سياسة

خير الدين كَرَمَان…مفتي أردوغان


‏في كل ضائقة مر بها أردوغان يظهر هذا الرجل لتقديم المدد بفتاويه المثيرة بما يتناسب مع مقاس خليفته، فهو يسعى بكل جهده ليلوي النصوص بما يخدم به مصالح أردوغان الشخصية، لقد حاز بفضل فتاويه على لقب مفتي القصر دون منازع له في تركيا، سنأخذ في هذا المقال جزءاً من فتاويه لنطلع على حجم التلاعب في الدين لإظهار زعيمه بمظهر المؤمن الذي يهتم لأمر المسلمين، في حين أنه لا يدع وسيلة ولا مصيبة من مصائب المسلمين إلا واتخذ منها أداة لتعزيز مكاسبه الشخصية دون النظر لمصلحة الدولة التركية فلقد أظهر أردوغان أنه يمارس التجارة بالدين وعلى كافة المستويات وفي كل أحواله.

‏الحديث عن خير الدين كَرَمَان الكاتب والفقيه وأحد أبرز رجال الدين الذين يعتمد أردوغان على فتاويهم للسيطرة على التيار المحافظ وناخبي حزب العدالة والتنمية؛ لأن كرمان يحيك فتاويه التي تجعل من الدين أداة للسياسة بحذر وحساسية، ويصدر الفتاوى وفق حاجة السلطة.

‏خير الدين كَرَمَان

‏ولد كرمان عام 1934 في مدينة تشوروم، والتحق بمدارس الأئمة والخطباء وتخرج فيها عام 1959 لينتقل إلى المعهد الإسلامي العالي في إسطنبول والذي تخرج فيه عام 1963. حاز على درجة الدكتوراه الأكاديمية وعمل أستاذا مساعدا في كلية الإلهيات في إسطنبول ومدرسا لأصول الفقه في جامعة مرمرة، إلا أن كرمان استقال من وظيفته في الجامعة ليصبح عضواً في المجلس الاستشاري الأعلى في “موسياد” وعضواً في المجلس الاستشاري في بنك الزراعة وكاتباً في صحيفة يني شفق الموالية لأردوغان ومديراً لمؤسسة “نسل”.

‏فتاوى القصر

العمل الأهم بالنسبة لكرمان الذي يخاطب أردوغان بكلمة “أخي” والذي تم اختياره نائبا للرئيس العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي اجتمع في إسطنبول العام الماضي، هو إصدار الفتاوى من أجل القصر.

‏عمليات مكافحة الفساد 2013

‏كانت الأنظار قد اتجهت نحو رجال الدين في الفترة التي شهدت القيام بعمليات 17-25 ديسمبر/كانون الأول 2013 ضد الفساد والتي طالت الحلقة المقربة من أردوغان وعائلته. كانت السلطة حينذاك بيد حزب إسلامي هو العدالة والتنمية، وتم القبض على وزراء وأبناء وزراء من حزب العدالة والتنمية متلبسين بحيازة أموال طائلة مخبأة في علب الأحذية وصناديق فولاذية ضخمة، بالإضافة إلى ماكينات عد الأموال.

‏كتب كرمان بعد يومين من 17 ديسمبر مقالة في زاويته في صحيفة يني شفق تحت عنوان “أصدقاء تركيا وأعداؤها” أعطى فيها فتوى بإمكانية التضحية ببعض المجموعات من أجل بقاء الدولة، وطرح مثالاً لرئيس حزب الوحدة الكبرى محسن يازجي أوغلو الذي لا تزال حادثة مقتله غامضة كمثال بقوله:

‏”المادة 26 في مجلتنا (مجلة الأحكام العدلية) تقول: “يجوز اختيار الضرر الخاص من أجل دفع الضرر العام” ولكي يفهم الشباب نترجمها للغة اليوم: ” يُحتمل الضرر العائد لشخص أو منطقة أو مجموعة من أجل دفع الضرر عن المجتمع والأمة” وأنا أذكّر أصحاب العقل والقلب السليم في السياسة بهذه القاعدة وأذكر المرحوم الشهيد محسن يازجي أوغلو كمثال مع الدعاء له”.

