ضغط أميركي لفرض تهدئة مقيّدة بين إسرائيل وحزب الله
في خضم التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة بشن هجوم عسكري على لبنان، شهدت منطقة الناقورة الحدودية، الأربعاء، لقاءً غير مسبوق جمع ممثلين مدنيين إسرائيليين ولبنانيين تحت رعاية واشنطن التي تُمارس ضغوطا على الطرفين في محاولة مستميتة لمنع تدهور الأوضاع إلى حرب جديدة قد تُعقّد المشهد الإقليمي بأكمله. وبينما يرى خبراء ومحللون في هذا التطور “اختراقًا دبلوماسيًا” قد يُبطئ سباق التصادم، تتضارب التصريحات بين تل أبيب وبيروت حول طبيعة هذا الحوار ومداه المستقبلي.
وعلّق رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، على اجتماع الناقورة، مؤكدًا أنه “عُقد بأجواء إيجابية، وتقرر بلورة أفكار لتعزيز إمكانية التعاون الاقتصادي بين الجانبين”. وأضاف في بيان أن “إسرائيل أوضحت أن نزع سلاح حزب الله مطلوب بغضّ النظر عن التقدم في موضوع التعاون الاقتصادي”.
في المقابل، أشار رئيس الحكومة اللبنانية، نواف سلام، في إفادات لقناة “الجزيرة” القطرية، إلى استعداد بلاده لخوض “مفاوضات فوق عسكرية” مع إسرائيل، مؤكدًا أن خطوة ضم دبلوماسي لبناني سابق إلى اللجنة تحظى بـ”مظلة وطنية وحصانة سياسية”. ومع ذلك، سارع سلام الأربعاء إلى وضع الخطوة في سياقها الصحيح، موضحًا أن نتنياهو “ذهب بعيدًا” في توصيفه، وأن لبنان ليس بصدد الدخول في مفاوضات سلام، وأن أي تطبيع فعلي سيبقى مرتبطًا بعملية السلام الشامل.
وقالت قناة “إسرائيل 24” (خاصة) اليوم الخميس إن الاجتماع المقبل بين المسؤولين سيعقد في 19 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وهو موعد لم تؤكده بيروت أو تل أبيب أو واشنطن بعد.
تهديدات قائمة واختراق دبلوماسي
وجاء اجتماع الأربعاء ليخفف من حدة الأحاديث التي انتشرت في الإعلام الإسرائيلي خلال الأيام القليلة الماضية، والتي كانت تتحدث عن “تحرك عسكري لا مفر منه”. وكانت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية أعلنت أن “تل أبيب تستعد لتصعيد لمواجهة احتمال تدهور الأوضاع الأمنية في لبنان على خلفية تعاظم قدرات حزب الله”.
وفي تحليل لصحيفة “هآرتس” الخميس، رأى تسفي بارئيل أن تعيين مستشار الأمن القومي، أوري ريسنيك، رئيسًا للوفد الإسرائيلي، بالتوازي مع تعيين الدبلوماسي اللبناني المخضرم سيمون كرم رئيسًا للوفد اللبناني في لجنة مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، يمثل “اختراقًا دبلوماسيًا قد يُبطئ أو حتى يُوقف السباق نحو صدام عسكري بين البلدين”.
وأوضح بارئيل أن هذه الخطوة تُعدّ “سياسية مهمة” بالنسبة للبنان، إذ كانت القيادة اللبنانية ترفض حتى الآن منح لجنة المراقبة (الميكانيزم) أي صلاحية لإجراء مفاوضات سياسية يمكن تفسيرها كـ”بداية رحلة نحو التطبيع مع إسرائيل”. وقد أنشئت هذه اللجنة التقنية العسكرية بموجب إعلان وقف الأعمال العدائية بين البلدين” في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وتضم لبنان وفرنسا وإسرائيل والولايات المتحدة وقوة الأمم المتحدة بجنوب لبنان (يونيفيل).
ويرى المحلل أن موافقة لبنان على الدخول في مفاوضات دبلوماسية، لا عسكرية فقط، “جاءت بعد أن اعتُبر خطر توسع الحرب حقيقيًا وقائِمًا”، مصحوبًا بـ”ضغط سياسي أميركي مكثف على بيروت، وضغوط عربية على واشنطن لتهدئة إسرائيل”.
