فوجئ رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون ومعه أركان السلطة بوصول سفينة “FPSO Energean Power” المخصصة لإنتاج الغاز الطبيعي المسال وتخزينه، إلى حقل كاريش وتجاوزها الخط 29، على بعد كيلومترات قليلة من الخط 23 المتنازع عليه، صباح الأحد، وذلك لاستخراج الغاز خلال 3 أشهر.
انزعج فخامته والفريق الملحق به، وأصدروا البيانات تستنكر تمركز السفينة لتباشر عملها المفترض أن يعطي أولى محاصيله من الغاز بعد 3 أشهر.
بالتأكيد آلمهم عدم تفهم إسرائيل ومعها الوسيط الأميركي لظروفهم الصعبة التي تعرقل استفادة الشعب اللبناني من ثرواته الوطنية، بعدما زجها الرئيس وتياره في الغايات الخاصة على حساب المصلحة العامة للاستفادة من ملف ترسيم الحدود، ومقايضته بما يناسب الإسرائيليين شرط تحصيل بعض المكاسب الشخصية لصهر الرئيس النائب جبران باسيل، الساعي إلى رفع العقوبات الأميركية عنه وترويج أوراق اعتماده كخليفة لعمه.
آلمهم أكثر أن الوقت لا يلعب لصالحهم، ففترة ثلاثة أشهر قصيرة جدا للمناورات والمقايضات وفق التوقيت اللبناني، حيث يمكن أن يصل الابتزاز إلى فراغ لأكثر من سنتين في موقع رئاسة الجمهورية لإرغام الخصوم على الرضوخ لمطلب إيصال عون دون غيره إلى المنصب برعاية حزب الله ومحوره الإيراني.
ففي لعبة عض الأصابع وفق الحسابات اللبنانية، تغيب مقولة “الوقت من ذهب”، وإلا لما نام المرسوم 6433 المتعلق بترسيم الحدود في أدراج الرئاسة الأولى منذ سنة وأربعة شهرا من دون تعديل أو توقيع لتسهيل مواصلة مفاوضات ترسيم الحدود.
ولما غاب الرد خطيا على المقترح الذي قدمه الوسيط الأميركي آموس هوكستاين. ولما اتهم وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب الأميركيين بعدم الجدية في وساطتهم لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، فقد اعتبر بو حبيب أن “لبنان جدّي في موضوع الترسيم ولديه الجواب على مقترح كان قد قدمه هوكشتاين”، لكن الأخير لم يكفل نفسه عناء الحضور إلى لبنان لتلقيه، متجاهلا معاليه أن وسائل التواصل والتراسل بين الدول متاحة وبسهولة لا تستوجب عناء السفر بين القارات.
لم يخبرنا معاليه عن سبب تخبط الرئيس ومن يدور في فلك تياره حيال وصول سفينة الحفر، ولن يخبرنا. يكفي أن يلوم الأميركيين فتضيع فرصة إعادة تعويم الدولة المفلسة وإعادة الأمل إلى الدورة الاقتصادية المشلولة.
وقمة المهزلة في اعتباره أن “وجود السفينة جنوب الخط 29 لا يُعتبر اعتداء على السيادة، أما إذا كانت شمال الخط 29 فذلك يعني أنها في منطقة متنازع عليها”. وكأن إسرائيل عاجزة عن استخراج الغاز من دون المس بمياهنا الإقليمية.
أما قمة المأساة فهي في تضييع الغاز بعد اقتراح يقضي بتسديد أموال المودعين التي نهبت بين المصارف والسلطة، وذلك “بتخصيص 20 في المائة من صافي المداخيل من الغاز والنفط الموعود لتغذية صندوق يُنشأ خصيصاً لهذه الغاية، بحيث يتم منح كل مودع حصة بنسبة مئوية تتناسب مع حجم وديعته المصرفية”.
لتبقى قمة التضليل وتبسيط الأزمة، التي طالعنا بها رئيس كتلة نواب حزب الله عندما قال: “تعالوا نتفق على شركة نختارها نحن بمحض إرادتنا، ونطلب إليها أن تنقب عن الغاز في مياهنا الإقليمية في الوقت الذي نريده وفي الفترة التي نريدها، ومن يخاف من أن يقترب العدو الإسرائيلي تجاه هذه الشركة، فنحن نتكفل برد فعله”.
وكأن مثل هذا القول يستقيم من دون شروطه العلمية والعملية والميدانية، فهو لا يحصل بنقرة زر وهو تهرب من المسؤولية والمواجهة. حتى إن أحد المغردين علق على موقف حزب الله الملتبس بقوله: “يبدو أن لديه 100 ألف مقاتل، لكن الظاهر أن لا أحد منهم يجيد السباحة”، مع هاشتاغ “كذبة حماية الحدود والثروات إلى الواجهة”.
وكأن المنتظر من إسرائيل أن تراعي طموح باسيل وتفهم حزب الله ومواصلة دعمه له، وتشفق على لبنان الغارق في صراعاته الصغيرة لتناتش السلطة ومكتسباتها على حساب الشعب، أو أنها سترتجف خوفا من تهديدات حزب الله المنبرية، التي لن تتطور على ما يبدو إلى المواجهة العسكرية، لأن أي مغامرة على هذا الصعيد ليست في صالح الحزب ومشغله الإيراني الغارق في همومه الداخلية والخارجية.. ولنا في المناورات الإسرائيلية القبرصية الأخيرة خير مثال.
بالتالي، لا يملك رئيس الجمهورية وفريق عمله ومن خلفه راعيه، سوى الصلاة والابتهال إلى الله أن يصل الوسيط الأميركي لتدارك الخسارة التي وقعت على لبنان، بعدما أصبح نصيبه من الغاز في مهب الريح.