سياسة

“شرطة الأخلاق” تعود لفرض الحجاب الإلزامي على الإيرانيات


تشهد إيران، مجدداً، انبعاث أزمة فرض الحجاب بين النساء، وتعقّب المخالفات لارتدائه، عبر ما يُعرف في الجمهورية الإسلامية بـ “شرطة الأخلاق”، التي تفرض الغرامات المالية أو السجن أو الجلد، وغيرها من العقوبات، ضدّ من لا يلتزم بالزيّ الذي حدّدته الدولة والقانون.

الزخم الذي يترافق وتلك القضية الإشكالية، التي تثير مواقف وآراء عديدة، من مواقع سياسية وحقوقية ونسوية متفاوتة، يكشف واقع سلطة الملالي، التي تؤبّد نموذجاً قسريّاً للحكم، يفرض حالة قيمية وسلوكية عامة على المجتمع بكامل أفراده، بهدف الطاعة والالتزام والانضباط، ودون تمييز أو خطوط فاصلة.

الولي الفقيه.. تحريض دائم وحقوق مطلقة
تعكس تلك القضية التي أثيرت بقوة مع حملة ما عُرف بـ “الأربعاء الأبيض”، قبل عامين، ودشّنتها صحفيّة إيرانية، تقيم في الولايات المتحدة، وتهدف إلى مواجهة الحجاب الإلزامي، مقاومة النظام لكلّ التيارات والأشكال الاحتجاجية، التي تحاول أن تنافسه على مواقع نفوذه، وتسعى إلى التشكيك في ميراث الجمهورية الإسلامية، القيمي والأخلاقي والسياسي، بحسب ما يندرج في ذهن النخبة السياسية والدينية للنظام، وبعض المرجعيات الحوزوية، فتتآكل المساحة الاجتماعية لهم، وتتشكل مساحة أخرى مغايرة، تنفتح على موجات الحداثة والأفكار الحقوقية.

ثمة تصعيد على مستوى الخطاب الأيديولوجي والسياسي، في جمهورية الملالي، تجاه جلّ الدعوات التي تتصدى إلى إلزامية الحجاب، يقابله بالحدّة والتشديد نفسهما، ترسانة القوانين والعقوبات التي تكون جاهزة في مواجهة المخالفين.

وكان المرجع الديني الشيعي، محمد علوي جرجاني، أكد في خطاب ألقاه أمام القوات الأمنية، على تشديد السلطة السياسية والدينية لأهمية الحجاب، وفرضه قسراً أو طواعية.

وقال جرجاني: “لا تدَعوا نعمة الحجاب تزول، والتعامل مع عدم ارتداء الحجاب هو مطلب مراجع التقليد، لقد قدّمت آلاف الشهداء، وكلّ هذه التضحيات، كي يحفظ الإسلام والشرف والحجاب”.

يمثّل ذلك الخطاب، الذي نقلته وكالة “تسنيم” الإيرانية الرسمية، حالة قصوى من نموذج الحكم الديني، والذي يحشد عبر الزيّ، وبعض المظاهر الخارجية للإنسان، في نمط حياته اليومي والسلوكي، قيم السلطة والدين معاً؛ فيترتب على ذلك أن يصبح الحجاب بمثابة قيمة معنوية، تتماثل عضوياً مع الإسلام، والخروج عليه إهدار للدين، والتضحيات التي بذلت في سبيل بقائه، وتحت وطأة هذا الشحن الأيديولوجي، تؤسّس حالة فاشية وإكراهية باسم الدين، تنمحي معها حقوق الفرد المدنية والمواطنية، وتتلاشى فيها حرية المرء وخصوصيته.   

قانون جديد للحجاب
وتشرع الحكومة في طهران، منذ شهور قليلة، في تنفيذ وتطبيق مشروع جديد باسم “المراقب الواحد”، خاص بمسألة الحجاب، ومهمته موكولة للجهات الأمنية. وبحسب قائد القوات الأمنية في إيران، فإنّ “مسألة الحجاب هي خطّ أحمر بالنسبة إلى القوات الأمنية”.

