سياسة

سوريا والمجتمع الدولي.. ملامح العودة

عبدالحميد توفيق


منذ سنوات والأزمة السورية تفرض نفسها على جدول أعمال المجتمع الدولي.

الجميع يدرك خطورة تشظي الدولة السورية وانعكاساتها على الأمن القومي العربي وعلى الأمن الإقليمي والدولي.

لقد تشعّبت الهزات الارتدادية للأزمة فحملت معها كثيرا من الاضطراب في المنطقة والعالم.. واليوم تغيرت كثير من الظروف والأوضاع على الأرض السورية وفي فضاءاتها السياسية.. استعادت الدولة سيطرتها على معظم أراضيها.. أثبتت قدرتها على دحر الإرهاب ومعظم المنظمات الإرهابية العابرة للحدود.. أدارت الصراع على جبهاته المختلفة ببراجماتية محكمة مكنتها “كدولة” من العبور بين جميع الألغام والفخاخ.

ربما يكون ذلك معياراً أساسيا للحكم على مدى قدرتها على إدارة شؤون البلاد.. مؤشرات الانفتاح الدولي عليها تتكاثر.. منها عودة الإنتربول إلى العمل، إذ أقدمت المنظمة الدولية للشرطة الدولية “إنتربول” على إعادة التعاون مع سوريا ودمجها في نظامها لتبادل المعلومات، وفتحت مكتبها بدمشق بعد تعليق دام تسع سنوات.. يعني ذلك تفعيل التعاون الدولي مع الدولة والحكومة السورية كحقيقة سياسية، وتبادل المعلومات بينهما بعد التجربة السورية في مكافحة المنظمات الإرهابية وما بات لديها من معلومات حولها.

الأمم المتحدة ومؤسساتها الدولية القانونية والسياسية والإنسانية والصحية وغيرها لم تقطع علاقاتها مع الحكومة السورية خلال سنين الأزمة.. ممثل خاص للأمين العام للمنظمة الدولية يرعى مفاوضات الأطراف السورية في جنيف.. الجمهورية العربية السورية ظلت بعلَمها الرسمي المعترف به دولياً حاضرة في المنظمة الدولية ومؤسساتها، وظل مقعدها الأممي يشغله ممثل الحكومة السورية الشرعية.

اللقاءات والمحادثات، التي أجراها وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، في الأمم المتحدة على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك مؤخرا مع عدد من نظرائه العرب والأجانب تصب في خانة المؤشرات الجدية على انفتاح العالم تدريجيا على سوريا.

في رصيد سوريا كثير من العلاقات مع عواصم عالمية لا تزال تحتفظ بسفاراتها في دمشق، مثل الهند وفنزويلا والصين وغيرها من البلدان.

ثمة عوامل كثيرة أسهمت في إحداث هذه التحولات لدى المجتمع الدولي، وكانت بمنزلة الحافز لها، بعضها مرتبط بأدوار دبلوماسية حثيثة، وبعضها يأتي مما تفرضه المصالح.

ما تشهده سوريا اليوم من نهج تدريجي للانفتاح عليها والاقتراب من فك الحصار والعزلة عن السوريين، لم يكن ليتصاعد ويخرج إلى العلن لولا مبادرة دولة الإمارات العربية المتحدة، التي قادت جهودا دبلوماسية على المستويين العربي والدولي لإنهاء القطيعة مع سوريا، حيث سعت إلى استعادتها لحاضنتها العربية، وإلى ممارسة دورها على المسرحين العربي والدولي.

كانت سوريا حاضرة في مسارات الدبلوماسية الإماراتية جميعها.. مع الولايات المتحدة عندما حثتها على إلغاء قانون “قيصر”، أو على الأقل تعليق العمل به، ومع روسيا حين أبدت دعمها لجهودها الدولية لدفع المسار السياسي بين السوريين.. ومع الاتحاد الأوروبي وتحذيرها لدوله من انعكاسات الأزمة السورية على أوضاع الاتحاد الأمنية.. ومع العرب حين تقدمت صفوفهم سياسيا واقتصاديا وإنسانيا تجاه الشعب السوري، وشجعت كل بادرة فيها أمل للسوريين.

عملت الإمارات على تشكيل إرادة سياسية دولية للتصالح مع الواقع السوري القائم.. ورُبّ سائل: أين الأمريكيون من كل ما يجري؟

ورغم أن واشنطن أعلنت أنها لن تبدأ بأي علاقات مع النظام السوري حاليا، فإنها حين تعطي ضوءا أخضر لمرور الغاز إلى لبنان عن طريق الأراضي السورية فهي تترك الأمور تمر إلى حين إنضاج الظروف المواتية لمصالحها كي تخطو خطوتها التالية بعد أن أعلنت رسميا أنها “لا تعارض بقاء النظام”.

العالم محكوم بالتغيرات والمتغيرات، التي تفرض حضورها بنسب متفاوتة.. العلاقات بين الدول تتباين وتتعارض وأحيانا تصطدم عندما تتناقض المصالح.. الواقع الذي يتشكل في سوريا يحمل كثيرا من الفرص الواعدة سياسيا واقتصاديا على قاعدة المنفعة المتبادلة.. عدو اليوم قد يصبح غداً صديقا، والعكس صحيح.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى