الغوص في تاريخ نشأة “طالبان” مهم لفهم طبيعتها، التي أعادتها تقلبات الحدث الأفغاني إلى واجهة المشهد بصيغة يصعب التنبؤ بمستقبلها.
فـ”طالبان” عام 1996 غير “طالبان الجديدة” عام 2021، بحسب رؤية الغرب، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، التي سحبت جنودها من هذا البلد بطريقة غريبة وغير مسبوقة في تاريخ الحروب.
في الوقت نفسه، يُبدي قادة “طالبان” داخل أفغانستان، التي سيطرت الحركة على غالبية ولاياتها، مرونة سياسية مستغرَبة تجاه خصوم الأمس وأعداء الماضي، مثل الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، وعبد الله عبدالله، رئيس مجلس المصالحة الأفغانية، وآخرين.
فزعماء الحركة يلتقون بالقادة الأفغان، ويطلقون تصريحات إعلامية هنا وهناك حول تشكيل “حكومة موسعة” تضم مختلف أطياف النسيج الأفغاني، حسب زعمهم، وفي الوقت نفسه يرسلون مسلحيهم لفتح جبهة حرب مع أحمد بن أحمد شاه مسعود، الزعيم الأفغاني التاريخي الراحل.
تلك الحكومة الأفغانية “الموسعة” لن تكون عملية ولادتها سهلة إذا حاول المرء تفكيك طلاسم رؤية أيديولوجيا تصر فيها حركة “طالبان” على مبدأ “الإمارة الإسلامية” ورفض الشكل الديمقراطي للدولة الأفغانية المستقبلية.
ومِن قائل يقول: لماذا لا يتقبل العالم نظاماً سياسياً متشدداً دينيا في أفغانستان على غرار نظام سياسي متشدد دينيا في الجارة الغربية إيران؟
وهذا القول بحد ذاته محفوف بالمخاطر لأسباب كثيرة، من أهمها مفهوم الاستقرار والسلام في بلد مثل أفغانستان مزقته الحروب على مدى عقود، وتسببت “طالبان” نفسها، حين حكمته، في أزمة دولية نتجت عنها أحداث 11 سبتمبر عام 2001، والتي قام بها تنظيم “القاعدة” الإرهابي انطلاقا وترتيبا من أفغانستان.
كما أن سياق الأحداث الأفغانية الآنية، وتمسُّك الأوروبيين والأمريكان بمقولة “نتابع تصرفات طالبان وسنحكم عليها في ظل معرفة المزيد” أمر يجعل المشهد الأفغاني أكثر غموضاً، ويفتح الباب على سيناريوهات مختلفة، بل مخيفة أحياناً، ومن الصعب كذلك فصل ما يجري في الساحة الأفغانية عن الدول العربية.
على هامش ذلك، قدم الرئيس الأمريكي جو بايدن شكره الشخصي لجهود الإمارات في تسهيل عمليات الإخلاء والإجلاء الإنسانية، وذلك عبر اتصاله بسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، كما أثنى قادة بريطانيا وإسبانيا وألمانيا وأستراليا وغيرهم على الموقف الإماراتي “الحكيم” و”غير المستغرَب” خلال عمليات إجلاء الدبلوماسيين من مطار كابول.
خلاصة الأمر في المسألة الأفغانية، أن المنطقة مليئة بالصراعات والحروب، وحاجة الشعوب إلى السلام والهدوء ليست ترفاً سياسياً أو مطلباً تعجيزياً، بل هي حاجة ماسة نابعة من حرص الإنسان على العيش بكرامة.