سياسة

سلاح الأيديولوجيا في معركة التوسع التركية!


هل اختار الرئيس أردوغان المواجهة العسكرية، بإعلانه وقف التفاوض مع اليونان، واستئناف أعمال التنقيب في شرق المتوسط، وتحميل اليونان مسؤولة أي توتر في المنطقة، وأن بلاده لن تتراجع عن موقفها؟ وهل يُلّمح إلى ساعة الصفر، بإطلاقه مناورات عسكرية في المناطق المتنازع عليها بين أنقرة وأثينا، بمشاركة سفن دول حليفة؟

انقسم رأي المحللين في هذا الشأن، بين من يُرجح إمكانية المواجهة المسلحة فوق مياه المتوسط بناء على معطيات، أهمها: أن أثينا وأنقرة اقتربتا فعلياً في أواخر يوليو الماضي من مواجهة عسكرية، لولا تدخل ألماني بوساطة المستشارة أنجيلا ميركل، التي نجحت بتفادي هذه المواجهة بعد أن كانت قاب قوسين، وتحرك عسكري تركي بإرسال أنقرة مقاتلتين نفذتا طلعات جوية فوق جزيرة كاستيلوريزو، تلاها إرسال 18 سفينة عسكرية إلى الجزر اليونانية، بينما حشدت اليونان من جهتها مقاتلاتها، ودقت جرس الإنذار، وباتت حالة التأهب العسكري على أشدها، ثم لم تلبث أن أطفاتها مساعي الوساطة الألمانية، لتعود الآن حالة التوتر والحرب الكلامية بين تركيا واليونان إلى سابق عهدها.

وفي المقابل، هناك رأي آخر يؤكد أن أردوغان بممارساته هذه، بتوتير الأجواء في «المتوسط» و«إيجه»، يبحث عن نفوذ ودور يدغدغ أحلامه التاريخية ويشبع نرجسيته، فهو يُصعّد تارةً عبر إرسال السفن إلى الجزر اليونانية وانتهاك سيادتها، وتارة أخرى يدعو إلى الحوار من أجل الوصول إلى توافق بشأن المصالح الإقليمية، مستغلاً بذلك انقسام الآراء في أوروبا، وتراخي الموقف الأميركي، إزاء هذه التحركات ليمارس هذه الألاعيب التي أقل ما يقال عنها «طيش» وغطرسة سياسية.

يستثمر أردوغان في المشاعر الدينية للمسلمين حول العالم، بغية إنتاج خطاب ديني يوظفه لخدمة مشروعه التوسعي وأجنداته السياسية، كالتلويح بحربه المتوقعة مع اليونان، والتي لن يتردد في تمريرها كحرب مقدسة بين (الكفار والمسلمين) لتجييش الانفعالات والمشاعر الدينية لدى الشارع الإسلامي، وتوجيهها خدمة لمكاسبه السياسية ومقاصده الطامعة، وحشد تأييد «الإخوان» وقطعانهم حول العالم، وفي داخل مجتمعاتنا وأوطاننا العربية والخليجية، خصوصاً في مجتمعات دول الاعتدال العربي، التي تواجه بدورها أطماع أردوغان التوسعية، ولهثه وراء دور يعيد لتركيا هيمنتها وهيبتها المفقودتين، لا سيما أنها تتواجد واقعياً في عدة دول عربية كالعراق وسوريا وليبيا، في حين تحاول خلق جبهة في اليمن، وتصعيد الأوضاع هناك، فضلاً عن تواجدها العسكري في قطر بعد المقاطعة الرباعية، وذريعة حماية النظام الحاكم فيها، هذا بالإضافة إلى الفجور السياسي والمذهبي، الذي تمارسه تركيا لابتزاز المشاعر من ناحية، والمكاسب السياسية من ناحية أخرى، في ازدواجية فجة في المعايير بالتباكي على القدس، مقابل انتعاش التجارة البينية مع إسرائيل، والتباكي على السوريين مقابل المقايضة على مطالبهم السياسية، وازدواجية ادعاء الفضيلة في وقت تزدهر فيه تجارة الجسد والمثلية في تركيا.

نزوع أردوغان العنيف إلى إحياء كل ما له علاقة بالدولة العثمانية، ليس حلماً على مستوى الداخل التركي وإحياء التراث العثماني وأمجاده، التي سادت ثم بادت -وهذا حقه- ولكنه نزوع إلى البطش والغطرسة والأطماع في الخلافة، والهيمنة السياسية عن طريق الهيمنة الروحية لتحقيق حلمه الذي لن يتم إلا بإقحام (الكفر والإسلام) … وهذا أمر يستحق الفطنة والتأهب، فنحن أمام طموح مغولي أهوج بسلاح أيديولوجي فتاك!

عن الاتحاد الإماراتية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى