سياسة

سقوط الأسد.. هل يفتح الباب لعودة الدواعش إلى بلدانهم العربية؟


 أطلق افراج الجماعات السورية المعارضة التي سيطرت على دمشق وأطاحت بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، عن آلاف المعتقلين في سجون الأسد، مخاوف بشأن أن يكون بينهم المئات من الجهاديين الأجانب خاصة من دول مغاربية مثل ليبيا وتونس.

ومعلوم أن النظام السوري عرض في السنوات الأخيرة شهادات لمعتقلين من الجهاديين التونسيين وغيرهم من جنسيات مغاربية، عن طريقة تجنيدهم وكيفية التحاقهم بتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق وكيف شكلت تركيا حلقة الوصل اذ كانت محطة ترانزيت لهؤلاء وتغاضت عن عبورهم للأراضي السورية بصفة خاصة أو سهلت دخولهم.

ومع سقوط نظام الأسد وفتح السجون، قد يكون المئات من هؤلاء طليقين في سوريا ويخططون للعودة لبلدانهم مع تشكل ملامح سلطة تديرها هيئة تحرير الشام الإسلامية المتشددة والتي ضمت بدورها في السنوات الماضية جهاديين من جنسيات عربية.

وفي ظل الوضع الراهن في سوريا، لا توجد معلومات دقيقة عن آلاف المتطرفين ولا مصيرهم أو وجهتهم لكن المؤكد أنهم يشكلون خطرا ناشئا في حال تمكنهم من العودة لبلدانهم بشكل أو بآخر.

وأحيى سقوط الأسد المخاوف من عودة داعش لتنظيم صفوفه واستقطاب جهادييه السابقين ممن بقوا على قيد الحياة وافرج عنهم من ضمن عشرات الآلاف ممن أطلقت هيئة تحرير الشام وحلفاؤها، سراحهم من سجون النظام السوري.

وكانت تونس من بين الدول العربية التي أعادت العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد في السنوات الأخيرة. وكان متوقعا على نطاق واسعا أن يساهم ذلك في تفكيك ملف تسفير الجهاديين التونسيين لبؤر التوتر في فترة العشرية التي قادت فيها حركة النهضة الإسلامية الحكم.

وقد تكون تونس فتحت هذا الملف مع دمشق وهو من الملفات التي تنظر فيها المحاكم التونسية ويحاكم فيها قيادات من حركة النهضة، لكن بعد سقوط الأسد أصبح الملف مفتوحا على كل الاحتمالات وأصبح مطلوبا من السلطات الانتباه والحذر أكثر في التعاطي مع عودة التفافية محتملة للجهاديين السابقين.

وقد حذر المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة من مخاطر عودة الجهاديين التونسيين، مؤكدا أن هؤلاء يمثلون تهديدا للتوجه المدني للدولة بسبب تطرفهم الديني العنيف. كما لم يستبعد احتمال أن يكونوا مكلفين بمهام من جهات خارجية، دعيا السلطات إلى الحذر ووضع خطط حكيمة للتعامل معهم.

ورغم أنه لم تتضح إلى الآن حقيقة ما اذا كان بين المفرج عنهم جهاديون من دول المغرب العربي وغيرها من الدول العربية، إلا أن الوضع يستدعي التفكير في كل الاحتمالات والاستعداد لكل السيناريوهات.

والوضع عموما لا يقتصر على هؤلاء فقط، فلدى الإدارة الذاتية الكردية في شمال سوريا والتي تتعرض لهجمات تشنها فصائل موالية لتركيا، آلاف المعتقلين من تنظيم الدولة الإسلامية. وقد تدفعها الضغوط العسكرية لاستخدام ورقة الجهاديين أو قد تتسبب في فرار هؤلاء من المعتقلات أو فرار عائلاتهم من مخيمات اللجوء، وهو هاجس أمني يبقى قائما في كل الحالات.

والأحد، أعلن مقاتلو المعارضة السورية الإطاحة بالأسد بعدما سيطروا على دمشق، ومع التطورات التي تشهدها سوريا، أُطلق آلاف المساجين في عدد من السجون السورية بينها سجن حمص العسكري وسجن صيدنايا سيء السمعة، وهو ما أثار مخاوف من إمكانية أن يكون بين هؤلاء إرهابيون ينحدرون من دول مغاربية.

ولا توجد أرقام دقيقة حول عدد المساجين من دول المغرب العربي في السجون السورية، إلا أن تقارير أشارت إلى أن الآلاف منهم وصلوا إلى سوريا بعد 2011 وقاتلوا في صفوف تنظيمات إرهابية متشددة بينها تنظيم داعش.

ومنعت السلطات الأمنية التونسية نحو 27 ألف شاب من الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية بعدد من بؤر التوتر بينها سوريا.

وفي المغرب، تشير إحصائيات رسمية إلى التحاق 1659 شخصا بسوريا والعراق، لقي 745 منهم حتفهم بينما اعتقلت السلطات الأمنية نحو 270 منهم خلال عودتهم إلى بلدهم. أما فيما يتعلق بالجزائر وليبيا وموريتانيا، فلا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد الإرهابيين المنحدرين من هذه الدول والمتواجدين على الأراضي السورية رغم إشارة تقارير إعلامية إلى تورط بعضهم مع جماعات إرهابية هناك.

ويجمع محللون على خطورة تسلل محتمل لإرهابيين إلى دولهم ومن بينها تونس وليبيا، وسط دعوات إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات الأمنية الاستباقية، خصوصا في ظل حالة عدم الاستقرار التي تعيشها ليبيا فضلا عن عدم استكمال أجهزته الدستورية والأمنية.

وتحدثت تقارير عن إطلاق سراح المئات من المتشددين الليبيين من السجون السورية، فيما يطالب الليبيون بمنع تسلل هؤلاء إلى بلادهم. ويعتبرون أن هؤلاء المتشددين خلايا نائمة يمكن إعادة إيقاظها، خصوصا أن بعضهم صاروا أمراء وقادة في تنظيمات متشددة ما سيكون له تداعيات وخيمة، وعو ما يخشاه أيضا التونسيون.

ومن غير الواضح إلى حد الآن إلى أين سيتجه هؤلاء الإرهابيين وما إذا كانوا سيعززون فصائل المعارضة السورية أم سينتقلون إلى ساحات جديدة قد تكون ليبيا وتونس من بينها.

ويواصل القضاء التونسي النظر في القضية المعروفة إعلاميا بـ”التسفير إلى بؤر التوتر”، ويتهم فيها مسؤولون كبار سابقون بالتورط في تسفير آلاف الشباب التونسيين إلى سوريا بعد الثورة.

وقدّر وزير الداخلية التونسي الأسبق، الهادي المجدوب في إفادة سابقة أمام البرلمان عدد الإرهابيين التونسيين المتواجدين في بؤر التوتر بنحو 2929 متشددا.

تعاليم داعش الصارمة واضحة على النساء في مخيمات الاحتجاز
تعاليم داعش الصارمة واضحة على النساء في مخيمات الاحتجاز

كما يخشى العراق المجاور لسوريا هؤلاء العناصر، حيث حذر عضو تحالف الفتح علي الفتلاوي، من محاولات تصدير الارهاب من سوريا باتجاه العراق بعد فتح السجون واطلاق سراح قادة الارهاب.

وقال الفتلاوي أن “الكثير من قيادات الارهاب والمجرمين موجودين في السجون السورية والكثير منهم قد اطلق سراحهم، وهناك محاولات لفتح باقي السجون التي تحتوي على الارهابيين”.

وبين ان “هناك محاولات من قبل بعض اعداء العراق لإدخال هؤلاء الارهابيين الى البلاد ولو على شكل افراد، وقد لوحظ ذلك عند اشتباك القوات الامنية وقتلها لاحد كبار قادة داعش الارهابي في الانبار وهي العملية التي استشهد على اثرها اثنين من منتسبي الامن الوطني”.

وبدأ سجن صيدنايا منذ غزو العراق عام 2003 باستيعاب المتطوعين العرب العائدين من القتال في العراق وأعضاء تنظيم القاعدة. وضم كذلك أشخاصا من تيار “السلفية الجهادية” والتنظيمات الإسلامية الصغيرة غير المعروفة، إضافة إلى الفارين من أحداث مخيم نهر البارد في لبنان، وشيئا فشيئا تحول إلى “سجن للجهاديين” بسبب ارتفاع أعداد المعتقلين العائدين منهم من العراق.

ويضم السجن أيضا معتقلي جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي وحركة التوحيد الطرابلسية.

كما ضم معتقلين لبنانيين من أطراف عدة غير موالية لسوريا، وفلسطينيين متهمين بأن لهم علاقة جيدة مع المعارضة السورية، ومعتقلين شيوعيين ومن الأحزاب الكردية على اختلافها، إضافة إلى بعض العسكريين السوريين.

من غير الواضح إلى أين سيتجه الدواعش وما إذا كانوا سيعززون فصائل المعارضة السورية أم سينتقلون إلى ساحات جديدة مثل ليبيا وتونس.

وفي تقرير داخلي نشره البنتاغون في عام 2022، لم يخف فيه خطر وجود جيش من عناصر داعش في السجون والمعتقلات، ويبلغ تعداده في سوريا 10 آلاف عنصر، أما في العراق فيبلغ 20 ألفاً، بالتوازي مع تجنيد متواصل للقتال يستهدف المتشددين، واستغلال اليافعين في المخيمات لحساب التنظيم في مراكز الإيواء في سوريا والعراق.

ويراهن أفراد تنظيم داعش على فك أسر قادتهم من أكثر السجون تحصيناً، مستغلين تأزم الأوضاع في شرق سوريا، لاسيما التطورات الأخيرة بين الفصائل الموالية لطهران والقوات الأميركية. وانشغال الأطراف بتبادل النيران والتصعيد الحاصل بعد اندلاع حرب غزة بين حماس وإسرائيل منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر /تشرين الأول الماضي.

ولعل أبرز عملية تحرير للمحتجزين كانت في “سجن الصناعة” في الحسكة أو ما يسمى “غويران”، الواقع تحت إشراف الإدارة الذاتية الكردية. حيث تمكنت القوة المهاجمة من تحرير مئات السجناء، ومن بينهم قادة بمرتبة “أمراء” ويعد هذا الهجوم الذي وقع في الـ20 من يناير /كانون الثاني 2022، الأوسع والأضخم منذ انهيار التنظيم، ودام أكثر من أسبوع، إذ لقي مئات من أفراد الجماعة مصرعهم، في حين بات 400 سجين في عداد المفقودين أثناء القتال الشرس الذي امتد لنحو أسبوع وشاركت طائرات التحالف الحربية في حسم المعركة.

ونتج عن معركة “غويران” فك احتجاز قادة وعناصر متشددين، ما أعطى دفقاً جديداً في دماء التنظيم، وذلك ما جعل “الإدارة الذاتية” الكردية شمال سوريا متخوفة حيال حراستها لهذا الكم الهائل من المساجين من دون محاكمة، خصوصا مع الانفلات الأمني إذ لن تتمكن قوة الحراسة من نقل العدد الضخم وغير المسبوق من المساجين إلى أماكن أكثر أماناً بحال حدوث أي اشتباك أو قصف صاروخي، وبالتالي يمكن توقع فرار جزء منهم.

ويعول قادة داعش على الكتلة البشرية بمخيمات الاحتجازات لأفراد التنظيم المتشدد والسعي إلى تحريرها، ولعل إثارة الفوضى المتنامية في أرجاء مخيم الهول أكبر وأخطر مخيمات الإقامة الجبرية في العالم وأكثر سكانه من نساء داعش وأطفالهم، تسرع في عمليات تجنيد عناصر جدد أو تسربهم. ويبدو جلياً سريان تعاليم داعش الصارمة على النساء.

وتحاول القوى الأمنية التابعة للإدارة الذاتية الكردية (الأسايش) وعشرات المنظمات الدولية والمحلية، إرساء توازن في مخيم الهول الواقع على بعد خمسة كيلومترات من بلدة الهول في ريف الحسكة، ويبلغ عدد القاطنين فيه 50 ألفاً، إلا أنهم يعانون حالات عنف متزايدة، إذ سجل في عام 2021 لوحده مقتل 93 شخصاً، معظمهم سقطوا بأسلحة فردية.

وفقدت “الإدارة الذاتية” صبرها بعدما طال انتظارها أي تحرك دولي يبت مصير السجناء المتشددين، ففي وقت تتوالى بشكل بطيء عودة العائلات الأجنبية لبلدانها الأصلية تبقى منهم العناصر المقاتلة والسجينة، وبعد تأخر محاكمتهم أصدرت “الإدارة الذاتية” قراراً بإنشاء محكمة للبت بقضاياهم في النصف الأول من شهر يونيو /حزيران الماضي، وجاء في بيان للإدارة أن “المحاكمات ستكون عادلة وعلنية وشفافة”.

وجاء قرار الإدارة الكردية بعد تقاعس بعض الدول في الاستجابة لنداءات تطالبها باستلام مواطنيها، ومعظمهم أوروبيون من فرنسا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا، ومن دول عربية. كما لم يتحمس المجتمع الدولي لفكرة المحاكمة التي تعد حساسة جداً، وتتطلب معلومات استخبارية وجمع أدلة، علاوة عن فكرة إنشاء المحكمة واستمراراها التي تحتاج أيضاً إلى اعتراف دولي واسع.

في المقابل لا يفوت سجناء الجماعة المتشددة أية فرصة سانحة للهرب، ولعل أبرز عمليات الفرار جرت حين ضرب زلزل السادس من فبراير /شباط 2023 شمال غربي سوريا، واستغل 20 محتجزاً الحالة الطارئة وفروا من سجن “راجو” للشرطة العسكرية الخاصة بالفصائل الموالية لتركيا.

ومع الحديث عن وجود متطرفين أجانب في أنحاء مختلفة من سوريا، أفاد المدعي العام لمكافحة الإرهاب في فرنسا أوليفييه كريستن الثلاثاء أنّ “نحو مئة فرنسي” كانوا في معقل المعارضة في إدلب في سوريا قبل سقوط بشار الأسد الأحد، مشيرا إلى أنّهم يشكّلون مصدر “قلق رئيسي”.

وقال كريستن لإذاعة “ار.تي.ال”، “ما نعرفه … هو أنّ هناك حوالى مئة فرنسي كانوا في منطقة” إدلب شمال غرب سوريا، موضحا أنّهم “مقاتلون جهاديون”، وأضاف “هؤلاء هم الذين يثيرون القلق الرئيسي اليوم، والذين نراقب ما سيفعلونه”.

وأضاف المدعي العام لمكافحة الإرهاب في مقابلة أخرى مع صحيفة لو فيغارو، إنّ “من بين المقاتلين الذين أسقطوا نظام بشار الأسد في أقل من أسبوع، هناك جهاديون فرنسيون كانوا في هيئة تحرير الشام وكذلك في لواء عمر أومسين” أو عمر ديابي، الذي ينظر إليه على أنّه قام بتجنيد عشرات الجهاديين.

وأوضح كريستن أنّ “حوالى خمسين منهم ينتمون في الواقع إلى لواء عمر أومسين وحوالى ثلاثين آخرين إلى الحركة التي يقودها”أبو محمد الجولاني قائد هيئة تحرير الشام، مضيفا أنّ “حوالى ثلاثين امرأة” موجودات في إدلب.

وتابع لصحيفة لو فيغارو “لا نعرف تحديدا عدد المقاتلين الذين شاركوا في الهجوم على دمشق وبأي نسبة”.

ووفقا للمدعي العام لمكافحة الإرهاب، فإنّ “من بين 1500 فرنسي” غادروا للجهاد بعد العام 2000، عاد 390 إلى فرنسا وقُتل 500، وكان هناك “حوالى مئة” في منطقة إدلب، بينما اعتُقل “حوالى 150” شخصا أو احتُجزوا في شمال شرق سوريا وفي العراق، وفُقد 300 شخص.

وقال كريستن إنّ “من المحتمل أن يكون هناك بعض الذين انضمّوا إلى صفوف التنظيم سرا”. وأشار إلى “حوالى ثلاثين شخصا قريبين من هيئة تحرير الشام وربما انضمّوا إلى القتال لكنهم معروفون أكثر من خلال انخراطهم في عمليات التمويل”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى