في سبيل الحصول على كسرة تشد بطونهم الخاوية.
دماء في رحلة الجوع
وخلال الأيام الماضية، قُتل عشرات الفلسطينيين في قطاع غزة، أثناء توجههم للحصول على طرود غذائية من مؤسسة تدعمها الولايات المتحدة.
واتهمت السلطات الفلسطينية وشهود عيان القوات الإسرائيلية بإطلاق النار على عشرات المدنيين بالقرب من أحد مواقع المساعدات في رفح أيام الأحد والاثنين والثلاثاء.
-
تعليق آلية المساعدات.. غزة تُواجه الجوع وسط تردد مجلس الأمن
-
كسرة خبز تتحوّل إلى رصاصة.. غزة تودّع أبًا لـ6 بنات
وفي يومي الإثنين والثلاثاء، قال الجيش الإسرائيلي إنه أطلق “طلقات تحذيرية” تجاه من وصفهم بـ”المشتبه بهم” الذين كانوا يقتربون من موقع عسكري، مشيرا إلى أنه ينظر في تقارير عن وقوع إصابات.
يوم الأحد، وخلال أول إطلاق نار مميت، صرّح الجيش بأنه لم يطلق النار على مدنيين “بالقرب من أو داخل” موقع التوزيع، رغم اعتراف مصدر عسكري بإطلاق القوات الإسرائيلية النار على أفراد على بُعد كيلومتر واحد تقريبا من الموقع.
وأعلنت “مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF) إغلاق مواقع التوزيع يوم الأربعاء لإجراء استعدادات لوجستية لـ”التعامل بشكل أفضل مع العدد الهائل من الأشخاص الوافدين”، ولتهيئة الجيش الإسرائيلي “طرق الوصول إلى المراكز”.
-
غزة تُراقب التجربة الثانية: هل تصمد الآلية الإنسانية أمام الواقع؟
-
استقالة مفاجئة تهز إدارة آلية مساعدات غزة الجديدة
عيد بلا أضاحٍ
وفي الوقت الذي يستعد فيه المسلمون حول العالم لاستقبال عيد الأضحى ببهجة وزينة وأضاح، اختفت مظاهر العيد التقليدية من أسواق غزة، فلم تعد هناك أغنام تعرض للبيع، ولا أطفال يفرحون بثياب جديدة، ولا حتى أصوات التكبيرات التي اعتادت أن تملأ الأجواء.
-
مجزرة جديدة في غزة: 20 قتيلاً في قصف إسرائيلي على مدرسة
-
الردّ على المبادرة الأميركية يزيد تعقيد التهدئة في غزة
فالأسواق، إن لم تكن مدمرة، فهي مغلقة أو شبه فارغة من البضائع والمشترين على حد سواء، وسط أزمة إنسانية خانقة، وانهيار شبه كامل في المنظومة الغذائية، وشح في النقود المتداولة وغياب القدرة الشرائية.
تحذيرات من مجاعة حرجة
وفي ظل هذا الواقع القاسي الذي يعيشه سكان قطاع غزة، جراء الحرب الإسرائيلية، أطلقت منظمات إنسانية ودولية تحذيرات غير مسبوقة من كارثة غذائية تلوح في الأفق.
والجمعة الماضية، رأى ينس لاركه، المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أن “غزة هي المكان الأكثر جوعا في العالم”، حيث “100 في المئة من السكان معرضون لخطر المجاعة”.
-
600 يوم من الحصار والنار.. غزة تُسحق بين الجوع والدخان
-
بين السياسة والميدان.. مصافحة رمزية تُفجّر المقترح الجديد لهدنة غزة
وتحدث لاركه في مؤتمر صحفي عن الصعوبات التي تواجهها الأمم المتحدة في إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة والتي لا تسمح إسرائيل بإدخالها إلا بكميات قليلة بعد حصار مطبق بدأته مطلع مارس/آذار، قبل استئناف هجومها العسكري في القطاع الفلسطيني.
واعتبر أن العدد المحدود الذي سمحت إسرائيل بإدخاله من الشاحنات “هو مجرد قطرة في محيط” قائلا إن مهمة توزيع المساعدات واجهت “قيودا تشغيلية جعلتها إحدى أكثر عمليات المساعدة المعوّقة ليس فقط في عالم اليوم، بل في التاريخ الحديث”.
وأشار إلى أنه بمجرد دخول الشحنات إلى غزة، يقتحم السكان المستودعات التي تخزن فيها في ما اعتبر أنه “غريزة بقاء. عمل يقوم به أشخاص يائسون يريدون إطعام أسرهم وأطفالهم”.
-
نزع سلاح حماس مقابل مشاركة سياسية.. مقترح جديد بشأن هدنة غزة
-
غارات دامية على غزة.. والأمم المتحدة تُحذر من كارثة إنسانية
وفي 12 مايو/أيار المنصرم، قدّر تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) أن القطاع يواجه “خطر المجاعة الحرج”.
وكانت إسرائيل قد أوقفت جميع المساعدات الإنسانية إلى غزة في أوائل مارس/أذار. حيث صرّح مسؤولون حكوميون بأن هدفهم هو إجبار حماس على قبول شروط جديدة لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن الذين تم أسرهم خلال الهجوم الذي شنته الحركة على إسرائيل في 2023.
-
تصاعد الغضب الداخلي والخارجي ضد حكومة نتنياهو بسبب مأساة غزة
-
إدخال محدود للمساعدات إلى غزة وسط أزمة إنسانية خانقة
ويعني هذا الحظر عدم دخول أي إمدادات إلى القطاع لمدة 11 أسبوعا.مما دفع سكان غزة البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة إلى أزمة جوع أعمق.
وفي مواجهة ضغوط دولية متزايدة، خففت إسرائيل حصارها قبل أسبوعين. مما سمح بدخول كمية قليلة من المساعدات التي تصل ببطء .ولا تكفي لتلبية احتياجات السكان، وفقا لمسؤولين فلسطينيين ومنظمات إغاثة دولية.
إلا أن أزمة الجوع في غزة تعود إلى ما قبل الحصار الإسرائيلي الشامل بوقت طويل. فمنذ هجوم حماس، فرضت إسرائيل قيودا صارمة على كمية المساعدات التي يمكن أن تدخل القطاع.
وحتى قبل أكتوبر/تشرين الأول 2023، فرضت إسرائيل حصارا جزئيا على غزة. مما يعني أن 63% من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وفقا للأمم المتحدة.
الحرب في أرقام
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، تشن إسرائيل حربا مدمرة علي قطاع غزة. أسفرت عن مقتل أكثر من 55 ألف شخص، وإصابة مئات الآلاف، ناهيك عن تسوية أحياء سكنية بأكملها، بحسب أرقام صادرة عن وزارة الصحة بغزة.
واندلعت الحرب بعد هجوم مباغت شنته حماس على بلدات في جنوب إسرائيل. أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص، وخطف 250 آخرين، وفق أرقام إسرائيلية.
وإن غابت الأضاحي عن عيد غزة هذا العام، فإن الأمل بهدنة تمنحهم شهيقا بلا فزع. ما زال يحذوهم وسط هذا الظلام الكثيف. فهل سيهدي الكبار في مجلس الأمن الدولي، اليوم، القطاع الفلسطيني عيدا لا يسبقه قصف، ولا يليه حصار؟.
-
هياكل خفية تدير غزة.. من يحكم حماس بعد تصفية قادتها؟
-
من الأنفاق إلى الحكم المدني.. تسريب تفاصيل خطة «عربات جدعون» للسيطرة على غزة
-
الاجتياح يتعمق.. إسرائيل تصعّد عملياتها العسكرية في قطاع غزة