حوار سعودي إيراني!
هل هناك حوار سعودي إيراني؟ هذا السؤال تفرضه أولاً ضخامة البلدين وأدوارهما في ملفات المنطقة الملتهبة.
وتفرضه ثانيًا كثرة الأنباء والتسريبات عن حوارات جرت أو أخرى قيد الإعداد بوساطة دول مجاورة، كان آخرها ما نشرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” الأحد الماضي عن مباحثات مباشرة جرت مطلع الشهر الجاري بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين بارزين في بغداد، الصحيفة نفسها نقلت عن مسؤول سعودي كبير نفيه إجراء أي محادثات مع إيران، ونقلت “قناة الميادين” اللبنانية المؤيدة لإيران عن مصدر إيراني نفيه أيضاً إجراء محادثات مع السعودية.
قضية الحوار المباشر بين دول الخليج العربية، خصوصاً السعودية وإيران يدور حولها الكثير من الجدل في أوساط الساسة والمحللين، خاصة بعد إعلان الرئيس بايدن عن تغيير في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط؛ إذ يبدو أنه يريد تقليل انشغاله بالمنطقة لصالح خوض منافسة استراتيجية مع الصين، والتي يرى أنها ستكون التحدي الأكبر في فترة رئاسته، بناءً على ذلك يرى البعض أن الفرصة اليوم مواتية لإنشاء نظام أمني جديد في منطقة الخليج العربي، وإطلاق حوار لتحسين العلاقات بين إيران والسعودية ليسهم ذلك في تخفيف حدّة التوتر في الإقليم، ولكن في الحقيقة هذه التصوّرات غير واقعية لسببين، أولاً: لأن الأخطار التي تراها الرياض مهددة لأمنها الوطني من جانب إيران لم ولن ترتبط بشخصية وسياسة من يقود البيت الأبيض، بل هي أخطار موجودة ومستمرة منذ عقود طويلة. ثانياً: حل الخلافات السياسية عن طريق التفاوض والحوار صحيحة من حيث المبدأ، ولكنها مستحيلة مع دولة ترفض التخلي عن سياستها العدوانية التي أصبحت جزءاً من طبيعة نظامها السياسي، ودولة تريد أن يبدأ الحوار معها من حيث ما انتهت إليه مليشياتها المتناثرة في المنطقة، وفي كل مرة حاولت السعودية تغليب مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل مع إيران اصطدمت بسياساتها المنافية لكل هذه المبادئ، وإصرارها على المضي في سياسة التدخل في شؤون المنطقة وزعزعة أمنها واستقرارها.
المتابع لمحادثات فيينا بين دول الاتفاق النووي السابق والنظام الإيراني يدرك أن التاريخ يعيد نفسه، وأن الخطأ نفسه يتكرر اليوم في فيينا، والنتيجة لن تكون مختلفة بالتأكيد، ولذلك لا بد أن تكون هنالك سياسات واقعية عملية تحفظ مصالح دول الخليج العربية، وتدفع إيران لتغيير سياساتها التوسعية في المنطقة، الأكيد أن دول الخليج لا تريد الحرب والفوضى؛ لأن لديها مشاريع للتنمية وبناء المستقبل، إلا أنها في الوقت نفسه لن تقبل بأن يكون النظام الإيراني مهيمناً على المنطقة بمباركة دولية، وهي بما لديها من قوة اقتصادية وسياسية وأمنية قادرة على وضع سياسات فعّالة، تدفع النظام الإيراني نحو التوقف عن دعم الإرهاب والتدخل في شؤونها الداخلية وتبني خيار السلام والاستقرار.