سياسة

عقدة الانتخابات في ليبيا.. هل تُعيد الخلافات الأزمة إلى المربّع الأول؟


تأجل التوقيع بالأحرف الأولى على مخرجات لجنة “6+6” المشتركة بين مجلسي النواب والدولة الليبيين المكلّفة بإعداد قوانين الانتخابات إلى الثلاثاء بعد أن كان مقررا اليوم الاثنين.

بينما بدأ العد التنازلي للمهلة التي حددها المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي للطبقة السياسية والتي تنتهي منتصف الشهر الجاري قبل تفعيل خطته البديلة وسحب البساط من تحت أقدام الهيئات الليبية، فيما تتضاءل آمال جانب هام من الليبيين في أن تحقق توافقات اللجنة اختراقا في الأزمة. 

وقال النائب الليبي عزالدين قويرب متحدثا من مدينة بوزنيقة المغربية إن “التوقيع تأجل لأسباب تنظيمية”، لكن مسؤولا ليبيا آخر بديوان مجلس النواب إن “سبب التأجيل هو ضغوطات محلية كبيرة تتعرض لها اللجنة”.
وأوضح المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه أن “مخرجات اللجنة لم تعجب عددا من أعضاء مجلسي النواب والدولة وهم من ضغط على اللجنة لتأجيل التوقيع على مخرجاتها اليوم حتى يتم التعديل”، مشيرا إلى أن “أعضاء اللجنة مجمعون على عدم فتح باب تعديل ما توافقوا عليه مؤخرا”.

وتوجه عقيلة صالح رئيس مجلس النواب وخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة إلى المغرب في وقت مبكر من صباح اليوم الاثنين على أمل التوصل إلى اتفاق، حسبما قال عضو في مجلس النواب ومتحدث باسم المجلس الأعلى.

وصوتت لجنة “6+6” السبت في اجتماعها بمدينة بوزنيقة المغربية بالإجماع لمصلحة القوانين التي ستجرى وفقها الانتخابات في البلاد.
وقال المسؤول بديوان مجلس النواب الليبي، متحدثا من المغرب، إن “التوقيع كان من المفترض أن يتم الخميس الماضي إلا أن المبعوث الأممي لدى ليبيا عبدالله باتيلي رفض الذهاب إلى المملكة وطالب أن يتم ذلك داخل ليبيا”، مشيرا إلى أن “المحاولات لإقناع باتيلي بالحضور إلى المغرب لا تزال مستمرة”.
وعن فحوى مخرجات اللجنة قال المسؤول الليبي إن “اللجنة توصلت لتفاهمات غير مسبوقة في ملف الانتخابات والتي من بينها وأهمها مسألة ترشح مزدوجي الجنسية لرئاسة البلاد”.

*
ورفض الإفصاح بشكل مفصل عما تم التوافق حوله بشأن ترشح العسكريين، لكنه أوضح أن “اللجنة أقرت السماح بترشح مزدوجي الجنسية للرئاسة، على أن يتخلى من يحمل جنسية أخرى عنها في حال تمكنه من دخول الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية”.

وتعترض لجنة 6+6 عراقيل عديدة، فيما ذهب بعض الفرقاء الليبيين إلى التشكيك في نزاهتها، إذ لم يدم التفاؤل طويلا بعد إعلانها في 23 مايو المنصرم في مؤتمر صحفي بالمغرب تحقيقها “توافقا كاملا” بشأن النقاط الخلافية المتعلقة بانتخاب رئيس الدولة وأعضاء البرلمان، حتى خرجت أصوات من المجلس الأعلى للدولة تتحفظ بشأن هذا “التوافق” وتصفه بـ”المبدئي”.

أحد المشككين في هذا “التوافق الكامل” كان عضو المجلس الأعلى للدولة محمد معزب، الذي اعتبره توافقا “مبدئيا وليس نهائيا” ويحتاج إلى موافقة المجلسين، لكن زميلته في المجلس نعيمة الحامي، لفتت في تصريح صحفي إلى أن التعديل الدستوري الـ13 منح لجنة (6+6) صلاحيات واسعة، منها “التوافق دون الرجوع إلى المجلسين”.

وبالنسبة لمضمون “التوافق الكامل” الذي لم تعلن عنه اللجنة المشتركة بشكل رسمي، فكشف معزب، أنه يرتكز على السّماح بالترشّح للجميع دون شروط في الجولة الأولى. على أن يتم “تطبيق الشروط على الفائزين في الجولة الثانية منها اشتراط التنازل عن الجنسية الأجنبية.
حيث سيسمح بترشح العسكري للانتخابات الرئاسية شريطة استقالته من منصبه وفق معزب، الذي تحدث عن عدم قبول ترشّح من صدر ضدّه حكم.

ووفق هذا التوافق، فسيتم حل أكبر معضلتين أمام إجراء الانتخابات وهما ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، والإشارة هنا إلى حفتر. الذي لن يكون مضطرا للتخلي عن جنسيته الأميركية إلا إذا ضمن الصعود للدور الثاني من الانتخابات، كما يمكنه العودة إلى منصبه العسكري إذا خسر الانتخابات.

بينما من المستبعد السماح لسيف الإسلام القذافي، الترشح للرئاسيات بالنظر إلى صدور حكم نهائي من القضاء الليبي بإعدامه إثر إدانته بارتكاب “جرائم حرب”. فالمعسكرين الرئيسيين في البلاد متفقين على استبعاد القذافي الابن من الانتخابات، خاصة وأنه ليس له قوة عسكرية يمكنه الضغط بها أو تستطيع عرقلة الاقتراع.

