تحقيقات

خطة مدروسة للتشويش والمراوغة.. كيف يحاول الإخوان الإفلات من المحاسبة؟


بينما تسير تونس في طريق المحاسبة القضائية لكشف المتورطين في محاولة زعزعة الأمن القومي، يصرّ تنظيم الإخوان على استخدام أدواته التقليدية في المناورة والتشويش، متخذا من المشهد القضائي ساحة جديدة للمواجهة السياسية.

 في محاكمة تاريخية تتعلق بـ”التآمر على أمن الدولة”. تعود حركة النهضة إلى الواجهة عبر سلوكيات تُقرأ على أنها محاولات لتقويض سير العدالة وكسب تعاطف سياسي وشعبي، داخليًا وخارجيًا. 

فمع بدء الجلسات، علت أصوات أنصار التنظيم أمام المحكمة، وانطلقت حملة إضرابات عن الطعام، وصدرت مواقف سياسية تضامنية، أبرزها من قيادات تقبع خلف القضبان.

 ومع توالي المعطيات، تزداد المؤشرات على وجود خطة ممنهجة للتشويش على الإجراءات القضائية، في وقت تكشف فيه. التحقيقات عن تفاصيل خطيرة لمخطط انقلاب سياسي وأمني تورّط فيه العشرات من قيادات النهضة وحلفائهم.

 هذا التقرير يرصد تفاصيل تلك القضية المثيرة وتكتيكات التأثير التي يحاول التنظيم توظيفها للنجاة من المحاسبة.

مناورة عاطفية

أُجّلت مجددًا محاكمة من يُعرفون في تونس بـ”المتورطين في التآمر على أمن الدولة”، وهم من قيادات الصف الأول في حركة النهضة الإخوانية. الجلسة التي عُقدت أمام الدائرة الجنائية الخامسة بالمحكمة الابتدائية في العاصمة شهدت توترًا واضحًا منذ بدايتها. بعد أن عمد أنصار التنظيم إلى إثارة الفوضى والتشويش خارج أسوار المحكمة، ما اضطر القاضي إلى رفع الجلسة مؤقتًا.

طلب محامو الدفاع السماح لعائلات الموقوفين بدخول قاعة المحكمة، في محاولة وصفتها أوساط قانونية بالمناورة العاطفية. التي تهدف إلى التأثير في الرأي العام وخلق تعاطف إنساني لتغليف القضية بأبعاد غير قانونية. إلا أن مراقبين اعتبروا تلك التحركات جزءًا من خطة إخوانية أشمل للتأثير على مسار العدالة، وتشويه القضية إعلاميًا وسياسيًا.

ومن أبرز تلك التحركات إعلان ستة من المتهمين – من بينهم قياديون بارزون – الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام، وهو تكتيك تلجأ إليه الجماعة تاريخيًا في حالات السجن السياسي لترويج سردية “الاضطهاد”. 

الأكثر تصعيدًا جاء من القيادي الإخواني السيد الفرجاني. الذي أعلن إضرابًا شاملاً عن الطعام والدواء والماء، متزامنًا مع انطلاق المحاكمة.

سياسيون محسوبون على التنظيم، مثل أحمد نجيب الشابي، أعلنوا مقاطعة الجلسات تضامنًا مع الموقوفين، في خطوة اعتبرها البعض استثمارًا سياسيًا للقضية، لا سيما أنها تأتي بعد سلسلة من الضربات التنظيمية والقانونية التي تلقاها الإخوان خلال السنوات الأخيرة.

كسب التعاطف الخارجي 

من جانبه، يقول المحلل السياسي التونسي عبد الحميد بن مصباح. إن التنظيم يعتمد سياسة “التمويه والمظلومية” منذ سقوطه من الحكم. معتبرًا أن الهدف الحقيقي هو كسب التعاطف الخارجي والضغط على الدولة التونسية عبر المنصات الحقوقية الدولية.

 وأشار أن محاولات التنظيم لإعادة التموضع تشمل تحركات سياسية وإعلامية واسعة. بالتوازي مع الضغط في الميدان القضائي.

وأضاف أن المخطط الإخواني كان يهدف إلى إسقاط الدولة من الداخل. وأن تورطهم ليس مجرد تهمة بل موثق بالأدلة، مضيفًا إن أكثر من 40 متهمًا تورطوا في القضية. وبدأت تفاصيل المخطط تتكشف منذ مطلع 2023، عندما رصدت أجهزة الاستخبارات محادثات وتحركات مشبوهة لقيادات التنظيم.



محاولة الانقلاب

تفاصيل التحقيقات تشير أن الخطة شملت محاولة استمالة قيادات عسكرية. والبحث عن قنوات اتصال مع منظمات إرهابية، بل وحتى التواصل مع أطراف دبلوماسية بغرض الحصول على دعم لوجستي وسياسي في محاولة للانقلاب على الرئيس قيس سعيد

وقد كشفت تقارير أمنية عن شخصية مركزية في هذا المخطط، وهو خيام التركي. الذي طُرح ليكون بديلاً لسعيد في حال نجاح المخطط، بصفته مرشح التوافق داخل الجماعة.

الهدف من العملية كان إعادة العمل بدستور 2014. الذي كانت النهضة من أبرز مهندسيه، وتشكيل حكومة انتقالية تحت رعاية التنظيم.

الخطة انطلقت فعليًا مساء 27 يناير 2023، حين حاول بعض المتهمين تأجيج الشارع لخلق حالة من الفوضى. لكن أجهزة الأمن أحبطت العملية بعد تتبع دقيق للمكالمات والتنقلات.

اللافت أن هذه التحركات تتزامن مع حملة تشكيك دولية بقيادة أطراف إخوانية في الخارج، تحاول تصوير المحاكمة كقمع سياسي. وليس كمسار عدالة جنائية تتوفر فيه كل ضمانات المحاكمة العادلة.

ووسط هذا المشهد المعقّد، يرى مراقبون، أن نجاح الدولة التونسية في تجاوز هذه المرحلة يعتمد على تماسك مؤسساتها الأمنية والقضائية. وكذلك على وعي الرأي العام الذي أصبح أكثر دراية بآليات الجماعة في الالتفاف والتشويش.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى