سياسة

زايد الخير.. والإنسانية المستدامة


نستذكر في التاسع عشر من شهر رمضان المبارك من كل عام رحيل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.

مؤسس دولة الاتحاد الإماراتية وصاحب الحسّ الإنساني، الذي غادر عن دنيانا قبل تسعة عشر عاماً وترك لنا إرثاً تتناقله الأجيال.

فكلما حلّت السيرة العطرة للمغفور له، يتجدد يقيننا بأنه ترك لنا آثاراً لقيم من أعماله ومبادئه بعد أن غرسها في قلب وعقل كل مواطن إماراتي وكل عربي ومسلم، بل وكل إنسان في مختلف بقاع الأرض، لذا اعتبر يوم رحيله “يوم زايد للعمل الإنساني” وفاء لخدماته الإنسانية وحباً لصاحب الأيادي البيضاء.

وقد انعكست قيم زايد الإنسانية فيما اعتادت عليه الدولة من إحياء لإرثه الأخلاقي في هذا الشهر الفضيل، وإبقاء لأعماله الخيرية التي لم يكن لها حدود مكانية أو زمانية، إذ إنها كانت تستهدف “الإنسان” بتعريفه هذا فقط وأبداً وليس شيئاً آخر. فلم يكن “زايد الخير” يقصر أعماله ومبادراته المتواصلة على أبنائه من الإماراتيين، ولا أشقائه الخليجيين أو العرب، ولم يميز فيما غرسه في أبنائه من مُثُل ومبادرات خيرية، بين صغير أو كبير ولا بين عربي أو غيره، وإنما كان معياره الوحيد هو “الإنسان”.

إن الإنسانية تمثل حجر الزاوية في فكر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وتدل كل وقائع حياته منذ تأسيس الدولة وسلوكه العملي على إيمانه العميق بها كفكرة وفلسفة سياسية في العيش المشترك والتسامح. وتصديقاً لهذا، قام سموه في الخامس من أغسطس من عام 1992، بتدشين مؤسسة خيرية غير حكومية وغير ربحية. خصص لها وقفاً يذهب ريعه إلى المشروعات والأنشطة والفعاليات الخيرية والإنسانية داخل الدولة وخارجها.

وتقوم المؤسسة “مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية” باستثمار مواردها في مشروعات وبرامج مستدامة معنية بتحسين نوعية ومستوى الخدمات الصحية والتعليمية، والبنى التحتية في الدول الفقيرة والنامية مثل: المدارس والمستشفيات والسكن والجسور، سعياً نحو الارتقاء بمستويات الحياة الاجتماعية والاقتصادية للشعوب.

إن المغفور له كان يمزج بين السياسة والإنسانية أو ما بات يعرف الآن “أنسنة السياسة”، بل تكاد تتضح بعض مواقفه بأنه لا يمكن تصور الفصل بين أعماله السياسية عن الإنسانية، وبالتالي فقد استطاع أن يمد الجسور مع مختلف الشرائح والمجتمعات في كل بقاع الأرض، في إشارة إلى أنه واحد من القادة الاستثنائيين، وعليه من الصعب أن تجد شخصاً لا يتأثر بمجرد أن يسمع ذكر اسمه. فهناك شبه إجماع غير معلن على مستوى الرأي العام العالمي بارتباط الإنسانية بالشيخ زايد، لأن كل أقواله وأفعاله تشير إلى أنه لا يوجد عائد على البشرية والأوطان دون الارتقاء بالإنسان.

سيرة زايد الإنسانية تمثل نموذجاً حياً لعالمنا اليوم، ومنهاجاً في تحديد وصياغة الأهداف التي تسهم في تقليل الحروب المدمرة للإنسانية، وكذلك في مكافحة التطرف والعنف اللذين باتا سمة عالمنا اليوم، بل إنها قدوة ودليل على أن السياسة ليس لها جانب واحد فقط بل هناك عدة جوانب، أما الجانب الأجمل والأروع هي تلك النسخة الإنسانية فيه. وبالتالي بوسع مَن يعملون على حماية الإنسانية “من أفراد ومنظمات”، أن يجدوا في إرث زايد وأعماله المتعددة سواءً مع الإنسان الإماراتي أو غيره في العالم ما يرشدهم ويساعدهم في ذلك.

ويبقى القصد من استحضار قيم ومبادئ وتعاليم زايد الخير في يوم رحيله وربطه بالإنسان، يتجاوز التفاخر والزهو بما قدمه وورثه لنا. فهو ليس في حاجة لذلك، إذ ترك من الأعمال الطيبة ما يشفع له ويبقي ذكراه حاضرة وماثلة على مر الدهر. إنما القصد هو إبلاغ البشر في كل أنحاء الكرة الأرضية بأن الخير والبر والتعايش والمودة هي أعلى وأعمق وأبقى ما يمكن أن يحيا ويموت عليه الإنسان.

تلك هي الإنسانية المستدامة التي أسس لها وزرعها زايد الخير في حياته، ولا يزال حصادها بفضل رؤيته الثاقبة قائماً ومستمراً.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى