سلام هش في الكونغو.. إعلان المبادئ يصطدم بالشكوك والتفسيرات المتضاربة

هل ينهي اتفاق المبادئ الموقع بين حكومة الكونغو الديمقراطية وحركة M23 المسلحة الحرب بين الجانبين؟
اتفاق المبادئ الذي تم توقيعه في الدوحة، يرى خبراء سياسيون أنه يشكل خطوة أولية على طريق السلام، لكنه لا يزال بعيدًا عن كونه اختراقًا حقيقيًا.
وأشار الخبراء إلى أن الخلافات العميقة في تفسير البنود، خصوصًا المتعلقة بإعادة بسط سلطة الدولة، تنذر بمفاوضات شاقة وقد تضع الاتفاق برمّته على المحك.
-
شرق الكونغو ينزف.. إم 23 تنفذ إعدامات ميدانية وسط صمت دولي
-
الدوحة تعجز عن احتواء الصراع في الكونغو بعد جهود دبلوماسية مكثفة
وحذر الخبراء من أن إعلان المبادئ، رغم ما يحمله من رمزية دبلوماسية، لا يقدم حتى الآن سوى إطار عام هش، يفتقر إلى الآليات التنفيذية، ويخضع لتأويلات سياسية من كل طرف بما يخدم مصالحه الميدانية.
وبينما ترى الحكومة أن إعادة سلطة الدولة تقتضي انسحابًا فوريًا للمتمردين، تواصل حركة M23 فرض إدارتها على الأرض، رافضة أي انسحاب قبل اتفاق نهائي.
وبعد توقيع إعلان المبادئ بين حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية وحركة M23، يلوح الأمل في أفق السلام بشرق الكونغو، لكن سرعان ما يبدده الواقع الميداني المعقد والتباين الكبير في تفسير البنود الرئيسية للاتفاق.
-
الكونغو الديمقراطية تنزف مجدداً.. 11 قتيلاً في هجومين ضد “إم 23”
-
انسحاب مفاجئ لـ إم 23 من مدينة استراتيجية بعد لقاء سري مع حكومة الكونغو
فرغم الاتفاق على ضرورة إعادة بسط سلطة الدولة، يختلف الطرفان في تحديد ما تعنيه هذه “السلطة” ومتى وكيف يجب أن تُستعاد، ما ينذر بمفاوضات شاقة تبدأ قبل 8 أغسطس/آب المقبل، وقد تمتد إلى ما بعد الموعد المستهدف للتوقيع النهائي في 17 من الشهر نفسه.
إعادة بسط السلطة: اتفاق شكلي أم بداية صراع تفسيري؟
وذكرت إذاعة “إر.إف.إي” الفرنسية أنه “من بين أكثر البنود حساسيةً في إعلان المبادئ، تبرز مسألة “إعادة بسط سلطة الدولة” في المناطق التي تسيطر عليها حركة “M23.
-
تحقيقات تلاحق كابيلا.. وعيون الكونغوليين على سلام مرتقب مع كيغالي
-
أنغولا تقود جهود السلام.. الكونغو توافق على التفاوض مع إم 23
وأوضحت الإذاعة الفرنسية أنه من الناحية النظرية، يبدو المبدأ مقبولًا لدى الطرفين، لكنه في الواقع نقطة خلافية كبرى، إذ ترى الحكومة الكونغولية أن انسحاب المتمردين يجب أن يكون شرطًا مسبقًا لأي تفاهم مستقبلي، بينما تصر الحركة على بقاء وجودها الإداري والعسكري مؤقتًا، وهو ما يتجلى بوضوح في محاولاتها السابقة لإنشاء نظام إداري موازٍ وتعيين حكام محليين، بل وحتى إنشاء دوائر مصرفية في تلك المناطق.
وقالت الإذاعة إنه “من اللافت أن النص الموقع لم يذكر صراحة كلمة “انسحاب”، بل اكتفى بالحديث عن “وقف دائم لإطلاق النار” و”منع أي تغييرات في مواقع السيطرة”، وهو ما يترك الباب مفتوحًا أمام تأويلات سياسية متباينة من الجانبين”.
الاتفاق مجرد إعلان نوايا دون شمولية وتدرج زمني
-
المرتزقة الأوروبيون في قلب تمرد الكونغو الديمقراطية: تداخل المصالح والصراع
-
التمرد يهز شرق الكونغو.. قمة استثنائية لدول شرق أفريقيا لبحث الأزمة
من جهته، قال الباحث الفرنسي جان-لوك ليروي، المختص في شؤون الأمن الأفريقي في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS) في باريس ، إن إعلان المبادئ هو خطوة شكلية تحسب للدوحة من حيث الوساطة، لكنها لا تضمن النجاح السياسي على الأرض.
وأضاف أن “أي اتفاق لا يُحدّد بشكل واضح آليات استعادة الدولة ولا يقدّم جدولًا زمنيًا مرحليًا سيظل معرضًا للشلل عند أول اختبار ميداني”.
وأكد ليروي أن التجارب السابقة مع حركات متمردة في أفريقيا الوسطى ومالي أظهرت أن غياب جدول زمني واضح لتفكيك الإدارات الموازية يؤدي إلى تطبيع الأمر الواقع بدلًا من فرض سلطة الدولة.
-
«إم 23» ومناجم الشرق الكونغولي.. من هنا بدأت الأزمة
-
«الكونغو» في فخ التاريخ.. صراع الهوتو والتوتسي وأثره على المنطقة
وبحسب الباحث الفرنسي فإن ما ينقص الاتفاق ليس النوايا، بل الرقابة الدولية والالتزام التدريجي من الجانبين بخطوات ملموسة على الأرض.
لا سلام دون إجماع وطني شامل
أما الباحث الكونغولي مارتن زياكواو، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الكاثوليكية في كينشاسا، فقال لـ”العين الإخبارية” إن “إعلان المبادئ يمثل فرصة ضرورية ولكنها غير كافية”.
وأصر زياكواو على أن التحدي لا يكمن في صياغة النصوص، بل في ضمان أن تحظى بدعم سياسي واجتماعي واسع داخل البلاد، خاصة من المجموعات المسلحة الأخرى والقيادات المحلية التي تم تهميشها في المحادثات.
-
مطاردة ضخمة في الكونغو الديمقراطية تستهدف قادة «إم 23» بجوائز مالية ضخمة
-
«إم23» تتقدم في شرق الكونغو الديمقراطية
وحذر من سيناريو “انقلاب التحالفات” إذا شعرت أطراف محلية أخرى أن الحكومة تغازل M23 على حساب مطالبها.
وقال إنه “بدون ضمان تأييد هذه الأطراف، فإن أي اتفاق منفرد مع M23 قد يؤدي إلى حرب جديدة، لا إلى سلام دائم”.
ما بعد الدوحة… هل تصمد المبادئ أمام الواقع؟
ويتفق كل من الباحثين الفرنسي والأفريقي على أن الطريق إلى السلام يمر عبر مفاوضات صعبة، وتوافق وطني، وآليات تنفيذ تدريجية وشفافة.
فبينما يحمل إعلان المبادئ رمزية مهمة كبداية لمسار جديد، فإن مستقبل الاستقرار في شرق الكونغو لا يزال مرهونًا بقدرة الأطراف على تجاوز لعبة التأويلات السياسية، والانخراط في تسويات واقعية تحترم وحدة الدولة ومطالب المجتمع المحلي في آن واحد.