سياسةصحة

عرب ما بعد كورونا


طرحت أزمة كورونا على المستويين العام والخاص علامات استفهام عديدة، ومنها ما سيطرا أو ما يجب ان يطرا على العالم العربي من تغييرات جذرية بعد انتهاء الازمة وزوال الغمة.

يمكن القطع بداية ان الازمة كشفت عن حتمية اعادة تقييم للسلم القيمي، وترتيب اولويات الاحتياجات الرئيسة للمجتمعات العربية الحديثة، وفي مقدمتها الحاجة الى الانفتاح على مجتمع المعرفة والاتصال، والتحلل قدر الامكان من فكرة المجتمع الاستهلاكي، والانغماس في عالم الانتاج بانواعه المتعددة وصنوفه المتباينة.

مجتمع المعرفة الذي نحن بصدده يحتاج الى تقويم العلاقة مع سلوكيات الماضي، ومن غير الدخول في معارك دونكيشوتية ما بين التراث والمعاصرة، الحداثة والسلف، فكل ما يصلح لحياة الانسان، ويفيده في حاضره مرحب به، من غير تكلس او تحجر، وبدون سيكولائية اجترارية، او جمود ارثوذكسي فكري او اجتماعي دفعة واحدة.

اماطت كورونا اللثام عن نقاط عديدة بينية لم تكن واضحة بما يكفي فيما يخص الامن القومي للدول والمجتمعات البشرية ، فقد كان التركيز على التسليح وكفاءة الجيوش فقط ، غير ان الازمة برهنت على سبيل المثال ان انتاج الغذاء في حد ذاته ، وتامين الدواء بدوره ، قضايا على راس هذا الامن المنشود ، ولا تقل اهميتهما عن امتلاك احدث انواع الطائرات المقاتلة، او القطع البحرية السابحة في البحار .

يستدعي عالم ما بعد كورونا عربيا، اعادة النظر في سياسة عربية – عربية ، تضمن وفرة في المحاصيل الزراعية ، وطفرة في الصناعات الدوائية ، كضمان وامان للانسان العربي ، وخوفا من يوم تقصر فيه السبل عن الوصول الى ايا منهما .

فتحت كورونا اعين العالم العربي على واحدة من اهم خصائص مجتمع القرن الحادي والعشرين ، البحث العلمي ، فمن يملك ناصية العلوم والتكنولوجيا ، هو من يضمن سلامة الانسان في كل زمان ومكان ، ومن يخلفه الاكتشاف والابتكار ، ربما سيجد نفسه على قارعة الطريق الاممي وحيدا من غير عون او سند.

البحث العلمي في عالمنا الغربي هو الفريضة الغائبة ، ومن هنا يتحتم على الجميع ابداء الاهتمام الواجب بالعلم والعلماء ، فهم وعن جدارة ، اصحاب المكانة الاولى الواجبة الاحترام ، في معاملهم ومستشفياتهم ، بعد ان تسنمت لعقود طبقات طفيلية كمبرادورية هرم المجتمعات العربية .

اظهرت ازمة كورونا ان معركة التنوير العربي لا تزال قائمة، واننا من اسف شدبد لا نزال متشرنقين في خانة الانسداد التاريخي والسيكولائية الاجترارية ، فقد واجه الكثير من العرب كورونا اما بحديث المؤامرة ، او الانكار ، وبينهما ضاعت حقيقة فيروس خطير ، وجدنا انفسنا في مواجهته من غير قدرة حقيقية على تقييم ابعاد المشهد ، لا سيما بعد ان فارقنا المشهد المعرفي ، ومن الغريب جدا ان نجد ان رجلا بوزن وقامة ابن سيناء قبل قرون طوال ، كان يمتلك ناصية التفكر العلمي، الذي ساهم في انقاذ مجتمعات اسيوية واوربية من وباء الطاعون .

من بين دروس كورونا التي ينبغي على العالم العربي تمحيصها لا سيما بالنسبة للاجيال القادمة ، فكرة التعددية والانفتاح على العالم ، فقد اثبتت الجائحة ان عالم ما بعد العولمة اكثر اثارة ، اذ لم تعد الكرة الارضية ” قرية كونية “، كما اشار الى ذلك عالم الاتصال الكندي الشهير ” مارشال ماكلوهان “، في ستينات القرن الماضي ، واضحت ” حارة كونية “، ما جعل من البشرية اسرة واحدة حقيقة لا مجازا .
في هذا السياق بات من غير الممكن التمترس وراء أي جدران تاريخية أو آنية ، وبدا الطريق الوحيد للنجاة ، الشراكة الفاعلة والناجعة من غيراحساس بالدونية ، او صغر الذات .

اكدت ازمة كورونا ان هناك طوابير خامسة وليس طابور واحد لا يزال يعيش بين صفوفنا الوطنية ، طوابير لا تنشد الخير لمجتمعاتنا ، بل تحمل عداوات اصولية سلبية قاتلة ، تريد الدمار والهلاك للجميع ، وتجد للاسف من يغذيها ويقويها ، ان كان بالمال او الاعلام ، وهذه مسألة كارثية ، كما الحال في موقف الاخوان المسلمين في قطر وتركيا تجاه دول عربية، ما يعني ان مراجعة جذرية جمعية لابد ان تجري بها المقادير تجاه هذا الفصيل تحديدا .

عالم ما بعد كورونا ينبغي ان تفتح فيه الابواب العربية لعلوم الغد ، واستشراف المستقبل ، واهم ما فيها ثورة الجيل الخامس الصناعي ، والغوص عميقا في عالم الذكاء الاصطناعي ، ذاك الذي سيغير شكل البشرية طولا وعرضا ، شكلا وموضوعا ، وحتى لا نبقى على هامش السباق العالمي، والذي ستسارع وتيرته لا شك في ذلك يوما تلو الاخر .

عالم عرب ما بعد كورونا ، يحتاج الى مسحات من التضامن التي طال الشوق اليها ، فالقادم يحمل تقسيمات عولمية مغايرة ، وقيام تجمعات جغرافية وديموغرافية مثيرة للانتباه ، ومن قبل شاغبتنا فكرة مشروع مارشال عربي – عربي ، مشروع خلاق يستنهض قوى العالم العربي من المحيط الى الخليج ، يقوم عليه علماء الاقتصاد لتفادي أي اضطرابات مالية قادمة ، وللاستفادة الى ابعد حد ومد من موارد الامة المتوافرة في الحال ، والقادمة في الاستقبال سواء كانت عناصر موارد مادية او بشرية وهي الاهم .
كورونا قد يكون فرصة بقدر ما هو خطر ، فهل من عقل عربي فاعل يستطيع ان يصنع من الليمون اللاذع شرابا حلو المذاق ؟

نقلا عن العربية

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى