عودة باهتة وحضور بائس إطلالة الظواهري “الغامضة”
ظهور باهت لزعيم “القاعدة” أيمن الظواهري في إطلالته الأخيرة في ذكرى هجمات 11 سبتمبر الأليمة، فيما يبدو أنه ما تبقى من التنظيم الإرهابي.
إطلالة الظواهري التي امتدت لنحو ساعة عبر فيديو بثته القاعدة أمس السبت، عبر الإنترنت تشير لـ”عودة باهتة وحضور بائس يعكس تراجع” التنظيم، بحسب قراءة لخبراء في شؤون الحركات الإسلامية في أحاديث منفصلة لـ”العين الإخبارية”.
الخبراء في الوقت ذاته رأوا أن التنظيم الإرهابي يسعى بظهور زعيمه بعد اختفاء طويل، إلى استثمار ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر قبل 20 عاما للإعلان عن التنظيم مجددا، على ساحة الإرهاب، لكنه كشف عن تراجع كبير، حيث بدا الظواهري غير مواكب للتطورات الإقليمية.
وبيّن ظهور زعيم القاعدة في مقطع الفيديو حالة التدهور الصحي التي يعيشها الظواهري، وإن نجح في هدف تأكيد أنه لا يزال على قيد الحياة.
وقرأ الخبراء في ظهور الظواهري أن التنظيم في حال تراجع شديدة، وأن صيغة “القاعدة” كتنظيم عابر للحدود و”محاربة العدو البعيد” أصبحت مأزومة وتحمل أزمات هيكلية، لا سيما مع عودة طالبان للحكم في أفغانستان.
وتحدث الظواهري في محاولة فاشلة لإثبات وجوده والتذكير بعمل تنظيمه المعتاد في التحريض على الإرهاب، والدعوة إلى ما سماه بـ”استنزاف العدو”، مستعرضا عمليات أفرع التنظيم الإرهابية في كل من سوريا والصومال، ناعيا بعض قيادات التنظيم في سوريا واليمن والمغرب العربي.
كما أشار الظواهري إلى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، لكنه لم يتطرق إلى الأحداث في أفغانستان وسيطرة طالبان على الحكم.
حضور باهت ويائس
الدكتور عمرو الشوبكي الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيحية بالقاهرة يصف فيديو لظواهري في أحداث ذكرى الحادي عشر من سبتمبر بـ”الحضور الباهت واليائس الذي يعكس تراجع التنظيم”.
وقال “الشوبكي” في حديث لـ”العين الإخبارية” إن الظواهري يسعى إلى استثمار ذكرى أحداث 11 سبتمبر في محاولة للظهور الإعلامي، لا سيما مع أهمية وقوة الحدث وتداعياته”.
ورأى الخبير بمركز الأهرام أن “تنظيم القاعدة تراجع نفوذه وقوته وأفرعه وهو إلى مزيد من التدهور والتراجع”، لافتا إلى تأثر التنظيم الشديد بفعل الضربات الأمريكية، وهزائم مني بها على يد داعش، وانحساره في أكثر من موقع، علاوة على أزمة صيغة التنظيمات العابرة للحدود.
عودة للصيغ المحلية
وأوضح “الشوبكي” أن “صيغة القاعدة وداعش معا لفكرة التنظيم العابر للحدود، ومحاربة العدو البعيد، أصبحت مأزومة جدا وتتعرض لأزمات هيكلية، لا سيما بعد نجاح حركة طالبان في العودة للسلطة.
وأردف في هذا الصدد: “فكرة فروع التنظيم التي تنتشر في العراق وسوريا وأفريقيا وغيرها، وتلك الصورة التي حملت عنفوان وقوة في التسيعينات أصبحت حاليا في أزمة وتراجع، لصالح صيغ التنظيمات المحلية والتي تعكسها عودة طالبان للحكم.
