صراع أردوغان وماكرون
كلف أوباما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبتمويل من دويلة قطر بقيادة ما كانوا يسمونه حينها الشرق الأوسط الجديد، لكن المشروع لم يفشل فحسب، بل انعكس إلى تفشٍ للكراهية والإرهاب والدمار. أوباما ومعه وزيرة خارجيته كلينتون كانا يظنان أن أردوغان، ومعه جماعة الإخوان المسلمين، ودويلة قطر، يمثلون (الإسلام المعتدل)، إلا أن حساباتهم كانت خاطئة، وجاء في النتيجة أن أردوغان تفجرت شروره في كل مكان، وأصبح يمثل قلقاً للقارة الأوربية، ولفرنسا بشكل خاص. الأوربيون، وعلى رأسهم فرنسا، بدؤوا بعد عنتريات أردوغان، وتوظيفه (الإسلاموي) في مشروعه السياسي، يستشعرون خطر (الإسلام السياسي)، الذي يتكئ عليه أردوغان في كل ممارساته السياسية. ماكرون، وبهدف تقليم أظافر المتأسلمين المسيسين وللحفاظ على ما سماها قيم فرنسا العلمانية، اتخذ قرارات صارمة وحازمة في مواجهة الإسلام السياسي، وهي بكل حياد إجراءات في غاية التعسف، وتتعارض مع قيم الحرية نفسها، خاصة ومقولة أن الدولة لا دين لها، وتقف من جميع الأديان على مسافة متساوية، لكن ما نتج عن خطاب الإسلام السياسي العنيف، جعله يُضحي إلى حد كبير بالتسامح الثقافي، الذي اشتهرت به الثورة الفرنسية، وينتهج مثل هذا النهج، لأن التسامح مع الإرهاب تفريط بالحرية نفسها.
تجربة أردوغان ومعها تجربة ماكرون، تجربتان معاصرتان ستؤثران بلا شك في العالم الغربي بأجمعه، بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية، تأثيرًا جوهريًا؛ ولكن، وكما نقول ونكرر، فالمشكلة ليست في دين الإسلام كدين، وإنما في امتطائه من قبل المسيسين كوسيلة حزبية لتحقيق غايات سياسية. وهذا ما لم يكن يدركه على ما يبدو منظرو الحزب الديمقراطي الأمريكي بوضوح، حينما توهموا أن إسلام الإخوان يمكن أن يُقدم نموذجًا مدنيًا ومعاصرًا للإسلام. الآن أصبح الأمر في غاية الوضوح، وأنا على يقين تام أن كثيرًا من الأوربيين سينحون مضطرين منحى فرنسا، لأن القضية أصبحت تمس أمنهم القومي.
وإذا كان التيار اليساري في أوروبا وكذلك أمريكا مضمونه ومراميه (احتجاجًا) على الرأسمالية، فإن التأسلم المسيس، بعد سقوط اليسار بسقوط الاتحاد السوفييتي، أصبح يقوم الآن بذات الدور؛ وهذا هو السبب في رأيي الذي جعل أغلب البقية الباقية من يساريي أوروبا وأمريكا يصطفون مع المتأسلمين، رغم التباين الكبير في المضمون والأهداف بين تيار اليسار وتيار الإسلام كدين أو حتى كأيديولوجيا. إلا أن تنامي الأحزاب اليمينية في أغلب الدول الأوربية وكذلك أمريكا، التي تناصب المهاجرين المسلمين العداء، وتعتبر اندماجهم في ثقافتها، شرط مبدئي للقبول بهم كمهاجرين، سيجعل الغرب مضطرًا لاتخاذ قرارات إجرائية من شأنها كبح جماح تفشي شعبية اليمين المتطرف وتسلم السلطة، وإلا فإن الأنظمة الفاشية التي ذاقت منها أوروبا الأمرين ستعود إلى الحياة من جديد.
وكما تقول الأرقام فإن أردوغان لن يفوز في انتخابات 2023 القادمة، وبسقوطه لن يسمح الأمريكيون والأوربيون لمتأسلمي تركيا المسيسين بالعودة للسلطة في تركيا ثانية، خصوصاً أن استثمارات تركيا وبالتالي اقتصادها، يتحكم فيه الأوربيون والأمريكيون، سواء من حيث التمويل، أو تسويق المنتجات التركية، فهم من صنعوه في البداية وهم من سوف يسقطوه في النهاية، ولن يسمحوا لأردوغان، ولا لأي أحزاب مشابهة بالعودة.
بقي أن أقول إن فرح المتأسلمين بسقوط ترامب وفوز بايدن لن يستمر طويلاً والأيام ستثبت ما أقول.
إلى اللقاء
*نقلاً عن “الجزيرة“