ولكن هذا التوافق المبدئي على السماح بترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، من المرجح أن يصطدم برفض أعضاء من المجلس الأعلى للدولة خاصة من الذين سبق لهم الاعتراض على التعديل الدستوري الـ13.
والأهم من ذلك أن كتائب المنطقة الغربية ترفض بشكل صارم ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، الأمر الذي من شأنه عرقلة إجراء الانتخابات.
وفيما يخص نظام الانتخاب، فتحدثت وسائل إعلام عربية عن اتفاق لجنة 6+6 على أن يكون 60 في المئة وفق نظام القوائم و40 بالمئة وفق نظام الفردي.

ومن شأن هذه النقطة أن ترضي الأحزاب السياسية بعد تبني مجلس النواب في طبرق (شرق) نظام الفردي، في قانون الانتخابات لعام 2021. وألغى تماما نظام القوائم ما اعتبر إقصاء غير مباشر لدور الأحزاب في الانتخابات البرلمانية.
ولن يكون إنجاز قوانين الانتخابات آخر المعضلات أمام إجراء الرئاسيات والبرلمانيات وإن كان أبرزها، فانتخابات 24 ديسمبر 2021. كانت ستجرى بقانون غير توافقي وعليه الكثير من الاعتراضات من حيث شكل والمضمون، ومع ذلك تقدمت جميع الأطراف البارزة للانتخابات، التي ألغيت لأسباب لا علاقة لها بالقوانين.

وحينها كانت الحكومة واحدة وموحدة، أما اليوم فهناك حكومتان، الأولى في الغرب برئاسة الدبيبة، والثانية في الشرق كُلف بتسييرها أسامة حماد. بعد توقيف مجلس النواب لرئيسها فتحي باشاغا، منتصف مايو المنصرم.

الوضع ملتبس حول الحكومة التي ستشرف على الانتخابات، هل هي حكومة الدبيبة، الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة منبثقة من برلمان منتخب. أم حكومة مصغرة يتفق عليها مجلسي النواب والدولة وهو موقف يدعمه كل من عقيلة صالح رئيس مجلس النواب وخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة وكذلك لجنة 6+6 المشتركة.

وأكد رئيس البرلمان مؤخرا رفضه إشراف حكومة الدبيبة على الانتخابات ودعاه إلى التنازل عن منصبه إذا أراد الترشح للرئاسيات. قائلا “يجب إجراؤها في ظل حكومة جديدة محايدة قبل نهاية العام الجاري”.
أما الدبيبة، المعروف بدهائه، فقد فتح قناة تواصل مع حفتر لبحث تقاسم الوزارات السيادية، ما يعني إلغاء الحكومة المكلفة من مجلس النواب التي كان يقودها باشاغا.

ولم تسفر بعد المفاوضات بين الطرفين عن اتفاق نهائي، لكن من السابق لأوانه الإعلان عن فشلها، فالخصمان اللدودان أثبتا قدرتهما على الاتفاق في أحلك الظروف، على غرار تعيين الدبيبة، فرحات بن قدارة (المقرب من حفتر). على رأس مؤسسة النفط، مقابل فتح قائد قوات الشرق الحقول والموانئ النفطية.
لكن حفتر لن يكون في حاجة إلى الدبيبة إذا اتفقت لجنة 6+6 على تشكيل حكومة مصغرة للإشراف على الانتخابات والسماح للعسكريين ومزدوجي الجنسية بالترشح للرئاسة.

وحتى في ظل هذا السيناريو، فإنه من المستبعد أن يرمي الدبيبة المنديل وسوف يضغط عبر أعضاء مجلس الدولة والنواب الموالين له وكذلك كتائب المنطقة الغربية لعدم قبول ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية وعدم تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة.
وإذا لم تتفق الأطراف الأربعة (مجلسا النواب والدولة والدبيبة وحفتر) على صيغة ما لتقاسم المصالح، فإنه من الصعب إنجاز قوانين الانتخابات وتوحيد الحكومة قبل نهاية يونيو الجاري.

وفي هذه الحالة قد يأخذ المبعوث الأممي زمام المبادرة ويشرع في مشاورات تشكيل لجنة تسييرية عليا لإصدار قوانين الانتخابات والإشراف على تنظيمها، كما لوح بذلك مرارا.

إلا أن انشغال واشنطن بملفات دولية واقتراب موعد انتخاباتها الرئاسية في 2024 وإصرار أطراف محلية على أن يكون الحل ليبيًا ـ ليبيًا وأن لا يكون مفروضا من الخارج. من شأنه عرقلة خطة باتيلي لوقف مسلسل إطالة أمد الأزمة، الذي لم يعد يتحدث عن تشكيل لجنة تسييرية عليا منذ نهاية مارس الماضي.

 

ومنذ أكثر من أسبوعين يستضيف المغرب اجتماعات لجنة 6+6 بهدف التخلص من الضغوط التي تتعرض لها من أطراف داخلية وخارجية، بينما تلعب الدبلوماسية المغربية دورا وازنا في توفير كافة الظروف الملائمة لكي تتوّج مباحثات الفرقاء الليبيين بتوافقات تنهي الأزمة الليبية.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى