ذكرى رحيل زعيم الإنسانية..الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان


في مثل هذا اليوم 19 رمضان 1425 هـ، رحل عن عالمنا المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، تاركا إرثا حضاريا من العمل الإنساني والخيري.

إرث قائد يخلده تاريخه الإنساني بحروف من نور، منهجه عطاء بلا حدود، ورسالته نشر الخير في كل زمان ومكان، وهدفه غوث المنكوبين ومساعدة المحتاجين في كل أصقاع المعمورة دون تفرقة على أساس جنس أو لون أو عرق أو دين.

قائد وصفه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في لقاء سابق له بأنه زعيم عالمي للإنسانية، قائلا “عاشرت العديد من زعماء العالم على مدار العقود الماضية لكنني لم أر في حياتي مثل إنسانية الشيخ زايد وتواضعه وحبه للخير وللناس بمختلف مشاربهم.. أقل ما يمكن أن يقال عن هذا القائد الفذ إنه زعيم للإنسانية وعنوانها”.

وحرصا من الإمارات قيادة وحكومة وشعبا على إحياء ذكرى رحيل بشكل يليق بمكانته في قلوبهم، متتبعين السير على نهجه في العطاء ومواصلة أعمال الخير التي غرسها في نفوسهم، وفاءا لسيرته واستلهاما لحكمته، تم إعلان يوم التاسع عشر من رمضان من كل عام “يوم زايد للعمل الإنساني”.
يأتي ذلك إحياء لذكرى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وعرفانا بدوره في تأسيس مسيرة العطاء الإنساني في دولة الإمارات ولتخليد مآثر الخير لرائد العمل الإنساني.

إرث خالد

وأضحى هذا اليوم من كل عام، فرصة لاستذكار الإرث الخالد للقائد المؤسس في العطاء والعمل الإنساني.
وتوافق ذكرى هذا اليوم هذا العام ذكرى اليوبيل الذهبي لتأسيس الإمارات عام 1971، ليكون اليوم بمثابة احتفالية أيضا باليوبيل الذهبي لعطاء الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
عطاء لا يمكن احتسابه فقط بالأعوام التي تولى فيها الراحل قيادة الإمارات منذ تأسيس الاتحاد عام 1971 وحتى رحيله عام 2004، بل هو عطاء ممتد وخالد حتى بعد رحيله.
فذكرى روحه الطاهرة حاضرة في كل إنجاز تحققه دولة الإمارات على الصعيدين الخيري والإنساني لما له من فضل وبصمة في تحويل العمل الإنساني في دولة الإمارات إلى أسلوب حياة وسلوك حضاري تتناقله الأجيال، وذلك عبر مأسسة العمل الإنساني، وتحويل عمل الخير إلى منظومة مؤسسية متكاملة تتبناها الجهات الحكومية والخاصة.
وكما أصبحت الإمارات في عهده من أهم الدول المساهمة في العمل الإنساني والإغاثي على مستوى العالم ـ ها هي اليوم في صدارة دول العالم كأكبر جهة مانحة للمساعدات الخارجية.

دبلوماسية العطاء

و ارتقى القائد المؤسس بقيمة وحضور العمل الخيري ليحوله إلى أحد أهم أبعاد السياسة الخارجية لدولة الإمارات التي تتوجه بالعون والمساعدة إلى كل البشر أينما وجدوا دون النظر إلى دينهم أو عرقهم.

وعمت شواهد عطاء الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مختلف دول العالم فلا تكاد تخلو بقعة من بقاع الدنيا إلا وتحمل أثرا كريما يمجد ذكراه العطرة.
 وقد بلغ حجم المساعدات التي قدمتها دولة الإمارات بتوجيهات منه في شكل منح وقروض ومعونات شملت معظم دول العالم أكثر من 98 مليار درهم حتى أواخر عام 2000.
فعلى الصعيد العربي و في عام 1981 ترأس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قمة الإعلان عن ميلاد مجلس التعاون لدول الخليج العربية وبالتزامن مع انعقاد القمة وجه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، “صندوق أبوظبي للإنماء الاقتصادي العربي” بتقديم قرضين لدولة البحرين بقيمة 160 مليون درهم لتمويل المشروعات الكهربائية والصناعية.
وقرر في عام 1972 مساعدة اليمن بإنشاء إذاعة صنعاء وفي عام 1974 قدم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مبلغاً إضافياً قدره مليون و710 آلاف دولار لتكملة مشروع الإذاعة والتلفزيون في اليمن، وبتوجيهات منه قدمت دولة الإمارات مساعدة عاجلة وقدرها 3 ملايين دولار لتخفيف آثار الفيضانات والسيول التي اجتاحت اليمن في التسعينيات من القرن الماضي.
وقد احتلت مصر على الدوام مكانة متميزة في قلب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي ترك فيها أثراً طيباً اتخذ أشكالا كثيرة منها بناء عدد من المدن السكنية السياحية واستصلاح عشرات الآلاف من الأراضي الزراعية وإقامة العديد من القرى السياحية وتقديم الدعم المادي للمراكز والمستشفيات الطبية.
وتكفل بعد حرب أكتوبر عام 1973 بمساعدة مصر على إعادة إعمار مدن قناة السويس ” السويس- الإسماعيلية- بور سعيد ” التي دُمرت في العدوان الإسرائيلي عليها عام 1967.
وتبرع في العام 1990 خلال مشاركته في الاحتفال التاريخي العالمي الذي أقيم في أسوان بجمهورية مصر العربية بمبلغ 20 مليون دولار وذلك لإحياء مكتبة الإسكندرية القديمة.
و تنهض في المغرب عشرات المشاريع الشامخة أمام الأعين والتي تحمل اسم ” زايد “ومن أبرزها مؤسسة الشيخ زايد العلاجية والمركز الخاص برعاية الطفولة والعديد من الوحدات السكنية المتكاملة، كما وجه صندوق أبوظبي للإنماء الاقتصادي العربي” في العام 1976 لتقديم قرض بقيمة 40 مليون درهم لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بالمملكة المغربية.
وفي فلسطين يعد مشروع ضاحية الشيخ زايد في القدس الذي تكلف نحو 15 مليون درهم واحدا من أبرز المشاريع التي وجه بتنفيذها في فلسطين إلى جانب مشاريع أخرى منها إعمار مخيم جنين الذي تكلف إنشاؤه نحو 100 مليون درهم وبناء مدينة الشيخ زايد في غزة بتكلفة بلغت نحو 220 مليون درهم.

وشكلت مساعدات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى السودان أبرز ملامح العطاءات الخيرية من بينها تبرعه بإنشاء كلية الطب ومستشفى ناصر بمدينة ود مدني السودانية.
واهتم الشيخ زايد بمساعدة لبنان من خلال مبادرته بنزع الألغام التي خلفها الاحتلال الإسرائيلي للجنوب وعلى نفقته الخاصة وكذلك اهتم بأن تقوم الإمارات بدور فاعل في عملية إعادة بناء لبنان بعد الحرب فقدمت الدولة المساعدات المالية والهبات والقروض للمشاريع الحيوية والتنموية.
ونالت سوريا في عهد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قسطا وفيرا من الدعم للمشاريع الخيرية والتنموية حيث وقع “صندوق أبوظبي للإنماء الاقتصادي العربي” في دمشق 3 اتفاقيات مع سوريا لتمويل 3 مشاريع صناعية بقيمة 911 مليون درهم.
وعلى الصعيد الدولي وفي باكستان على سبيل المثال تقف مدن كراتشي ولاهور وبيشاور شامخة مزهوة بالمراكز الإسلامية الثلاثة التي أقامها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لنشر الثقافة الإسلامية والعربية بين أبناء باكستان.
وتجاوزت المشاريع الخيرية الإماراتية في عهد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان نطاق العالم العربي والإسلامي وامتدت لتشمل دول العالم أجمع، ففي عام 1992 تبرعت الإمارات بـ5 ملايين دولار لصندوق إغاثة الكوارث الأمريكي لمساعدة منكوبي وضحايا إعصار أندرو الذي ضرب ولاية فلوريدا الأمريكية.

ويسجل التاريخ مواقفا مشرفة للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في نصرة ودعم شعب البوسنة والهرسك خلال تعرضه لأبشع جرائم الحرب في تسعينيات القرن الماضي حيث وجه في 26 أبريل 1993 بتقديم مبلغ 10 ملايين دولار لإغاثتهم من الأوضاع المأساوية التي يمرون بها.
وفي مايو 1990 تم التوقيع على اتفاق لإقامة مطبعة إسلامية في العاصمة الصينية بكين بمنحة من الشيخ زايد لدعم أنشطة المسلمين الصينيين ونشر الدعوة الإسلامية بتكلفة 3,1 مليون درهم كما تبرع بنصف مليون دولار لدعم جمعية الصداقة بين الإمارات والصين.
وفي 1999 وبتوجيهات من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان غادرت مطار أبوظبي طائرة إغاثة متوجهة إلى اليونان لمساعدة المتضررين من الزلزال الذي ضرب مناطق واسعة من البلاد.
وبتوجيهات منه في عام 2000 بدأ “الهلال الأحمر الإماراتي” في توزيع الأضاحي بجمهورية إنغوشيتيا على النازحين الشيشان، كما قدمت مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية 145 طناً من المساعدات الغذائية للمتضررين من المجاعة التي اجتاحت منطقة القرن الأفريقي.

كذلك قرر مجلس الوزراء الإماراتي تقديم مساعدة عاجلة بقيمة 100 ألف دولار لمنكوبي الزلزال الذي ضرب جواتيمالا.

أوسمة إنسانية

وتتويجا لجهوده الخيرية والإنسانية، حصل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على أوسمة ونياشين من مختلف دول العام تقديرا لما قدمه من خدمات جليلة للإنسانية.
ففي عام 1985 منحته المنظمة الدولية للأجانب في جنيف”الوثيقة الذهبية” باعتباره أهم شخصية لعام 1985 لدوره البارز في مساعدة المقيمين على أرض بلاده وخارجها في المجالات الإنسانية والحضارية والمالية.
وفي عام 1988 اختارت هيئة “رجل العام” في باريس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وذلك تقديرا لقيادته الحكيمة والفعالة ونجاحه المتميز في تحقيق الرفاهية لشعب دولة الإمارات وتنمية بلاده أرضا وإنسانا ما جعلها دولة متطورة متقدمة.
ومنحت جامعة الدول العربية في عام 1993 “وشاح رجل الإنماء والتنمية ” للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

وفي عام 1995 قدمت جمعية المؤرخين المغاربة للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “الوسام الذهبي للتاريخ العربي”، وذلك تقديرا منها لجهوده في خدمة العروبة والإسلام واعترافا بأياديه البيضاء على العلماء واعتزازا بشغفه بعلم التاريخ والدراسات التاريخية.

وفي عام 1995 اختير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان” الشخصية الإنمائية لعام 1995″ على مستوى العالم، من خلال الاستطلاع الذي أجراه مركز الشرق الأوسط للبحوث ودراسات الإعلامية في جدة، وشارك فيه أكثر من نصف مليون عربي.

وفي عام 1996 أهدت منظمة العمل العربية درع العمل للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، تقديرا من المنظمة للدور الرائد له في دعم العمل العربي المشترك.
وأقامت الجمعية العامة للأمم المتحدة في مبادرة غير مسبوقة في 4 نوفمبر 2011 حفل تأبين للراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، تحدث فيه رئيس الجمعية وممثلو مجموعات دول المناطق الجغرافية العالمية الخمس في المنظمة الدولية من قارات آسيا وأفريقيا ودول أوروبا الشرقية ودول أمريكا اللاتينية والكاريبي ودول أوروبا الغربية بالإضافة إلى ممثل الولايات المتحدة الأمريكية الدولة المضيفة.
واستعرض المتحدثون في هذه الجلسة الخاصة جوانب من الحياة السياسية والدبلوماسية الحكيمة والإنجازات العظيمة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، سواء على صعيد بناء دولة الإمارات العربية المتحدة وإنجاز نهضتها الحديثة أو في مجالات التعاون الدولي والعمل الإنساني وتقديم المساعدات السخية للدول الفقيرة والنامية.

وأكدوا أن ذكراه ستظل مصدر إلهام لا ينضب لشعبه ولجميع الذين يعملون جاهدين من أجل قضايا السلام وبناء الإنسان وإسعاد البشرية.

على خطى زايد.. بلغة الأرقام

وعلى خطى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، تواصل الإمارات نهجها الإنساني في تقديم المساعدات التنموية والإنسانية والخيرية لمختلف مناطق العالم وشعوبها وتبرهن لغة الأرقام على الدور الإنساني الإماراتي منذ عام 1971 حتى عام 2015.

وقدمت دولة الإمارات أكثر من 174 مليار درهم توزعت على 178 دولة استفادت من مشروعات الجهات المانحة الإماراتية وبرامجها بدعم واهتمام من القيادة الرشيدة وبسخاء من الإنسان الإماراتي الأصيل ولذا حازت الإمارات على المرتبة الأولى عالمياً في حجم المساعدات الإنمائية الرسمية مقارنة بالدخل القومي الإجمالي لعدة أعوام متتالية.
ووفق إعلان لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بلغ حجم المساعدات الإنمائية الرسمية الإماراتية خلال عام 2016 نحو 15.23 مليار درهم بنسبة 1.12 بالمائة من الدخل القومي الإجمالي وأكثر من 54 بالمائة من تلك المساعدات تم تقديمها على شكل منح مما يجعل من دولة الإمارات خير سند وعضد للبشرية جمعاء.
كما أظهرت الأرقام التي أصدرتها وزارة المالية الإماراتية، ارتفاع قيمة المنح التي قدمتها دولة الإمارات داخل وخارج الدولة إلى نحو 14.8 مليار درهم خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2019 بزيادة نسبتها 8% مقارنة مع 13.7 مليار درهم في الفترة ذاتها من العام 2018 .
وتشكل قيمة المنح المقدمة خلال الفترة من يناير وحتى نهاية سبتمبر من العام 2019 نحو 74.7% من إجمالي قيمة المنح التي قدمتها دولة الإمارات طيلة العام 2018 البالغة 19.8 مليار درهم.
وكانت دولة الإمارات تصدرت قائمة الدول الأكثر عطاءً على مستوى العالم خلال العام 2017، وذلك طبقا لما أعلنته لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ويحل “يوم زايد للعمل الإنساني” هذا العام، وللعام الثاني على التوالي في ظل الظروف الاستثنائية التي يعيشها العالم جراء تفشي فيروس كورونا المستجد والتي تتطلب الاقتداء بالإرث الإنساني للقائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، من أجل مزيد من التعاون والتكاتف لمواجهة التحديات الناجمة عن أزمة “كورونا”.
وأكدت الإمارات خلال جائحة كورونا التزامها بالرؤية والرسالة الإنسانية التي رسخها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وذلك من خلال جهودها ودورها في مساعدة دول العالم على التصدي لهذه الأزمة حيث أرسلت نحو 2000 طن من المساعدات الطبية إلى 130 دولة، في إطار سعيها لنشر قيم الخير والتعاون والتضامن بين البشر.

Exit mobile version