اختبار النوايا وخطوات مقبلة
ويشير بارئيل إلى أن سلوك إسرائيل في الأيام المقبلة سيُظهر ما إذا كانت ستتراجع عن مبدأ “إجراء المفاوضات تحت النار فقط”، بينما سيُطلب من لبنان إثبات قدرته على تطهير الجنوب من أسلحة حزب الله ومنشآته. ويُرجّح أن تستغرق خطوة نزع السلاح في شمال البلاد وقتًا أطول، خاصة في ظل سعي الرئيس جوزيف عون ورئيس الوزراء سلام للتوصل إلى اتفاقات مع الحزب.
وكان مجلس الوزراء اللبناني أقر في 5 أغسطس/آب الماضي حصر السلاح بيد الدولة، بما فيه سلاح حزب الله، وتكليف الجيش بوضع خطة وتنفيذها قبل نهاية العام 2025. غير أن الأمين العام للجماعة نعيم قاسم أكد مراراً أن الحزب لن يسلّم سلاحه.
ويؤكد بارئيل أن الاختبار الحقيقي لسلوك حزب الله لن يكون في موقفه من المفاوضات الدبلوماسية، بل عندما يبدأ الجيش اللبناني بـ”نزع السلاح بشكل ممنهج في شمال لبنان والبقاع”. ويتوقع أن تُزوّد الولايات المتحدة الحكومة اللبنانية بـ”ذخيرة دبلوماسية وسياسية” لتسهيل التوصل إلى اتفاقات مع حزب الله أو حشد الشرعية الشعبية لمواجهته.
وفي المقابل، من المتوقع أن تُقدم إسرائيل على “إنجازات دبلوماسية”، مثل الانسحاب من المواقع الخمسة التي تسيطر عليها داخل لبنان، وإعادة السجناء اللبنانيين، والسماح بعودة آلاف النازحين اللبنانيين إلى ديارهم.
الضغوط الأميركية هي المفتاح
من جهته، أشار المحلل في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إيتمار إيشنر اليوم الخميس، إلى أن الولايات المتحدة تمارس “ضغوطًا شديدة” على إسرائيل ولبنان لمنع انهيار وقف إطلاق النار. وأكد مسؤول إسرائيلي – بعد أن كانت إسرائيل تتحدث عن تحرك استباقي ضد حزب الله – أنه “لا يوجد قرار بالتصعيد بشكل قاطع”، موضحاً أن “العامل الأميركي أساسي في عملية صنع القرار”.
ولفت إيشنر إلى أن اللقاء عقد تحت ضغط ووساطة من واشنطن، بعد أن التقت المبعوثة الأميركية الخاصة إلى لبنان، مورغان أورتاغوس الثلاثاء نتنياهو ووزير الدفاع ورئيس جهاز الاستخبارات، الذي قدم لها معلومات حول “تعزيز حزب الله قوته وعجز الحكومة اللبنانية في مواجهته”. وحضرت أورتاغوس اجتماع الناقورة، وكان من المهم للأميركيين تقديم مظهر “المحادثات بين الحكومات”، حيث كانت اجتماعات لجنة الرقابة تقتصر سابقاً على الممثلين العسكريين.
وختم إيشنر بالقول إن “الأجواء تبدو الآن قد هدأت قليلًا بعد اللقاء المباشر”، مرجحاً أن يكون ذلك بسبب الضغط الأميركي وتأثير واشنطن الهائل على السياسة الإسرائيلية.
تمهيد مبكر للتطبيع؟
أما المحلل في صحيفة “إسرائيل اليوم”، داني زاكين، فقال اليوم الخميس، إن هذا الاجتماع قُدّم على أنه “تمهيدٌ مبكرٌ للتطبيع النهائي”، حتى لو ظلت الاتفاقات السياسية الفعلية بعيدة المنال. واعتبر أن هذه الاتصالات تمثل تحولًا هامًا، فخلال مفاوضات الحدود البحرية السابقة، رفض لبنان إرسال مسؤولين مدنيين، وكانت المحادثات تتم عبر وسطاء عسكريين.
واعتبر زاكين أن هناك الآن مسارين منفصلين: الحملة ضد حزب الله وجهود تفكيك ترسانته العسكرية، والعملية السياسية مع لبنان، مضيفا أن الإدارة الأميركية منحت إسرائيل “الضوء الأخضر” لمواصلة عملياتها العسكرية ضد الجماعة الشيعية، بينما تضغط في الوقت نفسه على الدولة العبرية لدعم خطوات تُقرّب الحكومة اللبنانية والرئيس عون من واشنطن وتُعزّز تدابير بناء الثقة.







