سياسة

شحنة أسلحة جزائرية تشعل خلافات إقليمية في منطقة الساحل


بات التوتر هو السمة البارزة للعلاقات بين الجزائر ومالي، خصوصا مع الاتهامات المتزايدة للأخيرة بدعم الانفصاليين، وجاء آخرها مع إعلان هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة في مالي، عن إحباط عملية تهريب كبرى لشحنة ضخمة من المعدات اللوجستية والعسكرية. كانت موجهة إلى تنظيم إرهابي ينشط داخل الأراضي المالية، قادمة من إحدى “دول الجوار”، في إشارة ضمنية إلى الجزائر ما يؤجج العلاقات أيضا مع دول الساحل.

وتُعد منطقة الساحل الإفريقي من أكثر المناطق اضطرابًا في القارة الإفريقية. وتشكّل دولة مالي مركزًا لهذا الاضطراب بسبب التداخلات الإثنية والسياسية والتدخلات الخارجية. وتُتهم الجزائر منذ سنوات بلعب دور مزدوج في الملف. حيث سبق أن لعبت دور الوسيط في العلن، بينما ذكرت تقارير عديدة  أنها تدعم الحركات الانفصالية، خصوصًا الطوارق في شمال مالي، بما يتماشى مع مصالحها الإقليمية.

وذكر بيان رسمي للكولونيل مريم ساغارا باسم القوات الملسحة المالية. فإن الأسلحة والمعدات اللوجيستية التي تم حجزه تم تصنيعها في دولة آسيوية وشُحنت عبر دولة في المنطقة. لكن لم يتم الكشف عن هوية هذه الدولة.

وأضاف ساغارا أن العملية جاءت ثمرة تعاون استخباراتي وثيق بين أجهزة الأمن التابعة لدول “تحالف دول الساحل” الذي ضم مالي وبوركينا فاسو والنيجر. وبدعم من “دولة شريكة في المنطقة”، مشيرة إلى أن هذه العملية تؤكد تزايد فعالية التنسيق الأمني لمواجهة الشبكات الإرهابية المنتشرة في منطقة الساحل.

وكشفت السلطات المالية في البيان أن الشحنة المحجوزة تضم معدات ذات طابع عسكري، من بينها 20 مدفعا هوائيا مزودا بأجهزة تعبئة، و4 آلاف توربين، و3280 زوجا من الأحذية العسكرية، و4 آلاف زي ميداني، بالإضافة إلى 4040 شارة تحمل اسم التنظيم الإرهابي، و1040 قطعة أخرى موسومة بالشعار ذاته.

كما شملت المحجوزات أيضا 20 صندوقا من القمصان العسكرية. ما يعكس طابعا احترافيا لعملية الإمداد، وفق البيان “تورط جهات خارجية في دعم هذه المجموعات المسلحة، في محاولة واضحة لزعزعة استقرار بلدان تحالف دول الساحل”.

ويعود الصراع في شمال مالي إلى عقود، حيث تطالب بعض مجموعات الطوارق، وعلى رأسها “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” بانفصال إقليم “أزواد” الواقع شمال البلاد. وتُعد الجزائر دولة جوار أساسية، تشترك بحدود طويلة مع مالي. كما تضم داخل أراضيها أقلية من الطوارق، ما يجعلها لاعباً مباشراً في الملف.

وسبق أن اتهمت مالي صراحة الجزائر بدعم التنظيمات الإرهابية الانفصالية المتواجدة في شمال البلاد بالقرب من الحدود الجزائرية. وطالبتها بالتوقف عن التدخل في شؤونها الداخلية، قبل أن تتطور العلاقات إلى قطيعة ثنائية بين البلدين.

وأكدت هيئة الأركان المالية، أن السلطات القضائية باشرت على الفور تحقيقا معمقا لتحديد المسارات التي سلكتها الشحنة. والكشف عن كافة الشبكات الضالعة في العملية، سواء داخل البلاد أو في دول الجوار.

ونددت القيادة العسكرية المالية في البيان بما وصفته بـ”الضلوع الأجنبي” المتكرر في تأجيج التوترات في منطقة الساحل، محذّرة من مغبة مواصلة هذا النهج الذي يهدد السلم والأمن الإقليميين. ويقوّض الجهود المبذولة لإرساء الاستقرار.

وشددت مالي على أن قواتها المسلحة ستواصل “بلا هوادة” عمليات المراقبة والرصد والتدخل، لحماية وحدة البلاد وضمان أمن المواطنين. بالتوازي مع جهود التنمية وإعادة الإعمار في المناطق المتضررة من النزاعات.

ورغم نفي الجزائر المتكرر لتدخلها في الشؤون الداخلية لجيرانها، إلا أن عدة مصادر سياسية وتقارير استخباراتية فرنسية ومالية تحدثت عن أشكال متعددة من الدعم. منها دعم سياسي ودبلوماسي عبر تمكين بعض الحركات الانفصالية من التعبير عن مواقفها في الجزائر، ومشاركتها في مفاوضات برعاية جزائرية مثل “اتفاق الجزائر” عام 2015.

ومن أشكال الدعم أيضا اللوجستي والاستخباراتي .حيت وجهت اتهامات للجزائر بتسهيل تنقل عناصر انفصالية على الحدود، وغض الطرف عن أنشطة التهريب في الجنوب الجزائري. بالإضافة الى احتضان احتضانرموز انفصالية مع وجود قيادات من الطوارق في العاصمة الجزائرية أو مناطق قريبة من الحدود تحت حماية غير مباشرة.

ويفسر محللون الدعم الجزائري المزعوم بعدة عوامل، من أهمها الرغبة في الهيمنة على ملف الساحل فالجزائر تحرص على أن تكون الوسيط الرئيسي في أزمات المنطقة. وتحجيم دور منافسيها الإقليميين مثل المغرب أو فرنسا.

واستخدام ورقة الطوارق كأداة ضغط بالحفاظ على نفوذها في مالي من خلال دعم حركات انفصالية يُمكّنها من التأثير على الحكومات المالية الضعيفة. وتجنب انتقال النزاع إلى أراضيها عبر استرضاء بعض جماعات الطوارق لضمان عدم تأجيج نزعات انفصالية داخل الجزائر نفسها.

لكن هذا الدعم يحمل العديد من الجوانب السلبية الخطيرة، إذ أن مساندة الحركات الانفصالية يُضعف الدولة المركزية في مالي. ويُوفر بيئة خصبة لانتشار الجماعات الإرهابية مثل “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” و”داعش”. وتسببت هذه السياسة بعلاقات الجزائر متوترة مع دول كالمغرب ومالي والنيجر.

 

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى