سياسة

سماءٌ مزدحمة بالصواريخ: كيف تعيد الطائرات المسيرة رسم خريطة تجارة السلاح؟


 لم تعد ساحة القتال الحديثة حكراً على الدبابات الثقيلة والمقاتلات التقليدية، بل تحولت الطائرات المسيرة إلى سلاح حاسم، وهو واقع أملته التطورات السريعة في صراعات عالمية مثل حرب أوكرانيا، ومنها إلى صراعات إقليمية في إثيوبيا والسودان وليبيا واليمن. هذا التحول السريع، الذي يشهد سيادة المسيرات الرخيصة والفتاكة، خلق فرصاً مربحة أمام شركات صناعية عملاقة وأخرى ناشئة على حد سواء في سوق تخصص له الدول مليارات الدولارات. وفي ظل هذا التنافس المحتدم، تجمعت شركات الدفاع العالمية في القاهرة، حيث استعرضت أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية.

وتضمنت المنتجات المعروضة في أحد أكبر معارض الصناعات الدفاعية بأفريقيا والشرق الأوسط، طائرات مسيرة ذات أربع مراوح، وبنادق كهرومغناطيسية، ونُظُم مِلاحة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، في الوقت الذي تتنافس فيه شركات الدفاع على اقتحام أسواق إقليمية تطغى عليها بشكل متزايد تكتيكات حروب الطائرات المسيرة.

وبرزت منتجات تحمل علامات تجارية متميزة، وأحياناً غريبة، في المعرض الدولي للصناعات الدفاعية والعسكرية (إيديكس) الذي يُقام كل عامين في مصر، واستمر هذا العام في الفترة من الأول إلى الرابع من ديسمبر/كانون الأول في إحدى ضواحي القاهرة.

وجابت وفود بالزي العسكري الرسمي من دول متنوعة، مثل كينيا وزيمبابوي ورواندا وأذربيجان والسعودية، أجنحة شركات قادمة من روسيا والصين والولايات المتحدة والهند وباكستان وكوريا الجنوبية وتركيا والإمارات وغيرها.

مركز للصناعات الدفاعية

وتأمل مصر في أن تجعل مجمعها الكبير للصناعات العسكرية، الذي تدعمه مساعدات أميركية سنوية بقيمة 1.3 مليار دولار، مركزاً لتصنيع وتصدير العتاد الدفاعي.

وقال منظمو معرض “إيديكس” إنه شهد مشاركة أكثر من 450 جهة عارضة، مما يجعله على نفس مستوى معرض أفريقيا للطيران والدفاع في جنوب أفريقيا، لكنه يأتي خلف معرض ومؤتمر الدفاع الدولي (أيدكس) في أبوظبي، أكبر معرض في الشرق الأوسط.

وقال رئيس مجلس إدارة الهيئة العربية للتصنيع المملوكة للدولة المصرية للتلفزيون المحلي إن الهيئة وقعت مذكرة تفاهم بشأن إحدى هذه الصفقات مع “شركة نورث إندستريز كورب” الصينية، المعروفة أيضاً باسم “نورينكو”، لتصنيع طائرات مسيرة مجهزة بصواريخ.

وذكرت وسائل إعلام رسمية مصرية أن الهيئة اتفقت أيضاً مع شركة “داسو” الفرنسية على تصنيع قطع غيار طائرات الرافال المقاتلة التي اشترتها مصر من فرنسا.

وقال محمد السيد، مستشار شركة أمستون إنترناشونال غروب، وهي شركة دفاع مصرية، إن الشركة وقعت عقوداً مع ما لا يقل عن ثلاثة مستخدمين لطائرتها المسيرة الهجومية التي تستخدم للتفجير دون عودة، وهي طائرة من عائلة (جبار)، وتتطلع الآن إلى دخول أسواق دولية أكبر.

وأضاف “فخر لنا كلنا أن يكون لدينا منتج بهذه القوة موجود على مستوى العالم كله”. ووفقاً للموقع الإلكتروني للشركة، هناك شراكات مع وزارات دفاع في عدد من الدول الأفريقية. وتكشف صفحة الشركة على منصة (لينكد إن) أنها تأسست في عام 2014.

سوق الطائرات المسيرة يستفيد من الحرب الأوكرانية

وخضع جزء كبير من العتاد المعروض في “إيديكس” للاختبار في حرب أوكرانيا، أو استُلهم منها على الأقل، حيث تطورت تقنيات الطائرات المسيرة ووسائل التصدي لها بسرعة مذهلة.

وقال ستان نواك، نائب رئيس التسويق في شركة “ريد كات هولدنغز” لصناعة الطائرات المسيرة، خلال وجوده في جناح الشركة بالمعرض، إن ساحات القتال في أوكرانيا، التي تشهد مشكلات مثل التشويش، وفرت “بيئة تجريبية” لاختبار المنتجات، مضيفا أن “الوضع الحالي يتيح فرصة مثالية للتكنولوجيا للتقدم بقوة في الوقت الحالي”.

وتبيع “ريد كات” طائرات المراقبة المسيرة للجيش الأميركي وتأمل في جذب عملاء مثل السعودية ومصر والأردن والإمارات. وزودت الشركة كينيا بطائرات استطلاع مسيرة للتصدي لصيادي وحيد القرن.

وفي جانب آخر من القاعة، عرضت شركة “إريزر” اللاتفية سلسلة من الطائرات المسيرة ذات المراوح الأربع التي تزود بها وزارة الدفاع في لاتفيا و”تحالف الطائرات المسيرة”، وهي مبادرة لتزويد أوكرانيا بالطائرات المسيرة.

وقالت مديرة المشاريع في الشركة، ماريس ميسفيتش، إن “إريزر” تزور مصر للمرة الأولى للتعرف على أسواق جديدة.

أنظمة التصدي للطائرات المسيرة

تزداد بشدة الحاجة إلى وسائل التصدي للطائرات المسيرة، بدءاً من أنظمة التشويش المثبتة على المركبات، وصولاً إلى أسلحة الليزر التي تبدو وكأنها من عالم المستقبل.

ومن أكثر المنتجات شمولاً التي تضمنها المعرض نظام “سكاي دوم”، وهو نظام مضاد للطائرات المسيرة تسوقه مجموعة الصين للإلكترونيات والتكنولوجيا “سي.إي.تي.سي” المملوكة للدولة، للتعامل مع أسراب الطائرات المسيرة والضربات الدقيقة.

وامتنع أحد ممثلي الشركة عن الخوض في تفاصيل النظام، ووجه “رويترز” إلى مقطع فيديو ترويجي يصفه بأنه “شبكة نيران متعددة الطبقات”، تشمل الصواريخ والموجات الميكروية ووسائل الاعتراض والليزر، “لتشكيل سلسلة الاستهداف الديناميكية” ضد مجموعة كبيرة من الطائرات المسيرة.

وعرضت شركة “شينان” الكورية الجنوبية بندقية محمولة باليد تطلق نبضات كهرومغناطيسية، بينما عرضت شركة “كوملابز” ومقرها الهند نظام “اصطياد الطائرات المسيرة” الذي تقوم من خلاله طائرة مسيرة مزودة بشبكة بتتبع واصطياد الطائرات المسيرة المعادية باستخدام أجهزة استشعار بصرية وليزر، وإنزالها برفق إلى الأرض.

وقال مؤسس الشركة ورئيسها التنفيذي، كارانفير سينغ، “هناك حالات جرى فيها إعادة توظيف الطائرات المسيرة واستخدامها في عمليات قصف… أعتقد أن الأمر مسألة وقت قبل أن يصبح ذلك مشكلة خطيرة هنا أيضاً”.

وعرضت شركات تركية وصينية وسائل أكثر تقليدية، بما في ذلك أجهزة تشويش عالية القدرة. في المقابل، تعهدت شركات أخرى بتجاوز هذه الوسائل المضادة، إذ عرضت شركة (سينابلين) الأذربيجانية نظام مِلاحة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي يتيح للطائرات المسيرة العمل حتى عندما يتعرض نظام تحديد المواقع العالمي “جي.بي.إس” للتشويش.

وقال أجيل بلالوف، المهندس بشركة “سينابلين”، إن دولاً أفريقية وعربية أبدت اهتماماً كبيراً بالبرنامج، الذي تأمل الشركة في إنتاجه لعملاء دوليين العام المقبل، مضيفاً “لدينا آمال كبيرة في أفريقيا”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى