شهادات صادمة عن استهداف إسرائيلي متعمد للمدنيين الباحثين عن الطعام

نشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية، تحقيق استقصائي، بشأن الأدلة البصرية والشهادات الحية والتقارير الطبية عن أنماط القتل في قطاع غزة، في ظل استمرار إطلاق الاحتلال الإسرائيلي النيران على الفلسطينيين الذين يسعون للحصول على الطعام في مواقع توزيع المساعدات في قطاع غزة.
يسلط التقرير الضوء على معاناة الفلسطينيين، ومن بينهم الشاب إيهاب نور، وهو حلاق يبلغ من العمر 23 عامًا، الذي وجد نفسه مستلقيًا على الرمال خلف أسلاك معدنية متشابكة، محتميًا من وابل الرصاص الثقيل المنهمر من الرشاشات، بينما كان مئات الفلسطينيين يهربون حاملين حقائبهم التي كانوا يأملون أن يملأوها بالطعام.
الوجه الآخر للحقيقة
استند التحقيق إلى تحليل أكثر من 30 مقطع فيديو تُظهر إطلاق نار بالقرب من مواقع توزيع الطعام التي تديرها مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)، وهي مؤسسة مدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل.
خلال 48 يومًا من التحقيق، أصيب أكثر من 2000 فلسطيني، معظمهم برصاص الجيش الإسرائيلي. وتُظهر اللقطات أصوات إطلاق نار من رشاشات في 11 يومًا على الأقل بالقرب من هذه المواقع، كما أكد خبراء الأسلحة أن الذخائر المستخدمة، التي تم انتشالها من أجساد المصابين، هي من النوع الذي تستخدمه القوات الإسرائيلية.
شهادات مروعة من الميدان
إيهاب نور، الذي تعرض لإطلاق النار أكثر من 10 مرات بالقرب من مواقع توزيع الغذاء، يروي تجربته المروعة، قائلاً: “هكذا نحصل على الطحين في غزة. نريد فقط أن نعيش، كفى ظلمًا”.
وفي إحدى اللقطات، تظهر دبابة إسرائيلية بوضوح بينما تُسمع أصوات الرصاص. وفي حادثة أخرى، يروي محمد سليمان أبو لبدة، وهو شاب في العشرين من عمره، كيف كان ينتظر لساعتين في موقع التوزيع عندما فتح الجيش الإسرائيلي النار على الحشد، ويصف كيف تمزق جسد الرجل الذي كان بجانبه، حيث تم نقل بقاياه في الحقيبة التي جلبها لجمع الطحين”.
أرقام صادمة وإصابات مروعة
ووفقًا للأمم المتحدة، قُتل ما لا يقل عن 1373 فلسطينيًا منذ 27 مايو أثناء سعيهم للحصول على الطعام، منهم 859 بالقرب من مواقع مؤسسة غزة الإنسانية، و514 على طرق قوافل الطعام.
وفي مستشفى ناصر في خان يونس ومستشفى ميداني تابع للصليب الأحمر في رفح، وصف الأطباء أعدادًا غير مسبوقة من إصابات الرصاص. وأكد معظم المرضى الذين كانوا في حالة تسمح بالتحدث أنهم أصيبوا برصاص الجيش الإسرائيلي أثناء محاولتهم الوصول إلى مواقع توزيع الطعام.
تحليل الذخائر وآراء الخبراء
شارك أطباء من مستشفى ناصر صورًا لثماني رصاصات انتُزعت من أجساد المصابين بالقرب من مواقع المساعدات.
وبعد تحليل الذخائر، أكد الخبير البريطاني كريس كوب-سميث، أن إطلاق النار على حشود من المدنيين غير المقاتلين بهذا الشكل “متهور وغير مسؤول”، مشيرًا أنه لا يوجد مبرر تكتيكي لاستخدام الأسلحة النارية بهذا الحجم.
ومن جانبه، قال الخبير الأمريكي تريفور بول: إن الرصاصات تتطابق مع عيار 7.62×51 ملم، وهو عيار قياسي تستخدمه القوات الإسرائيلية، إلى جانب رصاصات عيار 0.50، التي تُستخدم في الرشاشات الثقيلة الإسرائيلية.
إصابات مستهدفة ونمط متكرر
وزار البروفيسور نيك ماينارد، جراح استشاري في مستشفى جامعة أوكسفورد، غزة منذ عام 2010، وأشار أن الإصابات التي شاهدها منذ افتتاح مواقع توزيع الطعام تتركز بشكل لافت في أجزاء معينة من الجسم، مثل الرقبة والرأس والأذرع، مما يوحي بأنها عملية استهداف متعمدة.
وأضاف: “في إحدى الليالي، استقبلنا أربعة مراهقين أصيبوا جميعًا في أعضائهم التناسلية”. فيما وصف الجراح غوهير راهبور في مستشفى ناصر ارتفاعًا غير عادي في أعداد الحوادث الجماعية، معظمها بين الأولاد الصغار العائدين من مواقع المساعدات.
انتهاكات القانون الدولي
وأكد البروفيسور عادل حق، أستاذ القانون في جامعة روتجرز، أن هذه الأفعال تشكل انتهاكات جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة وجرائم حرب بموجب القانون الدولي العرفي وميثاق المحكمة الجنائية الدولية.
وقال: “لا يمكن تبرير إطلاق النار على مدنيين عزل من مسافة بعيدة بأنه دفاع عن النفس، فهذا غير معقول وغير متناسب”.
ونفى الجيش الإسرائيلي بشكل قاطع الاتهامات باستهداف المدنيين عمدًا، مؤكدًا أن تعليماته تمنع إطلاق النار على القاصرين، وأنه يعمل وفقًا للقانون الدولي.
وأشار إلى أنه أجرى عمليات مراجعة لتقليل الاحتكاك مع السكان من خلال إجراءات مثل تركيب الأسوار ووضع اللافتات.
ومن جانبها، اتهمت مؤسسة غزة الإنسانية صحيفة “الغارديان” بدعم منظمة إرهابية، مدعية أن الإحصاءات المستخدمة في التقرير مبالغ فيها ومتوافقة مع بيانات وزارة الصحة في غزة التي تسيطر عليها حماس.
مأساة مستمرة
وأكدت الصحيفة البريطانية، أنه على الرغم من الادعاءات الإسرائيلية بأن مواقع توزيع الطعام تهدف إلى تمكين المدنيين من الحصول على المساعدات بأمان، إلا أن الأدلة تشير إلى عكس ذلك.
ويواصل الفلسطينيون مثل إيهاب نور المخاطرة بحياتهم للحصول على الطعام، بينما يعيشون في خيام تحت وطأة الجوع والخوف.
ومع إعلان السفير الأمريكي في إسرائيل عن خطط لتوسيع مواقع التوزيع، تظل الأسئلة قائمة حول كيفية ضمان سلامة المدنيين في ظل هذا النمط من العنف الممنهج.