غزة على وقع حملة داخلية… حماس تستهدف متعاونين مع إسرائيل
تتواصل في قطاع غزة حملة أمنية واسعة تنفذها أجهزة أمن المقاومة التابعة لحركة حماس ضد مجموعات مسلحة محلية تتهمها بالتنسيق مع إسرائيل، في وقت تتصاعد فيه التحذيرات من تل أبيب وواشنطن بضرورة وقف تلك العمليات التي تراها “استهدافًا غير مشروع” لعناصر فلسطينية مشددين على ضرورة نزع سلاح الحركة.
فجر الاثنين، أعلنت قوة “رادع”، وهي وحدة خاصة تابعة لأمن حماس، تنفيذ عملية أمنية نوعية في محيط مدينة خان يونس جنوبي القطاع، أسفرت عن اعتقال خمسة مسلحين من مجموعة تابعة “لحسام الأسطل”. وأوضحت في بيان رسمي أن العملية جاءت بعد “رصد دقيق ومتابعة استخباراتية طويلة” لتحركات المجموعة التي وُصفت بأنها “نشطة في أعمال تخريبية وتعاون أمني مع الاحتلال”.
وأكدت القوة أنها صادرت أسلحة وأموالًا قالت إنها كانت تُستخدم لتمويل عمليات تمسّ أمن المقاومة الداخلي، مضيفة أن المعتقلين نُقلوا إلى الجهات القضائية المختصة لاستكمال التحقيق وفق الإجراءات العسكرية المتبعة في غزة.
وشددت “رادع” على أنها ستواصل حملتها ضد كل من يثبت تورطه في العمل لصالح إسرائيل، قائلة في بيانها التحذيري: “لن نتهاون مع أي محاولة لاختراق الجبهة الداخلية أو المساس بأمن المقاومة، وسنرد بكل حزم على كل من يتعاون مع العدو.”
وتأتي العملية الجديدة في إطار حملة أوسع تشنها حماس منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي ضد مجموعات مسلحة خارجة عن سيطرتها، تتهمها بالعمالة لإسرائيل أو بالقيام بأنشطة فوضوية ففي 28 أكتوبر/تشرين الاول، نفذت “رادع” مداهمات مماثلة أدت إلى اعتقال 15 عنصرًا ومصادرة أسلحة وذخائر، فيما سبقتها عملية أخرى في 21 من الشهر ذاته استهدفت مجموعة “ياسر أبو شباب” في رفح، انتهت باعتقال عدد من أفرادها ومصادرة معدات عسكرية دون مقاومة تذكر.
لكن بعض هذه العمليات رافقها جدل حقوقي واسع بعدما انتشرت تسجيلات مصورة تُظهر عمليات إعدام ميداني بحق مشتبه بهم، ما أثار انتقادات من منظمات حقوقية محلية ودولية اتهمت الحركة بانتهاك معايير العدالة والإجراءات القانونية.
ورغم ذلك، تؤكد حماس أن “رادع” ووحدة “سهم” التابعة لها كذلك تعملان ضمن قواعد أمنية منظمة تهدف إلى “تطهير الساحة الداخلية من المجرمين والعملاء”، مشيرة إلى أن الحملة تستهدف حماية الجبهة الداخلية في مرحلة حساسة من الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.
وكانت مصادر مطلعة تحدثت على إسرائيل بعثت، عبر وسطاء دوليين، تحذيرات شديدة اللهجة إلى قيادة حماس من مغبة استمرار عمليات التصفية والملاحقات ضد المجموعات المسلحة الموالية لها، معتبرة أن تلك الإجراءات “تُقوّض فرص الاستقرار في القطاع” وفق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام.
وفي السياق نفسه، أعربت واشنطن عن “قلقها العميق” من التقارير التي تفيد بعمليات قتل خارج نطاق القانون في غزة، داعية حماس إلى احترام القانون الإنساني، وعدم توظيف مكافحة الفوضى كذريعة لتصفية خصومها الداخليين.
لكن الحركة، من جانبها، ترى أن تلك التحذيرات تمثل محاولة لعرقلة جهودها في تثبيت الأمن الداخلي، مؤكدة أنها “لن تتراجع عن ملاحقة كل من يعمل ضد مصالح المقاومة أو يتعاون مع الاحتلال بأي شكل من الأشكال”.
وتشكيل قوة “رادع” في يونيو/حزيران 2025 جاء، بحسب إعلان حماس آنذاك، في إطار خطة شاملة “لمكافحة الفوضى والجريمة والتغلغل الأمني الإسرائيلي” داخل غزة، بعد تزايد نشاط مجموعات مسلحة متهمة بالنهب أو التنسيق مع الاحتلال. غير أن توسع نشاط القوة وتحولها إلى ذراع تنفيذية ميدانية ذات صلاحيات واسعة أثار حساسية داخلية مع بعض العائلات والنشطاء، لا سيما عقب اشتباكات بين عناصر “رادع” و”قوة سهم” وأفراد من عائلة دغمش في غزة.
ويقول مراقبون إنّ حماس تجد نفسها اليوم أمام تحدٍّ مزدوج: من جهة، رغبتها في بسط سيطرتها الكاملة على القطاع وردع أي نفوذ إسرائيلي داخلي، ومن جهة أخرى، الضغوط الخارجية التي تتهمها باستخدام القوة المفرطة والانتقام السياسي.
ورغم الانتقادات والتحذيرات، تؤكد مصادر في حكومة غزة أن العمليات الأمنية ستتواصل حتى “تجفيف كل البؤر المرتبطة بإسرائيل”، مشيرة إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد ملاحقات جديدة تطال مجموعات أخرى يُشتبه في تلقيها تمويلًا أو دعمًا لوجستيًا من الخارج.
وبينما تواصل “رادع” عملياتها الليلية في مدن وبلدات القطاع، يبدو أن حماس ماضية في سياسة “الأمن أولًا”، مقتنعة بأن السيطرة الميدانية الكاملة شرط أساسي للحفاظ على تماسكها الداخلي في وجه الضغوط السياسية والعسكرية المتزايدة ومطالبات بنزع سلاحها.



