دراسة جديدة: الصيام يعزز الذاكرة ولا يؤثر على التحصيل العلمي

أظهرت دراسة بريطانية لباحثين من مؤسسة شمال شرق لندن للخدمات الصحية الوطنية، أن الصيام واتباع الأنظمة الغذائية التي تعتمد على تقليل السعرات الحرارية يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على القدرات العقلية، مما يعزز الذاكرة ويُحسن الأداء المعرفي لدى الإنسان.
وتُعد هذه النتائج جزءا من الجهود المستمرة لفهم تأثيرات تقليل السعرات الحرارية على الصحة العامة وطول العمر.
وقام الباحثون خلال الدراسة المنشورة بدورية “نيوترشن ريفيو” بمراجعة الدراسات السابقة، حيث تبين أن تقليل السعرات الحرارية المستمر (CCR) والصيام يقدمان فوائد صحية كبيرة، خصوصا في ما يتعلق بتحسين الذاكرة وسرعة المعالجة الذهنية، فمن بين 33 دراسة تناولت تأثير تقليل السعرات والصيام على الوظائف المعرفية لدى البشر، أظهرت 23 منها تغييرات ملحوظة في القدرات العقلية.
وتبين أن تقليل السعرات يحسن من القدرات المتعلقة بالتحكم الذاتي، وسرعة المعالجة، والذاكرة العاملة، في حين قد يؤثر سلبا على المرونة المعرفية.
- الصيام ليس مبررا للعصبية.. دراسة علمية تكشف الحقيقة
ورغم هذه النتائج، فإن الدراسة توضح أن درجة تقليل السعرات هي العامل الأساسي الذي يحدد ما إذا كان هناك تحسن أو تدهور في القدرات العقلية، لذا، فإن الاعتدال في الصيام أو تقليل السعرات قد يؤدي إلى تحسينات معرفية، في حين أن القيود الشديدة قد تكون لها آثار سلبية.
ويؤكد الباحثون على الحاجة إلى مزيد من الأبحاث لفهم التأثيرات المختلفة لأنواع الصيام وتقليل السعرات الحرارية، والبحث عن التوازن المناسب الذي يمكن أن يعود بالفائدة على صحة الإنسان دون التأثير سلبا على وظائفه العقلية.
ويعتبر الصيام من الممارسات الدينية والاجتماعية الهامة في العديد من الثقافات حول العالم. وعلى الرغم من ارتباطه بشكل أساسي بالعبادات والطقوس الدينية، إلا أن الدراسات العلمية الحديثة بدأت تسلط الضوء على الفوائد الصحية للصيام، سواء على الصعيد البدني أو العقلي. من أبرز هذه الفوائد هو تأثير الصيام على الذاكرة، وما إذا كان له تأثير على الأداء الأكاديمي والتحصيل العلمي.
الفوائد العقلية للصيام:
تظهر الأبحاث العلمية أن الصيام يمكن أن يكون له تأثيرات إيجابية على الدماغ. في البداية، يجب أن نفهم كيف يؤثر الصيام على الجسم بشكل عام. أثناء الصيام، يقوم الجسم بتحفيز العديد من العمليات البيوكيميائية الداخلية، مثل تقليل مستويات السكر في الدم وزيادة إفراز الهرمونات مثل الأدرينالين والكورتيزول. هذه التغيرات يمكن أن تؤثر بشكل غير مباشر على الدماغ، من خلال تحفيز عمليات عقلية متقدمة.
تأثير الصيام على الذاكرة:
أظهرت الدراسات أن الصيام يمكن أن يعزز الذاكرة والتركيز. وفقًا لبحث نشر في مجلة “Nature Reviews Neuroscience”، يعزز الصيام من إفراز بروتين BDNF (Brain-Derived Neurotrophic Factor)، وهو بروتين يعزز نمو الخلايا العصبية في الدماغ ويساهم في تحسين وظائف الذاكرة. هذا البروتين يلعب دورًا حيويًا في قدرة الدماغ على التعلم وتخزين المعلومات.
أظهرت دراسة أخرى أن الصيام يحفز تغييرات في الخلايا العصبية في منطقة الدماغ المسؤولة عن الذاكرة، مثل الحُصين. هذه التغيرات يمكن أن تساهم في تحسين القدرات المعرفية وزيادة القدرة على تذكر المعلومات.
الصيام والقدرة على التركيز:
إلى جانب تأثيره الإيجابي على الذاكرة، يُعتقد أن الصيام يعزز أيضًا القدرة على التركيز والانتباه. في دراسة أجراها معهد الطب العصبي في جامعة كاليفورنيا، تبين أن الأفراد الذين يخضعون لفترات صيام منتظمة يظهرون تحسنًا ملحوظًا في قدرتهم على التركيز والقيام بالمهام المعرفية المعقدة. يُعزى ذلك إلى انخفاض مستويات الالتهابات في الدماغ وزيادة النشاط العصبي الذي يسهم في تعزيز الأداء المعرفي.
تأثير الصيام على التحصيل العلمي:
على الرغم من الفوائد العقلية العديدة التي يقدمها الصيام، فإن السؤال المهم الذي يطرحه الكثيرون هو ما إذا كان الصيام يؤثر على الأداء الأكاديمي والتحصيل العلمي. العديد من الدراسات تشير إلى أن الصيام لا يؤثر سلبًا على الأداء الدراسي، بل قد يساعد في تحسينه.
دراسة نشرتها “المجلة الدولية للتغذية” وجدت أن الطلاب الذين يصومون في رمضان على سبيل المثال، لا يعانون من انخفاض في أدائهم الأكاديمي مقارنة مع الأيام العادية. على العكس، أظهرت الدراسات أن مستويات الطاقة والتركيز تتحسن لدى الطلاب في فترة الصيام، مما يساهم في تحسين قدرتهم على استيعاب المعلومات وتحقيق أداء جيد في الامتحانات.
يعتقد العلماء أن هذا التأثير يرجع إلى تقليل التشتت الذهني وزيادة الانتباه نتيجة للتغييرات في نظام الطاقة في الجسم. علاوة على ذلك، قد يؤدي الصيام إلى تحفيز أنماط نوم صحية أكثر وتجنب الإرهاق الناجم عن الإفراط في تناول الطعام أو السكريات.
العوامل التي تؤثر في التأثيرات الصحية للصيام:
من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن التأثيرات الصحية للصيام تعتمد بشكل كبير على كيفية القيام بالصيام. الصيام غير المتوازن أو المفرط قد يؤدي إلى نقص في العناصر الغذائية الضرورية، مما قد يؤثر على الأداء العقلي والعلمي. بالإضافة إلى ذلك، يجب مراعاة العوامل الشخصية مثل الصحة العامة والنظام الغذائي والأنماط الحياتية.
في الختام، أظهرت الدراسات العلمية أن الصيام يمكن أن يكون له تأثيرات إيجابية على الدماغ، لا سيما في تعزيز الذاكرة والتركيز. وعلى الرغم من أن الصيام قد يؤدي إلى بعض التحديات الجسدية، إلا أن تأثيره على التحصيل العلمي لا يبدو سلبيًا بشكل عام. بل إن الصيام يمكن أن يكون له دور في تحسين الأداء الأكاديمي إذا تم بشكل معتدل ومتوازن.
من خلال توجيه الأبحاث المستقبلية نحو دراسة التأثيرات الدقيقة للصيام على الدماغ والأداء العقلي، يمكن أن نتمكن من استكشاف المزيد من الفوائد التي قد تعود على الأفراد من ممارسة الصيام في سياقات تعليمية وصحية.