وكشفت بعض تفاصيل التطبيق الجديد، المعروف بـ “المراقب الواحد”، لمواجهة مسألة نزع الحجاب، كما ورد في الصحف المحلية الإيرانية؛ حيث قال إنّ “القوات الأمنية قد أعدت خطة “المراقب الواحد” للتعامل مع عدم ارتداء الحجاب داخل السيارات، ووضعتها قيد التنفيذ، وقد نظمت ووظفت عناصر علنية وسرّية، لتنفيذ ذلك، ومباشرة عملهم، وسترسل رسالة لمالك السيارة التي تكشف مَن فيها حجابها، ليراجع مركز الشرطة، خلال ثلاثة أيام، وسينبه في المرة الأولى ويؤخذ تعهّد عليه، وفي حال تكرّر الأمر، سينبه كذلك، وتوقف السيارة، بينما في المرة الثالثة، سيلاحق قضائياً”.

تستثمر دولة “ولاية الفقيه” المرأة، وبالأحرى جسدها، استثماراً سياسياً ودعائياً؛ إذ تتبلور من خلال الحجاب هويته السياسية، التي يتأطر داخلها نموذج الحكم، كما يروّج له، باعتباره يمثل حماية للدين؛ لذا، تعدّ قضية الحجاب، مسألة مركزية ولا تتأتى في هامش القضايا، سواء السياسية والدينية، وتتجاوز صراعات الأجنحة بين الإصلاحيين والمتشددين، وكذلك المعارك الانتخابية التي تكون تلك القضية وغيرها، أوراق ضغط وعناصر لحصد الأصوات بينهما.

ولا تخفي نبرة التصعيد لدى المرجعيات الشيعية، التي تنتمي للخطّ الولائي، الخوف والقلق الشديدين من ظاهرة خلع الحجاب، ومقاومة النساء للنظام، لدرجة أن عدّوها خطراً يتهدّد الدولة ومظاهرها الإسلامية؛ حيث صرّح جعفر السبحاني: بأنّ “الحجاب أخذ في الانخفاض في البلاد، وينبغي أن تؤخذ قواعد الحجاب والمعايير الدينية في الجامعات على محمل الجدّ”.

مرجعيات في خدمة المرشد
وفي ظلّ الحالة التعبوية ضدّ الاحتجاج النسوي في إيران، على إلزامية الحجاب، يظهر ثمة تناقض مع نظرية ولاية الفقيه بقراءتها الخمينية، التي ترى أنّه من حقّ الولي الفقيه أن يفرض على الناس ويلزمهم أو ينهاهم بما يراه، الأمر الذي تقرّ به فتاوى العديد من المرجعيات الحوزوية في قم، ممّن ينتمون للخطّ الولائي.

وإلى ذلك؛ تقوم شرطة “الأخلاق” في طهران، التي تطوف شوارع المدينة بمركباتها، بمراقبة وإخضاع جميع النساء للمراقبة، والبالغ عددهنّ نحو 40 مليوناً؛ إذ تكون مهمتها “إيقافهن وفحص ملابسهن، وتقييم عدد خصل الشعر الظاهرة للعيان، خصلة خصلة، وطول البنطال الذي ترتديه المرأة ومعطفها، وكمية مساحيق التجميل التي تضعها على وجهها”، كما توضح منظمة العفو الدولية.

وتتراوح عقوبة الإمساك بالمرأة، وهي سافرة الشعر، دون غطاء رأس، بين القبض والاحتجاز، أو الحكم بالسجن، أو الجلد، أو دفع الغرامة.

وبحسب المنظمة الدولية؛ فإنّه حتى عندما تغطي المرأة شعرها بغطاء الرأس، يمكن أن تعدّ مقصرة في الانصياع لقوانين الحجاب القسريّ، إذا ما ظهرت بعض خصل شعرها، على سبيل المثال، أو رأت شرطة “الأخلاق” أنّ ملابسها تزدهي بالألوان، أو ضيقة أكثر مما يجب، وهناك ما لا يحصى من القصص التي تروى، حول ممارسات شرطة “الآداب”؛ إذ تصفع النساء على وجوههن، وتضربهنّ بالهراوات، وتلقيهنّ في عربات الشرطة بسبب طريقة لبسهن.  

عدوان الميليشيات على المرأة
تقرّ القوانين والتشريعات التي جرى وضعها في إيران، منذ عام 1979؛ بأنّ كلّ فتاة تجاوزت 13 عاماً، يجب أن ترتدي حجاباً، وملابس طويلة تغطي كلّ الجسد، وفي حال مخالفة قواعد الزيّ المفروضة، تفرض السلطات غرامة، تصل إلى 500 ألف ريال على المرأة؛ أي ما يقارب 17 جنيهاً إسترلينياً.

وتحفل ممارسات أفراد شرطة “الأخلاق”، وغيرهم من أفراد الحرس الثوري، والعناصر الميليشياوية التابعة لهم، بالعديد من الانتهاكات ضدّ النساء، ناهيك عن الناشطات والمدافعات عن حقوق المرأة؛ حيث يتعرضن لإساءات بالغة ومهينة، وإلى عنف جسدي بالضرب والجلد.

ففي آذار (مارس) من العام الحالي، حكم على نسرين ستودة، المحامية الحقوقية، بالسجن لمدة 38 عاماً وستة أشهر، وبالجلد 148 جلدة، بعد اتّهامها بـ “التحريض على الفساد والبغاء”، على خلفية عملها كمحامية حقوقية، تدافع عن مجموعة من النساء، اللواتي قبض عليهنّ، لاحتجاجهن ضدّ قوانين الحجاب الإلزامي، ولمعارضتها هي نفسها للحجاب الإلزامي، ولنزعها غطاء رأسها في السجن.

بيد أنّ ثمة حالة وقعت، منتصف الشهر الماضي، عكست أكثر من مجرد عدوان حقوقي على المرأة؛ إذ أبرزت توحّش السلطة، وعناصرها المنبثة في شرايين المجتمع، دون عقل، حين تنحصر مهمتها فقط في التهجم والتهكم كذئاب، على من يعتبرونهم مخالفين لقيم الجمهورية الإسلامية؛ حيث تشير الكاتبة الصحفية اللبنانية، بادية فحص؛ أنّه في سابقة فريدة من نوعها في بلاد ولاية الفقيه، اعتقل عناصر “دورية الإرشاد” في طهران، امرأة بسبب عدم ارتدائها حمّالة صدر تحت ملابسها، متذرعين بأنّ “إقدام هذه السيدة على ارتكاب هذا العمل القبيح، يتسبّب في تحريك شهوات الرجال في الشارع”.

وتضيف فحص، في مقال لها: “أحد الموقع الإلكترونية المعارضة، أجرى مقابلة مع نرجس، التي أكّدت أنّها تعاني من “مرض تليّف الثدي” منذ أعوام، وهي تخضع لعلاج دائم، وتتناول أدوية، تسبّبت لها بحساسية جلدية حادّة، إضافة إلى الأوجاع”.

وتوضح الكاتبة الصحفية اللبنانية؛ أنّ مرض تليّف الثدي، أو داء الثدي الكيسي الليفي، مرض شائع عند النساء في سنّ الإنجاب، وهو عبارة عن تكيسات أو كتل حميدة، تؤدي إلى تضخم حجم الثدي، وتكون مؤلمة في حالات كثيرة، لذلك تلجأ المصابات إلى إهمال لبس حمالات صدر، بيد أنّ قصة نرجس مع “دورية الإرشاد”، ليست الأولى، رغم أنّ أسبابها تعدّ سابقة، ولن تكون الأخيرة، ذلك أنّ العمل ضمن مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يدخل مرحلة جديدة من القمع، في الجمهورية الإسلامية، بعد الاعتراضات الواسعة، والحملات المنظمة التي تقودها الجمعيات النسوية والنساء الإيرانيات عموماً، ضدّ الحجاب الإجباري، ودعماً لحرية اللباس.

نقلا عن حفريات

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى