رؤية سياسية جديدة.. “قسد” تقدم اللامركزية كحل للنزاع وتتصدى لمحاولات التدخل
قدّم القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، خلال مشاركته في منتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط (MEPS 2025) في دهوك، خطابًا حمل مجموعة من الرسائل السياسية الواضحة، عكست ملامح المرحلة التي تمر بها مناطق شمال وشرق سوريا، ومسار المفاوضات بين “قسد” ودمشق، وكذلك شكل العلاقة مع القوى الإقليمية.
رسالة إلى إيران وتركيا: توقفوا عن التدخل
بدأ عبدي بالتشديد على ضرورة أن تبتعد إيران وتركيا عن التأثير في الشأن السوري الداخلي، معتبرًا أن أي تدخل خارجي يُضعف فرص التسوية ويُربك التفاهمات المتقدمة بين “قسد” والحكومة السورية. وظهرت نبرة واضحة في تصريحاته تشير إلى رغبة “قسد” في خفض التوتر الإقليمي المحيط بمناطق نفوذها، مع التأكيد على أنها لا تمثل تهديدًا لأي دولة ولا تسعى إلا لحماية مناطقها.
مفاوضات “قسد – دمشق” بين التقدم البطيء وأزمة الثقة
أبرز عبدي أن المفاوضات مع دمشق حققت مكاسب مهمة رغم بطئها، مستشهدًا بالاتفاق الذي وُقِّع في 10 مارس/آذار الماضي مع الرئيس السوري أحمد الشرع، والذي اعتبره صمام أمان حال دون انزلاق البلاد نحو صدام داخلي جديد.
ومع ذلك، كشف بشكل صريح عن أزمة ثقة لا تزال تلقي بظلالها على المسار التفاوضي، خصوصًا بعد عدم تنفيذ بعض بنود الاتفاق، وعلى رأسها قضية عودة نازحي عفرين. ويرى عبدي أن تنفيذ الاتفاق مرهون بإرادة سياسية حقيقية في دمشق، مؤكدًا أن “قسد” مستعدة للمضي فيه حتى النهاية.
الاعتراف بالقضية الكردية.. تحوّل رمزي لكن مهم
توقف عبدي عند البعد التاريخي للقضية الكردية، مشيرًا إلى أن الاتفاق الأخير مثّل خطوة نادرة نحو الاعتراف بهذه القضية في النص الدستوري. ووضع ذلك في سياق إنهاء قرن من التجاهل من جانب الأنظمة السورية المتعاقبة.
ويحمل هذا التصريح إيحاء بأن “قسد” تنظر إلى الاتفاق ليس مجرد تفاهم إداري أو أمني، بل نقطة تحوّل سياسية يمكن البناء عليها في أي صيغة مستقبلية لسوريا.
لا مركزية الحكم.. خيار ما بعد الحرب
أكّد عبدي أن العودة إلى الدولة المركزية لم تعد ممكنة بعد خمسة عشر عامًا من الحرب، وأن مستقبل سوريا يجب أن يُبنى على نموذج لامركزي يضمن تمثيلًا حقيقيًا لمكونات البلاد، ومن بينها الكرد. وفي هذا الطرح يظهر أن “قسد” تربط مستقبلها السياسي بالمفاوضات الدستورية، وتضع اللامركزية شرطًا أساسيًا لأي تسوية.
إشادة لافتة بدور إقليم كردستان
أعاد عبدي مرارًا التأكيد على حجم الدعم الذي يقدمه إقليم كردستان، سواء في ما يتعلق بالحوار بين الكرد ودمشق، أو في جهود توحيد القوى السياسية الكردية، أو حتى في مسار السلام المتعثر في تركيا.
وخصّ بالذكر الزعيم مسعود بارزاني، معتبرًا أن موقفه كان حاسمًا في مراحل حساسة. وهذا المقطع في خطابه يعكس رغبة “قسد” في استمرار الدعم من الإقليم، وربما توجيه رسالة طمأنة للكرد في العراق وسوريا بأن التنسيق قائم ومتواصل.
دور الكرد في الحرب ضد داعش وبناء سوريا الجديدة
ذكّر عبدي بأن الكرد، سواء من خلال “قسد” أو البيشمركة، كانوا في الخطوط الأمامية لمحاربة تنظيم داعش بدعم من التحالف الدولي. وربط بين هذه التضحيات وطموح الكرد في لعب دور أساسي في إعادة بناء سوريا، خصوصًا اقتصاديًا وأمنيًا، مشيرًا إلى أن المرحلة الراهنة تشكّل فرصة تاريخية للكرد داخل الإقليم وفي الشتات للمشاركة في إعادة الإعمار.
تُظهر تصريحات مظلوم عبدي مزيجًا من الواقعية السياسية والرسائل الموجّهة إلى عدة أطراف في آن واحد: طمأنة لدمشق، تحفّظ تجاه أنقرة وطهران، إشادة بالإقليم، ورهان على اللامركزية.
ويبدو أن “قسد” تحاول تثبيت موقعها في أي صيغة قادمة لسوريا من خلال الجمع بين الحوار الداخلي والدعم الإقليمي والدولي، مع إبقاء الملف الكردي حاضرًا ضمن أجندة إعادة تشكيل الدولة.







