دلالات لن يفقهها الولي الفقيه
يحمل حريق القنصلية الإيرانية في النجف دلالات أكبر من طبيعة الحدث، ومن غير المتوقع أن يفقهها “الولي الفقيه”، لأنه سوف يختصرها في كلمة واحدة، جامعة مانعة: “مؤامرة”.
الدلالة الأولى، هي أن هناك مؤامرة فعلا. إنها مؤامرته هو على العراق وعلى ملايين العراقيين الذين رأوا الويلات تحت حكم نظامه الصفوي وبأيدي مليشيات اللصوص التي تنهب العراق لصالحه. والسجل شديد الوضوح إلى درجة أن المرء لا يحتاج أن يذكر الكثير. فابتداء من حملة الاغتيالات التي طالت الآلاف من العلماء والأكاديميين والعسكريين والشخصيات الوطنية، مرورا بسياسات العزل والتطهير الطائفي التي مزقت أواصر المجتمع العراقي، وصولا إلى “صناعة الفساد”، وهي الصناعة الوحيدة التي ظلت تعمل بعد انهيار كل شيء، ومن بعد كل ذلك، حروب الإبادة التي شنتها المليشيات ضد المدن التي ناهضت الغزو الأمريكي، فقد دفع العراقيون الثمن باهظا لقاء مؤامرة قصدت من الأساس أن تدفع إلى تحطيم العراق وتحويله إلى مستنقع انهيارات وجرائم لرعاع الحرس الثوري.
ولقد عمد المتظاهرون في النجف، كما فعل المتظاهرون في البصرة، كما سوف يفعلون في كل مكان آخر، إلى التعبير عن غضبهم حيال ما صنعته تلك المؤامرة ضد بلدهم.
الدلالة الثانية، هي أن “المشروع الطائفي” ما كان بوسعه أن يسقط إلا من قلب النجف وكربلاء التي يعتبرها الصفويون كعبتهم الوحيدة. وها هو يتداعى في تظاهرات لا تهدأ إلا لتندلع من جديد حتى ينهار المشروع في كل العراق، ويخرج مُهانا، مكروها، وذليلا.
الدلالة الثالثة، وعلى النقيض من ذلك المشروع القبيح، فإن صحوة الوطنية الجامعة باتت تشكل تحديا صريحا وقاهرا لا يمكن قهره، ضد كل الغزاة، ولتؤكد، في الوقت نفسه، أن العراق هو وطن أهله، كلهم، بلا تمييز ولا تفريق، وأنه ابن انتمائه العربي الطبيعي.
بوطنيتهم الجامحة جموح الخيل في جدارية جواد سليم في ساحة التحرير، فإن العراقيين سوف يدوسون بالأقدام كل وجه من وجوه المشروع الطائفي، وكل علة من علله، ويغسلون عاره.
الدلالة الرابعة، هي أن السيل الذي بلغ الزبى، لن يتوقف عن الطوفان. ليس لأن إيران ومليشياتها سوف تكف عن أعمال القتل والترويع، بل لأن الملايين ذاقوا من مرارات الفقر والحرمان والجوع ما جعل الموت نفسه أهون عليهم من حياة لا حياة فيها. ولأن مشاعل الحرية التي توقد نيرانها الأشعار والأناشيد والأغاني والأهازيج الوطنية لن تتوقف عن النفخ في النار حتى يحترق الطغاة والجلادون بما فعلوا.
الدلالة الخامسة، هي أن مشروعا سلطويا جاهلاً كـ”ولاية الفقيه” ليس له أرض في العراق. حتى إنه ليس له أرض في إيران نفسها. ذلك أنه يقوم على تصور فقهي أعوج، يرفضه الكثير من رجال الدين، ويعتبرونه مشروعا يجمع مصيبتين، بكونه أتوقراطيا – ثيوقراطيا، كانت واحدة منها تكفي للفشل، فكيف إذا اجتمعت الاثنتان معا.
الدلالة السادسة، هي أن ذلك الفشل بلغ حدودا لا تطاق، حتى أصبحت الاحتجاجات، ليس في العراق وحده، بل أينما امتدت يد العمالة لطهران، هي الأمل الوحيد الباقي لإعادة البناء. فالإحصائيات عن حجم البطالة والفقر والفساد تكاد تجعل من المستحيل لأي شعب في الدنيا أن يطيق صبرا عليها. وعلى امتداد 40 عاما من حكم “الولي الفقيه” في إيران و16 عاما من حكم عصاباته في العراق، و30 عاما من تسلط لواء الحرس الثوري، المسمى حزب الله في لبنان، تم تبديد ليس المليارات وإنما تريليونات الدولارات على خيارات عدوانية وأعمال فساد، بينما كان كل شيء في اقتصاديات هذه البلدان الثلاثة يتداعى وينهار تحت أنظار الضحايا.
ولقد كان من الأولى بالولي الفقيه، لو كان يفقه شيئا، أن يسأل رجالاته: كم تريدون للناس أن يطيقوا على فشلكم صبرا؟ ولكنها سياساته وخياراته وطبيعة نظامه، مع الأسف.
أما الدلالة السابعة، فإن عنف الوحشية التي يمارسها عملاء الولي الفقيه، لا بد في النهاية أن تنقلب إلى نار تحيط بقنصلياته وسفاراته، لتجبرهم على الفرار، فالتظاهرات على سلميتها، تريد أن تقدم الإيحاء الذي لن يفقهه الولي الفقيه أبدا: إنما النار بالنار، والبادئ أظلم.
نقلا عن العين الإخبارية