حيثما تكون السلطة.. فثم “شرع الإسلاموية”


نقدم في السطور التالية كيف نظرت الإسلاموية في نصوصها التأسيسية للتماهي بين الديني والسياسي بدرجات مختلفة.

بنظرة فاحصة لتاريخ الإسلاموية نستطيع أن نقول إن التزام الإسلامويين بأي شيء سيستمر فقط طالما أن ذلك يضمن لهم الوصول للسلطة، أو يحافظ علي سلطتهم إن كانوا في سدة الحكم. فالقاعدة التي لم تتغير طوال أكثر من تسعين عاما هي عمرها، هي أنه أينما تكون السلطة، فثم شرع الإسلاموية. ولكن كيف وصل الأمر لذلك المنحى؟

نقدم في السطور التالية كيف نظرت الإسلاموية في نصوصها التأسيسية للتماهي بين الديني و السياسي بدرجات مختلفة، بدأت بتأصيل العلاقة بين الديني والسياسي مروراً بتقديس تلك العلاقة ونهاية بتسييس كلي للديني لتختزل بذلك الثقافة في السياسة و المجتمع في الدولة و الدين في السلطة و الحكم.

بالطبع حسن البنا هو أول من نظر للربط بين الديني و السياسي بشكل لم يسبقه إليه أحد فيقول: “افهموا المسلمين أن الاسلام شيء يجب أن يكون بعيدا عن السياسة. فحدثوني بربكم أيها الإخوان إذا كان الإسلام شيئا غير السياسة فما هو إذن؟”. ثم يأتي عبد القادر عوده لا ليربط فقط بين الدين و السياسة، و لكن ليجعل السياسة جزءا من الشريعة، فيقول في تعريفه للشريعة أنها “مجموعة من المبادئ و النظريات التي شرعها الإسلام في التوحيد و الإيمان و العبادات و الأحوال الشخصية و الجرائم و المعاملات و الإدارة والسياسة”. ثم ينظر عوده للدمج الكلي للسياسي في الديني و للدين في الدولة فيصبحا شيئا واحدا لا يقبل التجزئة فيقول: ” أصبحت الدولة في الإسلام هي الدين و أصبح الدين في الإسلام هو الدولة”.. و بالرغم من تأكيده على أن الدولة و الحكم ليسا من أركان الإسلام، يربط محمد عمارة بينهما بشكل أخر، و لكنه في نهاية الأمر يؤدي لنفس النتيجة قائلا بأن “الدولة ، رغم أنه ليست فريضة قرآنية ولا ركنا من أركان الدين، إلا أنه لا سبيل، في حال غيابها ، إلا الوفاء بكل الفرائض القرآنية و الاجتماعية، و الواجبات الإسلامية الكفائية، التي يقع الاثم بتخلفها على الأمة جمعاء و التي كانت، لذلك ، أكد من فروض الأعيان!” ، فوجوب الدولة في وجهة نظره الإسلاموية راجع إلى إنها “مما لا سبيل إلى الواجب الديني إلا به”.

ولا يختلف طرح القرضاوي عن سيد قطب كثيرا، فهو يقول بأن الاسلام يحمل كل مسلم مسؤولية سياسية و هي : «أن يعيش في دولة يقودها إمام مسلم يحكم بكتاب الله، و يبايعه الناس على ذلك، وإلا التحق بأهل الجاهلية» و يستكمل القرضاوي تلك المنظومة بربط الصلاة أيضا بالسياسة فيقول بأن “المسلم قد يكون في قلب الصلاة، و مع هذا يخوض في بحر السياسة، حين يتلوا من كتاب الله الكريم آيات تتعلق بأمور تدخل في صلب ما يسميه الناس سياسة”، ثم يقول صراحة و بكل وضوح بأن “الإسلام لا يعرف دينا بلا دولة، ولا دولة بلا دين”.. ثم يجيء بنظرية جديدة فالإسلام كما يقطع القرضاوي “أوسع من كلمة دين ولذا فقد جعل علماء الأصول المسلمون إحدى الضرورات الست التي جاءت الشريعة لحفظها”. بهذه النظرية تعدى القرضاوي مرحلة ربط الدين بالسياسة، و حتى مرحلة تقديس تلك العلاقة بل جعل السياسة دينا يحتوي الدين ذاته. و من غير الممكن أن نفهم كيف للقرضاوي أن يقول عن أردوغان “الله معك وشعوب العرب والمسلمين معك، ونحن علماء الأمة الإسلامية في المشارق والمغارب معك.. و جبريل وصالح المؤمنين، والملائكة بعد ذلك ظهير”، و ذلك على الرغم من أن نموذج حكم أردوعان لا يتماشى بالمطلق مع النموذج الذي ينظر له القرضاوي، والذي تناولنا أهم ملامحه في السطور السابقة.

بعد أن رأينا كيف اختزلت الإسلاموية الدين في السلطة والحكم – لتشكيل نمط تدين مفارق للدين، جاعلا منه حقيقة مجرد وسيلة للوصول للسلطة تحت غطاء تطبيق نظام تتدعي أنه الدين، في حين أنه متخيل أيديولوجي وانحراف عن غاية الدين الفلسفية والأخلاقية بنمط تديني سياسي مكيافيلي يسعي قبل كل شيء إلى السلطة والغلبة والإقصاء لكل من يخالفه – نستطيع أن نفهم كيف أصبح من هو في سدة الحكم من غير الإسلاميين عدوا للدين مهما فعل وبغض النظرعن نمط تدينه، و نستطيع أن نفهم أيضا كيف أصبح من ينافسهم على الحكم أو يسعى إلى إزاحتهم عن الحكم نظرا لخطورتهم على الدين و المجتمع و الدولة عدوا للدين أيضا مهما فعل وبغض النظر عن نمط تدينه. وبهذا المدخل فقط نستطيع أن نفهم التناقض بين الأقوال والأفعال وبين الأقوال والأقوال و بين الأفعال والأفعال الذي يسيطر عل خطاب الإسلاموية وأفعالهم طوال تاريخهم، وكيف أن الوسائل “الحلال” التي أتت بهم للحكم في بعض البلدان أصبحت حراما عند استخدمها من قبل غيرهم ضدهم، ونسطيع أن نفهم كيف أن أول انقلاب قام به الإخوان في تاريخهم في اليمن عام 1948 كان ضد نمط حكم يطبق الشريعة، و نسطيع أن نفهم أيضا كيف يعتبر الإسلامويون أن نظام أردوغان الذي يعمل ضد معظم أخلاقيات الإسلام في سياسيته الداخلية و الخارجية هو الذي يمثل الإسلام دون غيره من كل بلاد المسلمين وخصوصا من منها الذي يعاديه نظام أردوغان. لن نستطيع إلا من خلال ذلك المدخل أن نفهم لماذا يغضب الإسلامويين من تفتيش المساجد في فرنسا و ألمانيا و لماذا لم يغضب هؤلاء عندما برر القرضاوي و شرعن لحركة حماس اقتحام مسجد ابن تيمية في غزة عام 2009 وقتل جميع من كان بالمسجد، و أن نفهم أنه لا أحد من أبناء القرضاوي شارك في حرب أو فجر نفسه أوعرض نفسه لأي خطر رغم أن القرضاوي في عام 2014 قال “لو كان عندي القدرة الآن لأذهب إلى فلسطين لأقاتل لذهبت.

و كأننا أمام تدشين رسمي لدين جديد..”الإسلاموية”، والتي تسعى لاحتلال الإسلام فيصبح هو الإسلاموية و الإسلاموية هو. وبالتالي من ينتقد حتى من المسلمين إحلال الإسلاموية محل الإسلام فهو يعادي هذا الأخير. وبهذا المنطق يرى الإسلامويون أن أكثر من مليار ونصف يعادون الإسلام (الذي هو الإسلاموية) و يؤمن به فقط بضعة آلاف من الإخوان. أنه تطبيق عملي لفكرة الجاهلية و تكفير المجتمع التي نظر لها أحد مؤسسي هذا الدين الجديد و هو سيد قطب. و في هذا الإطار نستطيع أن نفهم عندما تتصدر عنواين الجزيرة أن قائدا أو مفكرا أو إعلاميا مسلما ما يعادي الإسلام لمجرد أن يختلف مع قطر و تركيا في أمور سياسية أو أنه يريد تحرير الدين من رغبة الإسلاموية في احتلاله.

خلاصة الأمر، أنه وبعكس ما يعتقد الكثير من الباحثين، كل شيء متغير لدى الإسلاموية إلا السعي للسلطة أو الإحتفاظ بها، فهو الثابت الوحيد في تاريخها و الذي يضحي من أجله بالإنسان و بالمنظومة الأخلاقية للدين نفسه و ذلك بتحويله – في نمط تدينهم – إلى “طائفة سياسية دينية”، تجور على الغائيات الفلسفية والأخلاقية العميقة للدين، وذلك بالتوسل به للوصول للحكم أو للحفاظ علي الحكم، وبجعله محور للصراع حول الحكم، فيصبح بدلا من أن يكون عامل تقريب و توحيد ونماء و رخاء، مصدرا – في صورته الإسلاموية – للفرقة والاحتراب والشقاء و التدمير..أنه تدين ضد الدين.

نقلا عن العين الإخبارية

Exit mobile version