تقف العلاقات التركية-الإيرانية على إرث من الخلافات والصراعات المتداخلة.
ولعل هذا الإرث الثقيل يخيم على كل تحرك للبلدين في ساحات مختلفة، على أسس يتداخل فيه الطائفي بالمصالح الاقتصادية والنفوذ الإقليمي والدور السياسي، على شكل مواجهة، في إشارة إلى التصادم الإقليمي بينهما، والذي أساسه صدام على الجغرافيا السياسية والاجتماعية منذ أن ثبتت معركة جالديران 1514 الحدود الجغرافية بين البلدين.
وانطلاقا من هذا الإرث الثقيل تختلف رؤية كل طرف إلى التحولات الجارية في المنطقة، لا سيما الانفتاح التركي على الدول العربية وإسرائيل، إذ تخشى إيران من انعكاسات هذه التحولات على مصالحها، ونفوذها، وسياساتها الإقليمية، وفي هذا الإطار ينبغي النظر إلى كشف تركيا مؤخرا عن العديد من شبكات التجسس الإيرانية، التي اخترقت الساحة التركية، سواء تلك الشبكات التي خطفت العديد من المعارضين الإيرانيين ونقلتهم إلى داخل إيران، أو محاولة اغتيال رجل الأعمال الإسرائيلي، يائير غيلر، في قلب إسطنبول، وهي عمليات تشكل مؤشرا قويا إلى أن العلاقات الإيرانية-التركية قد تدخل في اشتباك سياسي في المرحلة المقبلة.
ما الذي أرادته إيران من محاولة اغتيال “غيلر”؟
ترى الأوساط التركية أن إيران أرادت من وراء ذلك تحقيق جملة أهداف، لعل أهمها:
1-توجيه ضربة للتقارب الجاري في العلاقات التركية-الإسرائيلية، حيث تستعد تركيا لاستقبال الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، والحديث عن زيارة مماثلة للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى إسرائيل، لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.
2-توجية ضربة استخباراتية لإسرائيل، التي نجحت في توجيه سلسلة ضربات أمنية إلى إيران خلال السنوات الأخيرة، كانت أبرزها، قتل محسن فخري زاده، ومن قبل سرقة الأرشيف النووي الإيراني ونقله إلى إسرائيل.
3-محاولة عرقلة التقارب التركي مع مصر ودول الخليج العربي، لاعتقاد إيران بأن هذا التقارب والتأسيس لتحولات إقليمية، سيؤثران على مصالحها الإقليمية، ونفوذها، ومصالحها، ودورها في العديد من ساحات المنطقة.
4-أبعد مما سبق، ترى إيران أن التحولات الجارية في جنوب القوقاز من تقارب تركي-أذري مع أرمينيا بعد عقود من الحرب بينهما، وكذلك التحولات الجارية في شرق المتوسط، وظهور خرائط جديدة لنقل الطاقة إلى أوروبا، بما يقطع الطريق أمام الأحلام الإيرانية في هذا الخصوص، ترى إيران أن كل هذه التحولات تصب في صالح تركيا وضد مصالحها الإقليمية الحيوية.
هذا التضارب في المصالح الإيرانية-التركية، وسط إحساس إيران بالخسارة، هو ما يدفع بطهران إلى جعل تركيا ساحة للأعمال الاستخباراتية، وتصفية الحساب معها ومع إسرائيل، التي تقف بشدة ضد البرنامج النووي الإيراني، في تأكيد أن هذه الحرب الاستخباراتية هي حرب لها أجندة سياسية واقتصادية.
وقد كان لافتا وقف إيران صادرات الغاز إلى تركيا في منتصف الشتاء، بحجة “عطل فني”، فيما كان المُراد هو “ابتزاز تركيا” من خلال ورقة الطاقة، وهو ما سيوسع من هوة الخلافات بين البلدين، خاصة أن توقيت استخدام ورقة الغاز من قِبل إيران كان له علاقة بحرب شبكات الاستخبارات الإيرانية داخل تركيا.
في الواقع، رغم حرص إيران وتركيا على ضبط بوصلة الخلافات بينهما، وتدوير الزوايا، فإن إيران ترى في التحولات التركية الجارية ضربة كبيرة لمصالحها، ما يرشح العلاقات بينهما لمواجهة سياسية ساخنة.