صدقة جارية على روح شيرين

حاتم سعيد


مدفع كبير نزعت عنه المطربة المصرية شيرين سدّادة الفَوْهة.. أشعلت فتيل قنابله وتركته دون حراسة.. سقطت مقذوفاته كرعد أصمَّ المستمعين.. وخلال 40 دقيقة كانت الزخّات تجرح الجالسين.

تعلم شيرين أن بينها وعبير الكلمات حاجزًا ليس كمثله شيء، لكنها لا تتمسك بالصمت سلاحًا، تستسهل فكَّ أسر كاسرٍ في البريَّة، فيما يُثقل كاهلها التفكير فيما سيحدث للرعيّة، فهي كما كتبتُ يومًا “لسان يكره حنجرته” الذهبية.

لنقُلْ إنها شعرت بـ”الظلم، والقهر، والكبت، والإهانة”، لكنها لم تخترْ قطّ السبيل الممهدة لمسيرتها، لم تتعلم من الماضي، والخوف ألا تتعلم من الآتي.

اختارت شيرين، حسام حبيب زوجًا، بمحض إرادتها، لم تُعلن قصة حبهما للعامة إلا عند تتويجها، وعلى النقيض نعيش معها ما تتعرض له من “ظُلم”!

ما لي أسلّم نفسي وأموالي وبيتي وأعمالي وأبنائي سرًّا لمن اخترته حبيبًا ومالكًا لكينونتي، ثم أشكو علنًا ضعف قوتي وقلّةَ حيلتي؟!

نعم، نحن كما قال النبي محمد: “كل ابن آدم خطّاء، وخير الخطائين التوّابون”، لكن عن أي توبة تتحدث شيرين؟

حرماننا من مجهودها المجتمعي والفني، أم حرمان نفسها من الاستقرار الإنساني؟

شيرين لا تتعمق في التفاصيل أبدًا، متقلبة المزاج، ولا تنسى أبدًا الإساءة، ولعل هذا ما جعلها تستدعي اسم الموسيقار المصري حسن أبو السعود بعد 15 عاما من وفاته، لم تقصد إهانة عابِرٍ انتهتْ رحلته، لكنها لم تنسَ قط أنه صاحب أول قرار يمنعها من الغناء عند خلافها مع منتجها ومكتشفها نصر محروس.

شيرين تعيش حياتها وكأنها الفتاة الصغيرة، التي تمرح في أزقة حي “القلعة” التاريخي العريق بقاهرة المُعز، لم تدرك حتى الآن أنها أصبحت قائدة مجتمعية وليست مطربة فقط.

في العهد الجديد بسفر يشوع بن سيراخ -الإصحاح 26 الآية 18: “المرأة المُحبّة للصمت عطيّة من الرب، والنفس المتأدبة لا يُستبدل بها”، لذا كانت أم كلثوم تفكر مليًّا قبل خروج الكلمة، كانت تصمت طويلا عندما يُوجَّه إليها سؤالٌ، وتفتح حقيبتها وتبحث عن لا شيء، لا شيء بالفعل، ولكنها تفكر بشكل عميق عن ردٍّ موزون -حتى وإنْ خرج كدعابة- لتقفز فوق السؤال بقهقهة تمر على الجميع مثل السحابة.

شيرين لا تنظر إلى الميكروفون على حقيقته، لا ترى فيه هيئة العفريت أبدًا، دائمًا ما تعتقد أنه لعبة الملاءة ذات العينين، وهي لا تجيد اللعب من الأساس.. لم تنتظر الحل من السماء في خلافها مع نصر محروس أو تامر حسني أو عمرو دياب أو حتى مع حسام حبيب، الكل سواء، الانتقام علني بترك لسانها على مصراعيه، لم يمر عليها سفر مراثي إرميا (26:3) بالعهد القديم: “جيدٌ أن ينتظر الإنسان ويتوقع بسكوت خلاصَ الرب”..

لم تتدبر قول الحق في الآية (3) من سورة آل عمران: “قال رب اجعل لي آية، قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا”.. بعكس حسام حبيب، الذي عمل -دون إدراك- بما جاء في سفر المزامير (39:9) بالعهد القديم: “صَمَتُّ.. لا أفتح فمي، لأنك أنتَ فعلتَ”، سكت “حسام” فتحدثت شيرين، فكانت للجميع كعفريت يخرج من قمقم.

حسام حبيب أكثر دهاءً في هذا الخلاف، لم يتحدث منذ بداية الأزمة إلا بتصريح مقتضب بعد المكالمة، لا شيء يُذكر إلا “سأقاضيها”، لتدخل شيرين دوامة الإعلام وما قيل ومَن قال وتنسى دورها الأهم.

وقعت شيرين في الخطأ، أو “أوقعها حسام بعدما فاض بها”، الشاهد أن ما هو قادم من الزوج السابق و”العدو الجديد” سيكون أمام الجميع رد فعل، في حين أنها أصبحت “الضحية” والطائر الجارح.

أنصحها -كصدَقة جارية على روح أهم صوت مصري- بأن تضع مسيرة أم كلثوم أمام ناظريها.. فالأخيرة تعلّمت الفرنسية ما أنْ ذاعت شهرتها لتواكب تطورات المرحلة، جابت العالم دعمًا للمجهود الحربي المصري بعد نكسة 1967 فأصبحت بطلة قومية.

دعكِ من المجهود الحربي!.. لماذا لا تفكرين في زيارة مستشفى 57357 لسرطان الأطفال في طنطا وتدعمينه؟.. هل تعتقدين أن أغنياتك الوطنية “المرحلية” ستُخلّد اسمك في سجل الشعب؟! ألا تجدين مُخلصًا واحدًا بين الآلاف من معارفك ينصحك بصدق؟

ليس مطلوبًا منك أن تكوني “أنجلينا جولي الشرق”، ولكن إذا صعُبت السبيل عليكِ فاطلبي النصيحة من الفنانة العربية ذات النزعة الإنسانية هند صبري، فهي تعرف جيدًا دروب المشرّدين العرب في مخيمات اللاجئين.

عليكِ شيرين أن تنظري إلى صداقات عبد الحليم حافظ مع المثقفين لتكوني مثله، ولتَعْلي بفكرك وبحديث لسانك.. فمكالمتك الأخيرة تكشف أنك خرجت من عباءة الفقر إلى عنان السماء، فالتهمكِ وحشُ الشهرة، ولم تصادفي ناصحًا، واكتفى مَن حولك بدور صديق النجمة دون إضافة.

عليكِ أن تدركي أن عثرة قدم أسلم من عثرة لسان، ورُبَّ سُكوتٍ أبلغ من كلام، وعليك أن تتعلمي أن الصمت هو نوع من الغناء، والسكون هو الصديق المكنون.

على المقربين منكِ أن يتصدقوا عليك بالنصيحة -كما أفعل- لعلكِ تتقبلينها الآن بعد الذي كان، وتعي أن كل شيء يبدأ بكلمة.. قصص الغرام تبدأ بكلمة.. وتنتهي بكلمة.. وينفطر القلب بكلمة.. ويحيا بكلمة.. والأهم التمهل قبل التفوّه بأي كلمة.

Exit mobile version