ودلل على طرحه بعودة الصيغ المحلية للواجهة من جديد، بإعلان هيئة تحرير الشام في سوريا (النصرة سابقا) أنها لا تتبع تنظيم القاعدة، علاوة على فروع أخرى بسوريا أعلنت أنها ليست جزءا من التنظيم.
هل الظواهري حي؟
وبدوره، قال الدكتور أحمد كامل البحيري، الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجيةـ إن الفيديو الأخير للظواهري لم يقدم جديدا بل تكراراً لكلمة سبق أن ألقاها الأخير في 27 يوليو عام 2010؛ وهو ما يفرض مزيداً من الشكوك والجدل حول بقائه على قيد الحياة أو وفاته.
ووفقا لتقدير البحيري فإن التنظيم ربما يكون مقبلاً على استحقاقات مهمة، لا سيما في ظل تراجع دوره مقارنة بتنظيم “داعش”، واحتمالات تأثر علاقاته مع “طالبان” بوصول الأخيرة مجدداً إلى السلطة في كابول.
وأكد الخبير في الوحدة الأمنية بمركز الأهرام في مقال تحليلي نشره المركز اليوم، أن رسالة الظواهري لا تستوعب التطورات الجديدة التي طرأت على الساحة الإقليمية، وتحظى باهتمام خاص من جانب القاعدة، لا سيما سيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان
ولم يستبعد “البحيري” في مقاله أن تكون الرسالة المرئية للظواهري أمس، قد سُجِلت على الأرجح في وقت سابق، حيث لم يتطرق لذكر الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، الذي وصل إلى البيت الأبيض في 20 يناير من العام الجاري، علاوة على ذكره اسم الرئيس السابق دونالد ترامب، إلى جانب عدم تطرقه للأحداث الأخيرة التي وقعت أفغانستان وتتعلق بسيطرة “طالبان” على الحكم في منتصف أغسطس الماضي.
ثلاث رسائل غامضة
وفي محاولة لكشف مصير الظواهري، رصد البحيري خلال عام 2021 ثلاثة مقاطع فيديو للقاعدة؛ الرسالة الأولى في 13 مارس من العام الجاري، تحت عنوان (الروهينجا جرح الأمة كلها)، تناولت الأحداث في ميانمار بشكل عام ولم تأت على ذكر الانقلاب الذي جرى، وهو ما يؤكد أن الرسالة ليست لها علاقة بهذا التطور، بل تم اقتطاع أجزاء من كلمات قديمة للظواهري عن المسلمين في ميانمار وضمها في الرسالة، وهو ما لم يحسم بقاء الظواهري على قيد الحياة بعد اختفائه منذ نوفمبر 2020.
وواصل البحيري القول: “الأمر نفسه تكرر في الرسالة الثانية للتنظيم، والتي تم بثها في 15 يوليو من العام نفسه، وكانت بعنوان (الجريمة التي لا تغتفر)، وبلغت مدتها 41 دقيقة، يتحدث فيها شخص مجهول مع لقطات قديمة للظواهري.
ووفقا للبحيري فإنه بتحليل الفيديو الأخير والثالث هذا العام، والذي تم بثه في 11 سبتمبر الجاري، يبدو واضحا هذا “التعتيم المتعمد” حول حقيقة وفاة أو بقاء أيمن الظوهري على قيد الحياة.
احتمالان لعدم ظهور الظواهري؟
ورأى الخبير بالأهرام أن عدم ظهور الظواهري في مقطع فيديو خلال العام الجاري يحمل احتمالين؛ الأول فرض حالة من التعتيم على زعيم التنظيم حفاظا على حياته وتجنب تعرضه لاستهداف أمريكي.
أما الاحتمال الثاني -بحسب الخبير المصري- هو أن يكون الظواهري قد توفي فعلا، ووفقاً لذلك فإن التنظيم يسعى إلى إخفاء خبر الوفاة من أجل تقليص احتمالات التعرض لانشقاقات محتملة، خاصة من قبل أفرعه المتبقية بدول المنطقة، واحتواء أزمة “الخلافة” التي قد تنشب في مرحلة ما بعد رحيل الظواهري
وخلال العام الماضي قتل أبومحمد المصري وأبومصطفى المصري في إيران وأفغانستان، وهما من القيادات التي كانت مرشحة لخلافة الظواهري، إلى جانب سيف العدل، وهو أحد أبرز المرشحين لتولي منصب زعيم التنظيم.
تفكك القاعدة
وفي قراءاته لدلالات فيديو الظواهري في ذكرى أحداث 11 سبتمبر، قال سامح عيد الخبير المصري في شؤون الحركات الإسلامية في حديث لـ”العين الإخبارية” إن القاعدة تسعى للرد على الأحاديث المتواترة بموت زعيم التنظيم، أو ما يتردد عن تدهور حالته الصحية.
وبعكس ما ذهب إليه “البحيري”، لفت “عيد” إلى أن الظواهري لا يزال حيا، وعدم حديثه عن طالبان في رسالته ربما لعدم إحراج الحركة والحفاظ على علاقة التنظيم بها.
وهو ما برهن عليه بتعهد طالبان بعدم حماية “القاعدة” وعدم تعرض المصالح الأمريكية للاستهداف من جانبه، وفقاً لاتفاق السلام الذي أبرمته الحركة مع الولايات المتحدة الأمريكية في فبراير 2020.
وقدّر “عيد” أنه بوفاة الظواهري فإن “القاعدة ستتفكك، لعدم وجود من يملأ الفراغ الذي سيتركه”.
لكن الخبير المصري عاد ليؤكد أن تنظيم القاعدة في أضعف حالاته بعد أن تقلص أعداد المنتمين له بشكل كبير، بانتقال عدد من عناصره إلى داعش، وبقايا أذرع ضعيفة للتنظيم في ليبيا وأفريقيا.
أسماء متغيرة
وكان الظواهري قد تولى قيادة “القاعدة” عام 2011 بعد أن قتلت وحدة قوات خاصة تابعة للبحرية الأمريكية أسامة بن لادن؛ زعيم التنظيم في مخبئه بمدينة أبوت آباد الباكستانية، عام 2011.
وترصد الحكومة الأمريكية مكافأة بقيمة 25 مليون دولار لمن يساعد في الوصول إلى الظواهري.
وفي نوفمبر أشارت بعض التقارير إلى أن الظواهري توفي لأسباب طبيعية، لكن ظهوره الآن يبدو أنه محاولة لنفي وفاته.
ولدى الظواهري قائمة طويلة من الأسماء المستعارة التي تشمل أبومحمد، الطبيب، المعلم وعبدالقادر عبدالعزيز عبدالمعز، الدكتور، أبوفاطمة، عبدالمعز، نور، الأستاذ.
وأشارت تقارير إلى أن زوجة الظواهري الأولى واثنين من أبنائه الستة قتلوا في غارة جوية أمريكية في أفغانستان في أواخر عام 2001.
وكانت الهجمات التي دبرها التنظيم الإرهابي هزت الولايات المتحدة في 11 سبتمبر/أيلول 2001، عندما اختطف إرهابيون من القاعدة 4 طائرات ووجهوها للارتطام ببرجيْ مركز التجارة العالمي بنيويورك، ومقر البنتاجون في واشنطن.
وقضى المهاجمون الانتحاريون وعددهم 19 في الانفجارات، بعد أن قتلوا 2976 شخصا من 77 دولة، فيما جرح الآلاف، وتعرض مثلهم لمعاناة نفسية كبيرة، ونجا عدد كبير في مواقع الهجمات بنيويورك وواشنطن.
ورغم مرور عقدين من الزمن على الهجمات الدامية فلا تزال تلك الاعتداءات تلقي بظلالها على العالم، فقد قادت الولايات المتحدة حربا على أفغانستان، أسقطت فيها حكومة طالبان (1996-2001) التي امتنعت عن تسليم الإرهابي أسامة بن لادن، قبل أن يقتل في عملية أمريكية بباكستان عام 2011 بعد سنوات من الهروب.