‏الفساد ليس سرقة

أما فتوى “الفساد ليس سرقة” فهي أيضاً من فتاوى كرمان المثيرة للجدل، حيث قال كرمان:

‏”يجب على المسلم المتدين أن يكون واعياً، حيث إنه سيسأل عن كل كلمة تخرج من فمه ويتصرف على هذا الأساس. لهذا السبب لا يمكن لأحد أن يقول لمرتكب الفساد “لص” ولمتعاطي الكحول “زانٍ” وللمغتاب “مفترٍ”، وإذا فعل ذلك فيكون قد كذب وافترى”

‏قصر أردوغان كتوسعة المسجد النبوي

‏أما قضية القصر الرئاسي فهي حادثة أخرى انبرى فيها كرمان للدفاع عن أردوغان بعد تصاعد ردود الأفعال بسبب المليارات التي تم إهدارها لبناء قصر أردوغان الذي يتألف من أكثر من ألف غرفة:

‏”تم تحويل ممارسة الاستملاك، الذي بدأ عندما حدث حاجةٌ لتوسيع المسجد في عهد الخلفاء الراشدين، إلى قانون في المادة 1216 من المجلة، وتم ربطه بحجة الحاجة العامة. ورؤي أن الاستملاك جائز للحاجة العامة في حين أن أخذ أملاك موجودة في ملكية الأشخاص بالقوة غير جائز حتى لو تم دفع ثمنها”.

‏الضرائب  

‏وحاول خلق غلاف ديني للضرائب المرتفعة: 

‏”ليس على المسلمين مدفوعات غير الزكاة في الأحوال العادية أي حين يكون دخل الدولة كافياً لنفقاتها، وتم الإجماع على جواز أخذ الضرائب من المسلمين المقتدرين في حال عدم كفاية موارد الدولة لإنفاق معين تستلزمه الحاجة والمنفعة العامة”. 

‏التصويت لأردوغان في إسطنبول من ضرورات الإيمان

‏أما بالنسبة للانتخابات المحلية الأخيرة التي تمت إعادتها في إسطنبول بعد اعتراض حزب العدالة والتنمية على النتائج التي أنصفت أكرم إمام أوغلو على حساب بن علي يلدريم، فقد كانت تحمل أهمية كبيرة بالنسبة لحزب العدالة والتنمية.. لهذا لم يتردد كرمان في تقديم الدعم للحزب فنشر مقالاً في صحيفة يني شفق التركية يستجدي به دعم الناخبين، وقبل يومين من الانتخابات كتب كرمان أن التصويت لأردوغان من ضرورات الإيمان:

‏”أنا أفضل المؤمن حتى لو كان فاسقاً، على غير المؤمن حتى لو كانت له جوانب جيدة فيما عدا عيبه الأكبر وهو عدم الإيمان وخاصة إذا كان معارضاً لقضيتي، لأنني أعطي الأولوية للإيمان. وأتأمل أن الإيمان سيصلح ذلك الفاسق يوماً ما. وهذا الموقف ليس خاصاً بي هذه قاعدة دينية”.

‏مفتي أردوغان يتراجع

‏لكن كرمان غيّر خطابه بعد هزيمة 23 حزيران وفوز أكرم إمام أوغلو ونشر مقالاً تحت عنوان “بلاء الرشاوى” يتحدث فيه عن الرشاوى المستشرية في البلاد واصفاً إياها بالبلاء والقذارة، داعياً الى كفاح شامل من قبل الدولة والشعب للقضاء عليها في محاولة لملامسة نبض الشارع التركي الذي يطالب بالإصلاح ومكافحة الفساد والإسراف الذي استشرى في الدولة تحت سلطة حزب العدالة والتنمية.

‏هذا نموذج يظهر لنا حقيقة هؤلاء الذين يسعون لخدمة مولاهم بما يخدم أفكاره ومشاريعه التوسعية ويبررون له الاعتقالات التعسفية والظلم الذي يمارسه على شعبه باسم الإسلام في حين إن الإسلام بريء منهم ومن كل من يسعى ويتخذ من آلام الناس ومعاناتهم سلماً للوصول لأهدافه.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى